السؤال - لماذا يشعر الإنسان بالسعادة والغبطة والسرور والانشراح ويصل لمرحلة انه يرى نفسه في الجنة، ثم تنتابه لحظة أخرى فيشعر بالانقباض والضيق لدرجة تمني الموت فما تفسير هاتين الحالتين ؟ . الاجابة للدكتور راتب النابلسي ويقول من أسماء الله تعالى أنه القابض والباسط، وأول ملاحظة لا يجوز أن تقول إن الله قابض فقط ، لأنك إذا قلت قابض فمعنى ذلك أنك تصفه بالمنع والبخل و لكن إذا قلت إنه قابض باسط، فمعنى ذلك أنك وصفته بالقدرة والحكمة ، وإذا جمعت بين الاسمين فقد وصفت الله سبحانه وتعالى بالقدرة والحكمة ، لأن الله عز وجل يقول "مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"، الآية 245 من سورة البقرة .وهكذا إذا أردت أن تعلل ، يقبض ليبسط و يضر لينفع و يمنع ليعطي ويذل ليعز ، فأنت سائر في طريق الصواب. و الشيء الثاني معنى القبض باللغة هو الأخذ، والبسط هو التوسيع والنشر ، وهذان الأمران يعمَّان جميع الأشياء، فكل أمرٍ ضيقه الله عز وجل فقد قبضه، وكل أمر وسعه فقد بسطه، وإلى بعض أبواب القبض والبسط . الرزق ، قال الله تعالى"اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" الآية 62 من سورة العنكبوت وقال أيضا "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" الآية 37 من سورة الروم فلا تقل فلان ذكي وثان عنده خبرات في التجارة رائعة جداً وثالث خطط ورابع مقتدر وآخر صاحٍ ، فالله عز وجل يقبض ويبسط و يرزق ويسلب ويعطي ويمنع ، فإذا أراد أن يرزقك ألهمك الوسائل والأساليب والموضوعات والمواقف والتحركات المناسبة للربح ، وإذا أراد أن يقبض وكنت غنياً فقد سرت في طريق الإفلاس وأنت لا تدري ، وإذا أراد أن لا يرزقك لحكمة أرادها سد في وجهك كل الأبواب ، إذ تكون ذكياً جداً ففي هذا العمل تسلم المحل وفي هذا العمل تفك الشراكة. فقول الله عز وجل " وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ "، وقوله الله عزَّ وجل " االلَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ " لتعلم علم اليقين أن الله هو الرزاق ، وهو الذي يسلب الرزق، لكن أيها الأخ الكريم، إياك أن تظن أن البسط عند الله سبحانه وتعالى فيه معنى الإسراف، وأن القبض فيه معنى البخل، فهذان المعنيان يجب أن لا يرِدَا عليك إطلاقاً، فإذا تحدثت عن أن الله يقبض ويبسط ، فليس إذا قبض قبض بخلاً ولا إذا بسط بسط إسرافاً ، بل يقبض عن حكمة و قدرة و علم و تقدير ويبسط عن إكرام وتوسعة وامتحان، فبسطه إكرام أو امتحان وقبضه معالجة أو وقاية ، والدليل قول الله تعالى"وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ" الآية 27 من سورة الشورى، هذا المعنى الأول متعلق بالرزق . والمعنى الثاني متعلق بالسحاب قال الله تعالى "اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ" الآية 48 من سورة الروم . هذا السحاب ينتشر في السماء كما يشاء الله عز وجل ، وقد يقبضه عن قوم ويبسطه لقوم، مطرة واحدة في منطقة ثمانون مم في ليلة واحدة ومنطقة مم واحد ، معنى هذا قبض عن هؤلاء وبسط لأولئك. والمعنى الثالث ، يقبض ويبسط في الأنوار والظلال ، قال تعالى فيما يتحدث عن الليل والنهار "ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا" الآية 46 من سورة الفرقان .