أسعار صرف الدولار أمام الجنيه اليوم الجمعة 3 أكتوبر 2025    أسعار البنزين والسولار اليوم الجمعة 3 أكتوبر 2025 فى محطات الوقود    جبران: تحرير 6185 محضرًا بشأن تراخيص عمل الأجانب خلال 22 يومًا فقط    بكام الطن؟.. أسعار الأرز الشعير والأبيض الجمعة 3-10-2025 في أسواق الشرقية    شهداء ومصابون في قصف إسرائيلي لخان يونس    إسرائيل تعلن قتل ثلاثة من عناصر حزب الله في جنوب لبنان    أخبار مصر: الزيادة المتوقعة بأسعار البنزين، ترامب يهدد بإشعال أمريكا بسبب الإغلاق الحكومي، الكشف رسميًّا عن كرة مونديال 2026    الأقصر وأسوان الأعلى، معلومات الوزراء يرصد درجات الحرارة اليوم الجمعة    مقتل شاب علي يد عاطل بسبب خلافات مالية بطوخ.. والأمن يضبط المتهم    بسبب الحفلات المزيفة.. إجراء قانوني من الشامي بسبب حفل إسطنبول    هل تتحقق توقعات ليلى عبد اللطيف بثراء 4 أبراج فى أواخر عام 2025؟    هل تناول المكملات الغذائية فعال للجسم؟ نصائح للتأكد من فاعليتها    بوتين يحذر أمريكا من تزويد أوكرانيا بصواريخ توماهوك    الفيضان قادم.. والحكومة تناشد الأهالي بإخلاء هذه المناطق فورا    القنوات الناقلة مباشر لمباراة مصر ضد تشيلي في كأس العالم للشباب 2025    ليلى علوي تنهار من البكاء خلال مهرجان الإسكندرية.. اعرف التفاصيل    تصريح صادم من سماح أنور عن المخرجة كاملة أبو ذكري    يحيى الفخراني: هوجمنا في قرطاج بسبب «خرج ولم يعد».. وهذا سبب بقاء فيلم الكيف    موعد شهر رمضان 2026 .. تعرف على غرة الشهر الكريم وعدد أيام الصيام    اضطرابات في مطار ميونخ بسبب مشاهدة مسيرات    القبض على المتهم بالشروع فى قتل صاحب محل بالوراق    الشرطة البريطانية تكشف هوية منفذ هجوم مانشستر بالقرب من كنيس يهودي    رياض الخولي أثناء تكريمه في مهرجان الإسكندرية السينمائي: "أول مرة أحضر مهرجان .. وسعيد بتكريمي وأنا على قيد الحياة"    استشهاد شاب فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي غرب رام الله    محافظ الإسكندرية عن التكدسات المرورية: المواطن خط أحمر ولن نسمح بتعطيل مصالحه    «عماد النحاس لازم يمشي».. رضا عبدالعال يوجه رسالة ل مجلس الأهلي (فيديو)    رسميًا بعد ترحيلها.. موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 وفقًا لتصريحات الحكومة    موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الموسم السابع 2025 على قناة الفجر الجزائرية    أسعار الفراخ اليوم الجمعة 3-10-2025 في بورصة الدواجن.. سعر كيلو الدجاج والكتكوت الأبيض    أمين عمر حكم لمباراة كهرباء الإسماعيلية ضد الأهلي    نائب محافظ سوهاج يكرم 700 طالب و24 حافظًا للقرآن الكريم بشطورة    سورة الكهف يوم الجمعة: نور وطمأنينة وحماية من فتنة الدجال    الشاعر مصطفى حدوتة بعد ترشح أغنيته للجرامي: حدث تاريخي.. أول ترشيح مصري منذ 20 عامًا    اللجنة النقابية تكشف حقيقة بيان الصفحة الرسمية بشأن تطبيق الحد الأدنى للأجور    ناقد رياضي يكشف كواليس خروج حسام غالي من قائمة محمود الخطيب    ناقد رياضي: هزيمة الزمالك من الأهلي أنقذت مجلس القلعة البيضاء    مختار نوح: يجب محاسبة محمد حسان على دعواته للجهاد في سوريا    أستاذ علوم سياسية: إعلان ترامب عن الموافقة العربية توريط لتمويل الخطة    اللواء محمد رجائي: إعادة «الإجراءات الجنائية» للنواب يُؤكد حرص الرئيس على قانون يُحقق العدالة الناجزة    بالصور.. مصرع طفلة وإصابة سيدتين في انهيار سقف منزل بالإسكندرية    انتداب المعمل الجنائي لفحص حريق مخزن وشقة سكنية بالخانكة    موعد إعلان نتيجة منحة الدكتور علي مصيلحي بالجامعات الأهلية    مدرسة المشاغبين، قرار صارم من محافظ القليوبية في واقعة ضرب معلم لزميله داخل مكتب مدير المدرسة    رسميا.. 