أثمرت قدرات الرئيس اوباما الخطابية والفكرية تدفق اموال التبرعات لحملته الانتخابية السابقة، 2008، وتفوق على خصمة جون ماكين في الاموال المخصصة للحملات الاعلامية بنسبة 4 الى 1. عند بدء التحضيرات لحملة اعادة انتخاب الرئيس، العام الماضي، سادت اجواء التفاؤل المفرط بين فريقه الانتخابي تتكهن بقدرة الحملة جمع مليار دولار للسباق الرئاسي الجاري. جرت مياه كثيرة منذ العام الماضي تركت آثارها على مسلمات فريق حملة الرئيس الانتخابية، منها ما لم يكن في الحسبان، اذ تفوق خصمه الجمهوري ميت رومني في جمع التبرعات المالية التي بلغت 101.3 مليون دولار لشهر تموز الماضي، ورصيده الخالص في المصارف المالية بلغ 185.9 مليون دولار. بالمقابل، اقصى ما استطاع الرئيس اوباما والحزب الديموقراطي جمعه هو 75 مليون دولار، لذات الفترة، والرصيد الصافي 95.8 مليون دولار. على رأس العوامل التي ادت الى تراجع الدعم المالي، بشكل عام، الازمة الاقتصادية الشمولية والتي ادت الى تراجع منابع الدعم بين مكونات القاعدة الديموقراطية، كذلك تراجعت تبرعات المؤسسات التقليدية للعملية الانتخابية. واستنادا الى وثائق هيئة الانتخابات المركزية (الفدرالية)، جاء فيها ان مستوى التبرعات لصالح الرئيس اوباما انخفض الى نحو 34% عن مستويات حملة الانتخابات الماضية. وعليه، فان القاعدة الثابتة على دعمها الرئيس اوباما تتشكل من النشطاء العاملين في قطاع المرأة الى جانب شريحة المتقاعدين الذين ابقوا على ولائهم الراسخ وضاعفوا مستويات تبرعاتهم لنحو 50% مقارنة بما كانت عليه عام 2008. كما أن شريحة من الميسورين اغلبها من المثقفين وسكان المدن بقيت ثابتة ايضا على دعم الحزب الديموقراطي، وتضم عددا لا بأس به ممن يمارسون مهنة المحاماة الذين يقع عليهم عاتق دعم الحزب الديموقراطي والرئيس اوباما بشكل كبير. يضاف إلى تلك الشرائح الداعمة للحزب الديموقراطي مجموعة الميسورين المثقفين واليافعين من سكان الضواحي، وشريحة المتقاعدين قاطنوا الضواحي. إذن، من هي المجموعات والشرائح التي تخلت عن دعمها للرئيس اوباما وهجرته؟ الاثرياء يتصدرون القائمة بالطبع. للدلالة، قدمت نخبة الاثرياء نحو 58.3% من تبرعاتها المالية عام 2008 لصالح المرشحين الديموقراطيين. راهنا، بلغت نسبة المتبرعين من النخبة عينها لصالح الحزب الجمهوري نحو 60%. تجدر الاشارة الى ظاهرة مثيرة، وهي انخفاض ملحوظ في حجم التبرعات لشهر ايلول / سبتمبر العام الماضي بالتزامن مع دعم بعض كبار رجالات الحزب الديموقراطي، بمن فيهم الرئيس اوباما، لحركة الاحتجاج"احتلوا وول ستريت." أيضا، ساهم انتقاد اوباما لقطاع المصارف وكبريات الشركات المالية في تراجع حجم التبرعات من مصادرها تلك. اذا دققنا النظر في قائمة مكونة من 20 من كبريات الشركات التي تبرع موظفوها لصالح الرئيس اوباما عام 2008 نجد انها تبخرت تماما في السباق الجاري. خمسة من تلك الشركات هي مصارف مالية، اثنتين مكاتب محاماة كبرى مقرها واشنطن، والاخيرة شركة جنرال الكتريك. الثابت حاليا ان قطاع المصارف والمال يقدم تبرعات اقل بنسبة 25% عما كان عليه عام 2008. تنحصر مصادر الدعم المالي لحملة أوباما الانتخابية راهنا في عدد من المؤسسات الجامعية الكبرى، منها: جامعة كولومبيا، جامعة ستانفورد، جامعة هارفارد، وجامعة كاليفورنيا التي تشكل بمجموعها قائمة ابرز 20 متبرعا، تليها شركات غوغل ومايكروسوفت وتايم وارنر. كما تجدر الاشارة الى ان موظفي الدولة المركزية يتصدرون قائمة كبار المتبرعين للحملة، وربما للمراتب العشرين الاولى. انخفاض احتياطي الدخل المالي لحملة الرئيس اوباما لا يتعلق بخطة تقشفية، ان وجدت، بل الامر مغاير لذلك. فالحملة تنفق اموالا بوتيرة اسرع من وتيرة تلقيها اذ تجاوزت الانفاقات الميزانية المخصصة لحملة عام 2008 الانتخابية. على سبيل المثال، توظف الحملة نحو 853 فردا لغاية شهر تموز الماضي، مقابل 779 لشهر حزيران، وتنفق اموالا طائلة على الحملات الدعائية لمنافسة تغلغل ميت رومني. وبلغ معدل