يبدأ الطفل فى سنوات تعليمه الأولى بتعلم الكتابة على ورقات متباعدة الأسطر، يطلبها منه المعلم لعلمه أن الطفل فى بداية تعلمه ستتباعد منه الحروف، فلو كتب فى الورق المعتاد لتداخلت الحروف والكلمات، ولكي يحسن الطفل الكتابة يمسك المعلم أحيانا بيده حتى يعلمه كيف تستقيم كتابته. وبعد فترة من التعليم، يظن الطفل أنه قادر على الكتابة بمفرده بدون مساعدة يد معلمه فيبدأ الخطأ، ويحاول المعلم أن يمسك بيده مرة أخرى ليعلمه، ولكن الطفل يرفض ظنا منه بعدم حاجته للمساعدة. يذكرنا حال الطفل الذى ظن أنه يحسن الكتابة بالكثير من المواقف التى تمر بنا الآن، فالكل يتكلم فى السياسة ويظن أنه يفهم فيها أكثر من أهل السياسة أنفسهم، وينسى أن أساتذة العلوم السياسية لا يتفقون غالبا فى آرائهم حتى أنهم يبدون كالديكة فى حلبة مصارعة، وتظن أنك أمام سياسيين يحتاجون إلى كراسة التسعة أسطر حتى يبدأوا أولى خطوات الحضانة السياسية. ونرى كذلك مساجلات دينية بين أهل الدين أنفسهم، ففى الدين مساحات تحتمل الاختلاف السائغ، ولكن له ثوابت لا يجوز الطعن فيها، وهذه الاختلافات والثوابت يعلمها أهل العلم والاختصاص، ولا ينبغى للعوام أن يجادلوهم فيها. فنجد أستاذا بالأزهر -يسانده آخرون- يهاجم فنانة فيصفها بشديد الألفاظ، ويرد عليه أساتذة أزهريون آخرون بالدفاع المستميت عنها بكلمات تصورها وكأنها عابدة فى محراب صلاة. وبين مشاحنات الفريقين، تتعدى هذه الفنانه على الأستاذ بالقول بأنه نكرة وأن ما قاله ليس من الدين فى شئ، ونسألها هل ما تفعله - من أعمال فنية- يجيزه سطر واحد من الدين؟ فإن الحلال ما أحله الله والحرام ما حرمه الله. مساجلات ومناقشات ومداولات بين أناس من العوام لو أحسنوا لبدأوا بكراسة التسعة أسطر لبداية حل عملي لمحو أميتهم الدينية. منذ عدة سنوات صدر من كاتب كبير كلمات تدل على عدم دراية بأساسيات العقيدة الإسلامية، فرد عليه الشيخ الشعراوى- رحمه الله- بوصفه بشيخوخة الفكر وطفولة العقيدة. فصل المقال أنه من أراد أن يغادر صفوف الحضانة الأولى لينعم بالفهم الصحيح فليذاكر قول الله عز وجل: "والعصر. إن الإنسان لفى خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر". فكل من سار فى طريق غير طريق الله فى خسر، والطريق الوحيد لفلاحه فى الدنيا والآخرة أن يتمسك بهذه الأربع. وأولها: الإيمان، فعلى العبد أن يستكمل إيمانه قبل أن يلقى ربه جل وعلا، وله علامات فى الدنيا كما قال تعالى "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله. ألا بذكر الله تطمئن القلوب". وثانيها: الأعمال الصالحة وهى الأعمال التى تقرب العبد إلى الله تعالى وليست الأعمال التى يمتدحها بعض البشر ويغضب عليها رب البشر، كما قال تعالى "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا. الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا". وثالثها: التواصى بالحق وهو فى معنى الدعوة إلى الله، وهى تحتاج من العبد أن يكون عف اللسان، باسط الوجه، جميل المنطق، يأمر بالمعروف بالمعروف، وينهى عن المنكر بالمعروف، ويعلم أن سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان من أشد أعداء الإسلام، وعندما أنار الله قلبه بالإيمان لقب بالفاروق لأنه فرق بين الحق والباطل، وليعلم داعى اليوم أنه قد يحتاج لمن يذكره بالله غدا، فإن الحي لا يأمن الفتنة. رابعا: التواصي بالصبر، فطريق الدعوة إلى الله طريق شاق، بدأه الحبيب صلى الله عليه وسلم، ولقى فيه الكثير من العنت والمشقة، وليست قصة إيذائه من أهل الطائف ببعيدة عن أذهان الدعاة إلى الله، فلو تذكرها الداعى عند المشقات لهانت عليه أى مشقة. وعلى كل منا ألا يستنكف أن يتعلم من المتخصصين، وعليه ألا يرفض من يمسك بيده ليعلمه كتابة الأحرف الأولى ظنا منه خداع معلمه أو عدم إخلاصه له.