4 شروط جديدة لحذف غير المستحقين من بطاقات التموين 2025 (تفاصيل)    «أفضل صفقة».. باسم مرسي يتغزل في مهاجم الزمالك    أتربة عالقة في الأجواء .. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الجمعة 3 أكتوبر 2025    رابط التقييمات الأسبوعية 2025/2026 على موقع وزارة التربية والتعليم (اعرف التفاصيل)    الزمالك يعالج ناصر منسي والدباغ من آلام القمة 131    نائب محافظ سوهاج يكرم 700 طالب و24 حافظًا للقرآن الكريم بشطورة| فيديو وصور    كراكاس تتهم واشنطن بانتهاك سيادة أجوائها    حزب الإصلاح والنهضة يدشّن حملته الانتخابية للنواب 2025 باستعراض استراتيجيته الدعائية والتنظيمية    «هيدوب في بوقك».. طريقة سهلة لعمل الليمون المخلل في البيت    ضيفي ملعقة «فلفل أسود» داخل الغسالة ولاحظي ماذا يحدث لملابسك    ركّز على اللون وتجنب «الملمس اللزج».. 6 علامات تنذر بفساد اللحوم قبل شرائها    منافسة ساخنة على لوحة سيارة مميزة "ص أ ص - 666" والسعر يصل 1.4 مليون جنيه    مواقيت الصلاة في أسيوط اليوم الجمعة 3102025    الكويت تدخل موسوعة "جينيس" للأرقام القياسية بأطول جراحة روبوتية عابرة للقارات    خالد الجندى: كثير من الناس يجلبون على أنفسهم البلاء بألسنتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وتواصَوْ بالحق وتواصَوْ بالصبْر
نشر في مصر الجديدة يوم 19 - 04 - 2012


رسالة من: أ.د. محمد بديع
المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن سار على هديهم، وسلك طريقهم إلى يوم الدين.. أما بعد:
فيقول الله تعالى: (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)) (العصر).
قال الشافعي رحمه الله: "لو تدبَّر الناسُ هذه السورة لوسعتهم وكفتهم".
إن هذه السورة فيها إيجاز وإعجاز؛ وذلك لأنه سبحانه تعالى حكم بالخسار على جميع الناس إلا مَن قام بهذه الأشياء الأربعة، وهي الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، وإنه كما يلزم المكلف تحصيل ما يخص نفسه، فكذلك عليه واجب نحو غيره، ألا وهو: الدعاء إلى الدين، والنصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يحب له ما يحب لنفسه.
كما دلَّت الآية على أن الحق ثقيلٌ، وأن المحن تلازمه، فلذلك قرن به التواصي.
وبذلك أوصى لقمان ابنه فقال: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)) (لقمان).
ومَن لم يتمثل هذه السورة، فسيكون من الخاسرين، وكأنَّ هذه السورة تخاطب الإنسان: يا ابن آدم أنت تحمل عمرك، الذي هو رأس مالك، منذ وُلدت من بطن أمك وهو تتساقط ورقاته يومًا بعد يوم وقيل: الإنسان إذا تنفَّس تنقَّص. وَمِنْهُ قَوْلُ الْقَائِلِ:
إِنَّا لَنَفْرَحُ بِالْأَيَّامِ نَقْطَعُهَا ... وَكُلُّ يَوْمٍ مَضَى نَقْصٌ مِنَ الْأَجَلِ
وإن التواصي من أفعال المشاركة، ويحمل في دلالته أنني حين أُوصيك بالحق لا أدَّعي الكمال في نفسي، أو التميز على غيري، وإنما أنا في حاجةٍ إلى مَن يوصيني بالتزام الحقِّ، ويحثني على الصبر، فكل منا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم مرآة لأخيه، ويعمل على إصلاحه، وتخليصه من آثامه وأوزاره، "المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى" حتى نلقى الله طيبين طاهرين، وليكن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد خرج أثناء مرضه الأخير- كما بيَّن الفضل ابن عباس وعلي رضي الله عنهما حتى جلس على المنبر، ثم قال: "أيها الناس من كنت جلدتُ له ظهرًا، فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عرضًا، فهذا عرضي فليستقد منه، ومن أخذت له مالاً، فهذا مالي فليأخذ منه، ولا يخش الشحناء من قِبَلي، فإنها ليست من شأني، ألا وإنَّ أحبكم إليَّ من أخذ مني حقًّا إن كان له، أو حللني، فلقيت ربي، وأنا طيب النفس".