فأين النهار إذا جاء الليل، وأين الليل إذا جاء النهار تكون في وحشة وفي خوف وفي قلق ، فتشرق الشمس فتحس بالراحة ، وبالأُنس والطمأنينة ، إذاً يقبض ويبسط ، يقبض النور ويبسطه. والمعنى الرابع أن الله عز وجل يقبض الأرواح ، فإذا قبض روحه أماته ، وإذا بسطها أي أحياه ، فالأرزاق والسحب والظلال والأنوار والأرواح يقبضها ويبسطها ، و المعنى الخامس الأرض أيضاً يقبضها الله عز وجل قال الله تعالى "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" الآية 67 من سورة الزمر، فبسط الأرض أب أنه جعل الدنيا صالحة لحياتنا ، وقبضها أي ينهي عملها ووظيفتها. والمعنى السادس أن الله سبحانه وتعالى يأخذ الصدقات أي يقبضها لذلك قال عليه الصلاة والسلام "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَصَدَّقَ مِنْ طَيِّبٍ تَقَبَّلَهَا اللَّهُ مِنْهُ وَأَخَذَهَا بِيَمِينِهِ وَرَبَّاهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ أَوْ فَصِيلَهُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَصَدَّقُ بِاللُّقْمَةِ فَتَرْبُو فِي يَدِ اللَّهِ أَوْ قَالَ فِي كَفِّ اللَّهِ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ فَتَصَدَّقُوا " مسند الإمام أحمد لكن الموضوع الحساس الذي نحتاجه جميعاً هو أن الله سبحانه وتعالى يقبض القلوب ويبسطها، والخوف والرجاء للمستقبل ، فأنت دائماً تخاف من الله عز وجل أو ترجوه، و القبض والبسط للحاضر فأنت الآن في حالة قبض أم في حالة بسط ؟ . والحقيقة إذا قبض الله عنك الأحوال الطيبة ، شعرت بالوحشة و بالضيق ، وبالحرمان ، و شعرت أنك مردود، ثم شعرت أنك مرفوض ، ضن الله عليك بالتجلي ، فقد تلوت القرآن وما شعرت بشيء وقمت إلى الصلاة وما شعرت بشيء ، ثم أردت أن تذكر الله عز وجل فما شعرت بشيء ، فهذه الحالة ما اسمها ،إنها حالة قبض ، إذ تحس أن الله عظيم وأن الله جلَّ جلاله كبير ومتعال ، ومن أنت حتى يتجلّى الله عليك فالله عز وجل مربٍ . فإذا بسط الله للإنسان الأحوال والسرور والانشراح والأنس وإذا استمر هذا الحال الطيب فتراه بعد حين يقصر في عباداته ويتهاون في صلواته ، ويتكاسل في أعماله الصالحة، أما حينما يأتي القبض، فيأتي مع القبض الضجر و الضيق ، فتقول " يا رب لماذا أنا على هذا الحال " ، فيأتي مع القبض الخوف ثم القلق. إذاً فربنا عز وجل يعالج المؤمن ، ولكن هذا الكلام أقوله للمستقيم أما غير المستقيم فتأتيه حالة انقباض لا معالجة بل نتيجة طبيعية لمعاصيه ، وكل معصية معها انقباض ، حتى أن علماء النفس الأجانب ، قالوا إن المنحرفين يشعرون بكآبة. فالله عز وجل يقلب المؤمن بين القبض والبسط ، فتراه أحياناً متفائلاً ، طليق اللسان واضح السرائر ، بشوش الوجه ، وتشعر به أنه مبسوط ، و أنه سعيد ، يمشي واثقاً من مشيته ، ويتحدث واثقاً من حديثه ، و هذه الحالة اسمها حالة البسط ، فالله عز وجل تجلى على قلبه باسم الجميل ، إذ جمَّله فأحس بالجمال، والسعادة. ولكن هنا يوجد منزلق ، فعندما يشعر المؤمن أنه قريب من الله ومتفوق وفالح وناجح وفائز والناس مساكين ضعيفون ، ضعيفو الهمة والعزيمة ، ومقصّرون ، وغارقون في المعاصي، وبعيدون منقطعون ومطرودون