الانفاق للحملة للشهر الماضي وحده نحو 59 مليون دولار، بنسبة تزيد 10 مليون عن مجموع دخل الشهر بأكمله، وتم انفاق نحو 325 مليون دولار للآن، دون الاخذ بالحسبان الاموال التي انفقها الحزب الديموقراطي لصالح مرشحيه على انشطة استطلاعات الراي والاعلانات والتي بلغت نحو 32 مليون دولار لشهر تموز عينه. للدلالة، بلغ الانفاق الدعائي لاوباما في مدينة كليفلاند بولاية اوهايو المتصارع عليها بشدة، حجز 87 فقرة دعائية اسبوعيا. للمقارنة، بلغ مجموع ما انفقه الرئيس بوش الابن في حملة الانتخابات عام 2004 نحو 205.4 مليون دولار. أما حملة ميت رومني الانتخابية فهي اصغر اداريا، ومعدل مجموع المرتبات الشهرية يبلغ1.6 مليون دولار، وانفقت مبالغ اقل من الخصم الديموقراطي على الحملات الدعائية.مجموع موظفي الحملة بلغ 326 لشهر تموز الماضي، بزيادة طفيفة عن الشهر الذي سبقه، اذ بلغ العدد 272 فردا. اما مجمل ما انفقته حملة رومني لحد الآن كان زهاء 165.3مليون دولار؛ في حين انفقت حملة الرئيس اوباما الانتخابية 48 مليون دولار ونيف الشهر الماضي للحملات الدعائية، اكثر من ضعف ما انفقته حملة الخصم الجمهوري. من العسير التكهن بقدرة حملة اوباما الانتخابية تعويض المبالغ المطلوبة من مصدر المتبرعين حصرا، لا سيما وان كميات الدعم التقليدي بلغت اقصى الحدود المسموح بها قانونيا، اما الشرائح المحتملة الاخرى فهي في حال انتظار لما قد تتطور اليه الامور. تداعيات الوضع المالي تبدأ بالتبلور بعد مؤتمر الحزب العام، في غضون ايام معدودة. الرواتب الشهرية الثابتة للحملة تبلغ 4.1 مليون دولار شهريا، ومن غير الجائز ان يتم اغلاق مكاتب فرعية او اتخاذ اجراءات اخرى شبيهة لترشيد الانفاق فيما السباق الرئاسي على اشده. الاكثر ترجيحا هو اللجوء لتقليص المبالغ المخصصة للحملات الاعلامية في الفترة المقبلة. من سوء حظ حملة الرئيس الانتخابية ان تقليص التبرعات المالية تأتي متوازية مع ارتفاع عدد الولايات التي ينبغي استثمار اموال ليست بالقليلة عليها بغية بقائها في معسكر الحزب الديموقراطي، لا سيما ولايات كولورادو ونيفادا واوهايو وفرجينيا وفلوريدا.اما ولاية ويسكونسن، التي انجبت المرشح لنائب الرئيس عن الحزب الجمهوري – بول رايان، فانها تميل لصالح الفريق الجمهوري بفارق بسيط، وفق احدث استطلاعات الرأي.يتعين على الرئيس اوباما الفوز في عدد من الولايات المذكورة في سعيه للظفر باعادة ترشيحه. كما ان بعض الولايات المسلم بها في خانة الحزب الديموقراطي تشهد صراعا شديدا، خاصة:ايوا ونيومكسيكو ومينيسوتا وبنسلفانيا ونيوجيرسي؛ التي بمجموعها تعد حيوية بالنسبة لحملة الرئيس اوباما. تجدر الاشارة الى ان بعض الولايات، ذات الكثافة السكانية، تستدعي انفاق اموال لا باس بها على الشؤون الدعائية، لا سيما: فلوريدا وبنسلفانيا وويسكونسن (خاصة المناطق المحاذية لمدينة شيكاغو من الولاية) وفرجينيا ونيوجيرسي. من مميزات حملة ميت رومني ان الولايات التي تميل للحزب الجمهوري تقليديا اضحت محسومة لصالحها ايضا، وباستطاعتها ترشيد الانفاق فيها. هناك اجماع على ان ثلاثة ولايات تعد بالغة الاهمية لفوز الحزب الجمهوري، فرجينيا واوهايو وفلوريدا، التي ان استطاع رومني الفوز باثنتين منها ستؤهله المضي في سبيله لفوز السباق الرئاسي. التحديات التي تواجه حملة الرئيس اوباما اشد قسوة، اذ ينبغي عليها الفوز باثنتين من الولايات الثلاث المذكورة، الى جانب الاحتفاظ بالولايات الاخرى المتصارع عليها:ويسكونسن وبنسلفانيا وايوا ونيومكسيكو ومينيسوتا، الا في حال فوز رومني في اثنتين منها. وعليه، فان اهمية الولايات الحيوية الثلاث (اوهايو وفلوريدا وفرجينيا)ستتراجع بالنسبة لحملة رومني. بالمحصلة، الامر يستدعي تخصيص ميزانيات عالية لشؤون الدعاية والاعلام وموظفين ايضا. من المسلم به ان مناخ التبرعات لحملة الرئيس اوباما سيشهد انتعاشا بعد انفضاض مؤتمر الحزب الديموقراطي العام، بالتزامن مع تشديد الضغوط لترشيد الانفاق لمستويات لم تعهدها الحملة سابقا.