وجاء خلفاء الرسول من بعده فنسجوا على منواله، واهتدوا بهديه، فهذا أبو بكر رضي الله عنه يصعد المنبر بعد أن بويع بالخلافة، فتكون أول كلمة يقولها توكيدًا لمعنى المساواة، ونفيًا لمعنى الامتياز، قال: "أيها الناس، قد وُليت عليكم ولست بخيركم، إن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأت فقوموني. ثم يعلن في آخر كلمته أن من حق الشعب الذي اختاره أن يعزله، فيقول: أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم".
من الحق الذي يجب أن نتواصى به
أيها الناس أجمعون:
بعد أن أشرقت شمس الحرية على بلادنا، فإننا نُشرف على نقطةٍ فاصلةٍ في حياتنا بين حياة كان الحاكم يجثمون على صدور الشعوب، ليحقق مصالحه الشخصية ويؤمن مصالح أعداء الوطن، ولو على حساب قهر الشعب واستذلاله وسجنه وقتله، وبين حياةٍ كريمةٍ يكون الشعب سيدًا في أرضه، ويتمتع بكامل حريته وعزته، وتحفظ له كل حقوقه في توازٍ مع أدائه لما يتطلبه الوطن من الواجبات.
وفي هذه المرحلة الفاصلة يجب علينا أن نتواصى بما ينفع الوطن الغالي العزيز، وينهض به وفي مقدمة ذلك:
أولاً: مصلحة مصر هي المصلحة العليا
إن الواجب على كل فردٍ في الوطن أن يهتم بالمصلحة العامة، ويقدمها على المصالح الشخصية؛ بأن ننخلع من الأنانية والأثرة، ونسمو بأنفسنا إلى درجة الإيثار؛ بأن نجعل نهضة مصر ورقيها وأمنها واستقرارها هي الهدف الأول والأسمى في حياتنا؛ ما يوجب على الجميع أن يتحمَّل الآلام والشدائد، ويُضحي براحته ووقته ونفسه، ويتنازل عن بعض آرائه ليلتقي الجميع على أهداف واحدة، تمكننا من أن نتحرر من أغلال الداخل، وقيود الخارج، وكلهم يمكرون ويكيدون ليل نهار من أجل الالتفاف على ثورات الشعوب المباركة، حتى لا تؤتي أكلها الطيبة، ونجني ثمارها المباركة، ألا ساء ما يمكرون، ونحن على إيمان ويقين من أن الله سيحبط مكرهم، بل وسيرد كيدهم إلى نحرهم، فيهلكون أنفسهم بأيديهم: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) (فاطر: من الآية 43).
ويُضاف إلى هذا الإيمان واليقين بالله، ثقتنا التامة في أن الشعوب التي أسقطت حكامها المستبدين الطاغين، على درجةٍ من الوعي والنضج والرشد، وأنها لن تقبل عن الحرية بديلاً، ولن تدع مكانًا في حياتها لمن كان سببًا في تخلفه وذله وقهره وهوانه، مطمئنين لوعد الله الحقِّ لكل المظلومين في مواجهة الظالمين "وعزتى وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين".