ملعونون ، وهو وحده في سعادة ، وهذا الشعور بالانبساط يأتي معه أحياناً انزلاق ، وعُجب ، أو كِبْر أو تعالٍ أو استطالة على الآخرين ، فالعلاج حالة أخرى مضادة وهي القبض ، فتراه بعد أيام مستكيناً فتقول له خير فيقول الحمد لله ، لقد كان يمشي قفزاً على الطريق ، ويقول الحمد لله ، وهو الآن متضايق ، ويعرف السبب إذ لا يوجد معصية. وقال الله تعالى "وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" الآية 118 من سورة التوبة . فهؤلاء الذين أمر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه أن لا يكلموهم ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وظنوا ألاَّ ملجأ من الله إلا إليه فحالة القبض للعاصي والمنحرف والمقصر. ولأن الله هو القابض وهو الباسط فإذا كان القبض يناسبك قبضك إذ قبض الأحوال عنك ، وضيَّق عليك الدنيا و أشعرك بالسأم والضجر ، وبالوحشة والبعد إذ أبى أن يتجلى على قلبك ، وإذا اقتربت مع القبض إلى اليأس تجلى على قلبك فأشعرك بالقرب والأنس والسرور والانشراح ، فأنت أيها المؤمن بين حالتي القبض والبسط، فما العلاج ؟ العلاج أنك إذا استحققت من الله حالة البسط ، فإياك أن تنزلق منها إلى الغرور أو إلى الاستعلاء أو الإعجاب أو أن تستطيل على عباد الله. إذاً مع البسط هناك منزلق هو الإعجاب " لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر " ، فما الذي هو أكبر ؟ " العجب " ، وإذا أصابتك حالة القبض ، فما ينبغي أن تنزلق منها إلى اليأس. إذاً : رب العالمين هو رب النفوس إذ يربي الأجساد بإمدادها بالمواد ويربي النفوس بتقليبها من حال إلى حال ، قال الله تعالى"فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)" . سورة الشعراء فأنت أيها المؤمن تتقلب من حال إلى حال ، من حالة بسط إلى حالة قبض ، وإلى بسط وإلى قبض ، فأنت موضوع عناية الله عز وجل تربيته ، فلذلك استسلم . أما إذا جاءك القبض إثر معصية أو مخالفة أو عدوان أو انحراف ، فهذا قبض المعصية وهذا موضوع آخر ، فأية معصية وراءها إحساس بالكآبة وهذه هي الفطرة ، وربنا عز وجل لِمَ أودع فيك العقل ؟ .. لتعرفه ! ولِمَ أودع فيك هذه الفطرة العالية ؟ .. لتعرف خطأك . فبالعقل تعرف ربك وبالفطرة تعرف خطأك ، إذ يأتي الانقباض وعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ : الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ " صحيح مسلم واعلم أن معك ميزاناً ، إذا كذب الإنسان أو اعتدى أو خان أو نظر نظرة لا تحق له أو استطال بلسانه أو فإن يشعر بالانقباض ، وهذا إذا كان فيه إحساس. و أحياناً تنطمس الفطرة ، ويتعطل الميزان ، فهذا الإنسان لا يعي الخير عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نَكتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ فَإِنْ زَادَ زَادَتْ فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )" سنن الترمذي فالمعاصي تِلوَ المعاصي والمخالفات والانغماس في الدنيا والتطاول على خلق الله وترك العبادات وترك الذكر، و ينتهي بقلب مغلف"خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" الآية 7 من سورة البقرة . فالقبض والضيق والوحشة الناتجة عن المعاصي علاجها