أبشروا فإن لنا ربا يعطى ويمنع، وفى منعه عطاء، وما منع عنك شيئا إلا كان في منعه مصلحة لا يراها بقلبه إلا أهل الإيمان. فمن أصل الإيمان أن تدرك أن كل أفعال الله بك خير، فالأب الرحيم بأولاده يربيهم على مراد الله عز وجل، فيقول النبي (ص) «مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر»، فمن رحمة الأب وشفقته بأولاده أن يضربهم إذا قصروا في الصلاة، لأنهم إذا شبوا على ترك الصلاة لا يأمنون عذاب الله عز وجل. فظاهر الأمر أنه قسوة الأب بالضرب ولكن باطنه رحمة حتى يأمن عذاب الله. وكذلك من أصل الإيمان أن نعلم أن للكون ربا يهيمن عليه، ومعنى الهيمنة أي السيطرة والمراقبة والحفظ، وهذه الهيمنة ليست بغرض التحكم في العباد وإذلالهم، ولكن للحفاظ عليهم وحمايتهم، فهو الذي يعلم السر وأخفى، وهو الذي لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء، وهو الغالب على أمره. فهذه الهيمنة إنما هى هيمنة حب وشفقة. ولله المثل الأعلى فإن الأم تحوم حول سرير طفلها المريض وتراقب أنفاسه وحركاته وحرارته وأدويته، فهى تهيمن عليه هيمنة شفقة وهيمنة اهتمام. وما نعلمه من قصة نبي الله موسى عليه السلام وفرعون الذي رأى في المنام أن طفلا سيقضي على ملكه، فأمر بقتل أي ذكر يولد في بني إسرائيل، وقد كان الله قادرا أن ينجي موسى عليه السلام بأن يساعد أمه على الهرب مثلا، ولكن تشاء حكمته أن يأمر أم موسى أن تلقيه في البحر في صندوق، فلو ترك الأمر للعقل لظننا أنه هالك لا محالة، ولكن قدرة الله المهيمن أن يجعل الصندوق يسير بأمره حتى يصل إلى قصر فرعون، فالآن وقع في يد عدوه، ولكن يشاء الله بقدرته أن يلقي في قلب امرأة فرعون الحب لهذا الطفل، ويأبى الرضيع أن يلتقم ثدي أي مرضعة حتى يرده الله إلى أمه كي تربيه وحتى تقر عينها ولا تحزن، كما قال تعالى "فرددناه إلى أمه كى تقر عينها ولاتحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون". وفى قصة نبي الله يوسف (ع)، تتآمر عليه كل قوى الشر للكيد له وإهلاكه بداية من إخوته الذين ألقوه في البئر نهاية بامرأة العزيز التي تآمرت عليه لفتنته وإلقائه في السجن، ولكن الله المهيمن أبى إلا أن يجعله وزيرا ويجعله على خزائن الأرض يتصرف فيها كيف يشاء. وكم لاقى نبينا الكريم من أذى المشركين والكيد من اليهود ومن أهل النفاق، لكن الله المهيمن يحفظه ويرعاه ويجعله عزيزا في الدنيا، ويشهد له المسلمون وغير المسلمين، بأنه أعظم من أنجبت البشرية على الإطلاق. فالعبر والعظات في قصص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة أكثر من أن تعد أوتحصى. وأنت إذا أصابك ضيق أو غضب مما يدور حولك مثل نتائج انتخابات الرئاسة وما أفرزته الصناديق من محاولات مستميتة لاستنساخ النظام البائد، فاعلم أنه يحدث بقدر الله واعلم أنه إذا ضاقت بك الأحوال فالفرج قريب، كما قال تعالى "إن مع العسر يسرا"، وما يمر بنا الآن في هذه المرحلة العصيبة لا يخرج عن كونه ابتلاء واختبار ليمحص الله أهل الإيمان الذين يثقون في هيمنة الله وحفظه، وكذلك ليمحص أهل النفاق الذين يكيدون للمؤمنين بإنفاق الأموال لمحاربة تطبيق شرع الله، ولكن الله يبشرنا قائلا في كتابه العزيز "فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون". فقلوب أهل الإيمان لا تتأثر بالأحوال ولا بالأسباب لأنها معلقة برب الأحوال ورب الأسباب. فالله هو المهيمن على كل شئ وهو الفعال لكل شئ، ولا يرفع الله سبحانه وتعالى الأحوال السيئة التي تمر بالأمة إلا بالإيمان والعمل الصالح الذي نتقرب به إليه كما قال تعالى "وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين"، فكن مع الله واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطأك،واعلم أنه ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة، فلنرجع إلى الله ونتوب إليه لعلنا انشغلنا بالأسباب عن رب الأسباب، وحتى نعتصم به مرة أخرى بعدما تفرقت القوى الإسلامية والثورية المختلفة بفعل إعلام مضلل، وعدم إخلاص النوايا لله عزوجل من البعض. فيجب أن نعود شعبا واحدا لا يجمعه إلا حب الله ومرضاته وإخلاصه لوطنه، ولنعلم أن الاتحاد قوة، والفرقة ضعف، وقد نهانا عنها الله عز وجل كما قال في كتابه العزيز "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءا فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا". اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا، اللهم آمين.