ثانيًا: جمع الكلمة وتوحيد الصفوف
إن العمل من أجل الوطن الغالي العزيز يقتضي أن تحافظ الشعوب على لحمتها، وأن تتوحد جهودنا لتصب جميعها في رقي مصر ونهضتها، ومجال العمل فيه متسع لكل الفصائل، ومصر تحتاج إلى جميع الطاقات، ويجب علينا ونحن نعمل لبناء مصر أن نستشعر روح ثورة 25 يناير الذي وقف فيه كل أبناء الوطن يدًا واحدةً، المسلم والمسيحي، والرجل والمرأة، والصغير والكبير الجميع انصهر في بوتقة التحرير على هدفٍ واحد، فتحقق لهم إسقاط الرئيس، ولا يمكن للثورات أن تصل إلى ما تريد إلا بعد أن تتفق على الهدف وتتحد عليه وفي الاتحاد قوة.. وما الجمعة الماضية وما سيتلوها من جمعاتٍ إلا عودة لروح الثورة من جديد، وضخ للدماء في شرايينها بعد أن لاح في الأفق ما يهدد حياتها.
والإخوان المسلمون سيعملون بكل ما أُوتوا من قوةٍ لجمع الصفوف، وإزالة ما بين الفرقاء من اختلاف، وإذابة كل ما يمزق الأمة، أو يثير الصراع، أو يقعد عن العمل، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة حين اختلفت قبائل قريش وتنازعت فيمن يضع الحجر الأسود عند بناء الكعبة، فعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على إرضاء الجميع بوضعه في ثوب ودعائه رؤساء القبائل ليمسك كل واحد بطرف.
ونحن في مصرنا العزيزة المترامية الأطراف والمتعددة المجالات ندعو الجميع ليحمل طرفًا من مشاكل مصر ومعاناتها وما أكثرها، وليخلص في السهر والعمل من أجل البناء والتعمير، بناء النفوس وتعميرها بالإيمان العميق وبناء السلوك القويم بمنظومة من الأخلاق تحفظ على الأمة هويتها، وتكون أساس انطلاقتها لبناء اقتصادي قوي، وإقامة حضارة تفخر بها الأجيال المتعاقبة.
ثالثًا: الخروج من نفق الأقوال إلى ميدان الأعمال
إن النهوض بالأمة لا يمكن أن يتحقق بما آل إليه أمرنا، وصار عليه حالنا، من كثرة الأقوال، وانتشار الجدل واتهام النوايا، وكيل الاتهامات لبعضنا البعض.. والانشغال بذلك عن العمل البناء المخلص؛ ما جعلنا نرجع إلى الوراء، ونفتح الباب أمام المتربصين بالوطن والشعب، دعاة الثورات المضادة أن ينفخوا في آتون الاختلاف لزيادة فرقتنا، وينشروا الإشاعات المغرضة لقتل الثقة فيما بيننا، ويبثوا بذور التنازع المؤدي للفشل والضعف: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) (الأنفال).
والأدهى من كل ذلك أنهم يفتعلون الأزمات؛ ليخربوا العامر، ويهدموا المبني، وينشروا الرعب في أرجاء الوطن.. حتى يصلوا بنا إلى حالاتٍ من اليأس والإحباط من تحقيق الإصلاح أو عودة الأمان والاستقرار.
ومن أجل ذلك أهيب بكل أبناء الوطن العزيز أن يكون ردهم على المرجفين بالمدينة بالعمل المتواصل والمستمر، لا بالأقوال والجدال، ورحم الله الإمام البنا حين وجه الجماعة والأمة من خلالهم إلى العمل، فكتب رسالة "هل نحن قوم عمليون؟"، وإذا هدى الله قومًا ألهمهم العمل: "وما ضل قوم بعد هدي كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل".
إن العمل ضرورة حتمية لتتحرك عجلة الإنتاج، ونتحول من استنزاف أرصدتنا وتراكم الديون إلى التخلص من الديون، وتحقيق رغد الحياة لكل مواطن بحيث يتوفر له ضرورات حياته وحاجياته، ونرتقي به بعد ذلك لنصل به إلى الكماليات.. وما ذلك على الله بعزيز..
رابعًا: توطين النفس على الإحسان
عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وإِن أساؤوا فَلَا تظلموا ". والإمّعة هو الرّجل الّذي يكون لضعف رأيه مع كل أحدٍ، ويقول: أنا أكون مع النّاس كما يكونون معي إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ، ولكن أوجبوا على أنفسكم الإحسان بأن تجعلوها وطنًا للإحسان، ولا مكان فيها للظلم، مهما ظلم الناس من حولكم.