الطاعات والتوبة أما القبض الذي ليس له سبب ظاهر لمن يمشي في طريق الإيمان فهذا القبض معالجة إلهية لطيفة، وقد قال العلماء في عدة مصادر " إنه على المؤمن أن يصبر حتى تنجلي هذه الحالة بتقدير الله عز وجل". وهناك تعريف لطيف جداً للقابض للقشيري ، يقول : " القابض الذي ملك زمام كل شيء "، ومن معاني القابض القدير ، فأحياناً أنت لا تستطيع أن تدس الحزن بقلب إنسان إذا كان سعيداً، ولو كلمته لا يبالي بكلامك ، لكن ربنا عز وجل قدير ومعنى قدير أنه ملك زمام كل شيء يقبض ويبسط كيف يشاء يقبض العقل فلا يفهم يقول لك ما فهمت. أمثلة .. دخل طالب مغرور على امتحان، فجاء سؤال مؤتمر برلين في التاريخ، قال بقيت ساعة وأنا أفكر أين عقد هذا المؤتمر؟ وهو اسمه مؤتمر برلين عقد في برلين ..! ، أحياناً يرى الشيء على خلاف ما هو عليه في الامتحانات ، فالإنسان إذا اعتزَّ بعقله وتاه بذكائه يرتكب حماقات يترفع عنها الحمقى ، ليُرِيَهُ الله عز وجل أنه هو القابض ، يقبض عنك الفهم ، ويقبض العقل فلا يفهم ويقبض القلب فلا يغنم ، تراه يقول : " ضاق قلبي " ، هذه المشاعر ليس لها سبب واضح ، فالبيت واسع والزوجة ممتازة والأولاد أصحاء والدخل يسير فلا مشكلة ، ويقول"يضيق قلبي ، وأكاد أموت ضيقاً " فتقول له قلبك بيده ، القلب بين أصبعين من أصابع الرحمن ، هو الذي يسعدك وهو الذي يقبض عنك كل سعادة، وقد ملك زمام كل شيء ، إذْ يقبض العقل فلا يفهم ، يقبض القلب فلا يغنم. وهناك قلب كبير ، مفعم بالسعادة والرضى وبالإشراق الرباني وقلب متصحر ، كالصخر لا يرحم ولا يلين ولا يتأثر ولا يبكي وإن يقبض القلب فلا يغنم ويقبض الصدر فلا يفرح ، ويقبض الرزق فلا يمنح، " فيقول أرمي بالطلب يميناً فيرتد شمالاً " ، وهذا أحد الشعراء المهجريين ترك لبنان إلى بلاد المهجر إلى أمريكا ، فقال: أغرب خلف الرزق وهو مشرق ... وأقسم لو شرقت راح يغرب يعني فإذا أراد الله عز وجل ألا يرزقك لو ذهبت إلى أقصى الدنيا لو ذهبت إلى بلاد الغنى وإنك تعيش فيها فقيراً ، وقد يرزقك في بلدك في أصعب الظروف ، لأنه هو الرزاق ، هذا هو الإيمان. قال : ويقبض الروح فلا تفرح ، فيأتي " التشاؤم والسوداوية " ويقبض النفس فلا تمرح ، ولا يفرُّ من حكمه وقضائه خلق من خلقه ، حكيم في فعله وتقديره ، لذلك قال ربنا عزَّ وجل "وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ" الآية 183 من سورة الأعراف، كلمة متين هذه صفة الأجسام التي تتحمل قوى الشد ، وأما القساوة فصفة الأجسام التي تتحمل قوى الضغط ، فالماس قاسٍ أما الفولاذ المضفور فمتين . وربنا عزّ وجل وصفَ كيدَهُ بأنه متين ، وكأن الله عز وجل شبه كيده بحبل متين لا يمكن أن يُقطع والكافر مربوط به ، ولكن هذا الحبل مرخى فالكافر يتوهم أنه طليق ، فهو يتحرك ويؤذي ويتكلم ويتبجّح ويتفلسف ويتحدى ويتطاول، ويوقع الأذى بزيد وعبيد وهو يظن أنه يفعل ما يشاء وهو على كل شيء قدير ، في لحظة واحدة يشد الله الحبل فإذا هو في قبضته ، وهذا الحبل لا يمكن أن يُقطع ، وهذا معنى قول الله عز وجل "وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ". وقال القشيري " القبض والبسط حالان يهذب الله بهما الذاكرين "، ألم يقل النبي الكريم " أدبني ربي فأحسن تأديبي" .