وكونوا أداةً لبناء الوطن، ولا تتبعوا هؤلاء الذين يحملون معاول الهدم والتخريب ونشر الرعب والفزع في ربوع الوطن.. بل نقف لهم بالمرصاد، ونحول بينهم وبين العبث بمقدرات الدولة وثرواتها.. وليكن كل مواطن جنديًا لحماية الوطن والمحافظة على أمنه واستقراره.
مشروع الإخوان للنهضة ملك للجميع
إن مشروع الإخوان المسلمين لنهضة مصر، ليس مشروعًا خاصًّا بهم، وتحقيقه لا يمكن أن يتم بجهودهم وحدهم، كما أنه ليس خاصًّا بفترة رئاسية محددة، إنما هو مشروع ثابت طويل المدى، وملك للشعب كله، ولا يعرف الإخوان سياسة الإقصاء، ولكنهم يهيبون بالجميع ليتعاونوا على تحقيقه، وعلى كل مواطن أن يُسهم بوضع لبنةٍ أو لبناتٍ في هذا الصرح العظيم، وعلى الرؤساء والحكومات المتعاقبة ألا تهدم ما سبق، وألا تبدأ من الصفر، ولكنها تعمل لإضافة لبناتٍ في بناء الوطن، حتى يأتي اليوم الذي يكتمل فيه البناء، ونرى مصرنا في مقدمة ركب الدول المتقدمة، خصوصًا أن حضارتها أقدم الحضارات، وشعبها عريق الأصول ممتد الجذور وصانع الحضارات ومعلم الأمم.
التواصي بالصبر أساس النجاح:
هذا المشروع العظيم سوف يواجهه العديد من المشقات، ويقف في طريقه الكثير من العقبات، وسلاحنا في تخطي ذلك أن يصبر بعضنا على بعض، وأن يأخذ كل منا بيد الآخر لما فيه خير الوطن، وكلما نفد صبر أحدنا وجد من يوصيه بالصبر، ويحثه على الثبات، ويدعوه لعدم التعجل، ومن تعجل قطف الثمار قبل أوانها عُوقب بالحرمان، وبناء الدول لا يتحقق في يومٍ ولا شهرٍ ولا سنة، ولكنه يحتاج إلى سنين، فما هدمه النظام الفاسد السابق في عشرات العقود يحتاج على الأقل إلى سنين عددًا لإزالة الركام وتأسيس البناء، وليكن شعار كل أبناء الوطن في المرحلة المقبلة: الإيمان العميق، والعمل المتواصل، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، وبالصبر نكون في معية الله ومن كان الله معه كان معه كل شيء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)) (البقرة).

نصيحتي للإخوان المسلمين:
لا تأبهوا لما يُنشر حول دعوتكم من الشبهات، وظلم الاتهامات، وإظهارها للناس في أبشع صورة، معتمدين علي قوتهم وسلطانهم، ومعتدين بأموالهم ونفوذهم في وسائل الإعلام: (يُرِيدُونَ أَن يُطفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفوَاهِهِم وَيَأبَى اللهُ إِلا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ (32)) (التوبة).
واجعلوا ردكم عليهم بالمزيد من الأعمال، والتنافس في فعل الخير وتقديم المعروف للناس، ومسح آلامهم بيد حانية، ونفس متواضعة، وبنية خالصة لوجه الله، وأمل واسع فسيح بأن العاقبة للمتقين المخلصين، وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض، وفي صدر الإسلام قالوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يحزنه، فكانت مواساة الله له: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)) (الأنعام).
فأعلنوا أيها الإخوان عن دعوتكم بين الناس بكل قوةٍ واعتزازٍ؛ فأنتم تقدمون للناس شريعة القرآن، وهي أعدل الشرائع، وإن العالم كله في حاجةٍ إلى هذه الدعوة، وكل ما فيه يُمهِّد لها، ويهيئ سبيلها، وإننا بحمد الله براء من المطامع الشخصية، بعيدون عن المنافع الذاتية، ولا نقصد إلا وجه الله وخير الناس، ولا نعمل إلا ابتغاءَ مرضاته، وإننا نترقب تأييد الله ونصره: (وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمرِهِ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لا يَعلَمُونَ) (يوسف: من الآية 21).


والله أكبر ولله الحمد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.