بين الحريه والانحلال فرق كبير! فالمطالبه بالحريه لا تعني ابداً الرغبه في الانحلال كما درج بعض الشيوخ أو الوعاظ على تصوير ذلك في خطب الجمعة، وأن الرغبه بالحرية تنحصر في مثال علياء المهدي! أو أن الليبرالية تطالب بالانحلال الاخلاقي، أو أن العلمانية (مع تحفظي عليها) تطالب بالتحرر من الدين! إلى متى سنغلق عقولنا على مفاهيم، وكأن العالم المنحل قادر على أن يفرض نظرته علينا دون رغبة وإذعان منا! المطالبه بالحرية أصل من أصول الدين، وتبنت بعض نخب الشعوب العربية تيارات فكريه مثل الليبرالية والعلمانية حينما ظهرت بقوة في مجتمعاتنا تيارات متشددة، كمواجهه للفكر بالفكر في ظل طرفين يدينون بعقيده واحده هي الإسلام! والحقيقه أن التشدد في الإسلام انحصر في مذاهب قليلة وضيقة مقارنة ببقية المذاهب التي تؤمن بالوسطية والحرية والاعتدال، وفقاً لضوابط دينية وأخلاقية واضحة وضوح الشمس! هذا اللبس المتعمد (أحيانا) في تناول الدعوة إلى حرية الإنسان— والمناداة بها كقيمة وغاية بحد ذاتها—على أنه دعوة للانحلال وتفكيك القيم الأخلاقية والروابط الدينية هدفه استعباد البشر والهيمنة على العقول واستلاب الإرادة تحت ستائر أخلاقية وشعائر دينية! ما أود أن أطرحه في هذه المساهمة أنه لا يمكن لأحد من البشر كائنا من كائن أن يجبرك على أن تسلك طريق الانحلال، لكن .. إن سلكته فذلك حتما بمحض إرادتك، حتى لو كان ذلك في ظل مجتمع متشدد، ولنا في بعض الأقطار العربية المعروفة بتشددها وانغلاقها وانحلال بعض أبنائها أمثله كثيرة! أما الحريه المنضبطة بأخلاق الإسلام وقيم المجتمع وتياره الأساسي العريض، فهي سبيل البشر نحو التحرر من استعباد بشر آخرين لهم. وهي الطريق الوحيد لخلق مناخ صحي للتعايش بكرامة، وللدعوة للدين دون تحزبات واستقطابات ومصالح وأهواء ونفاق لمن يملكون حرية الآخرين. ننادي بحريه الرأي والكلمة والعقيدة والمعتقد والفكر. هكذا .. تعلو وتنهض الأمم. فهي لا تعلو بالانقياد وراء مصدر فكري واحد يحتكر الحقيقة، فلم نخلق بشرا لكي نتبع فقط، بل خلقنا لنبتكر ونجتهد ونكون مسئولين ومحاسبين تماما عن اختياراتنا التي أجريناها بمحض حريتنا وإرادتنا! فقط .. علينا ونحن ننادي بالحرية أن ندعو إلى ترسيخ القيم والمبادئ الدينية والأخلاقية والإيمانية بالأفعال بنفس القدر من الوسطية والتوازن والاعتدال، وليس بالتشدد الذي ينفر منا المسلمين قبل غيرهم. وسأدلل في هذا السياق بكلمة من أقوال الداعية الكبير الشيخ محمد الغزالي (رحمه الله)، إذ يقول: الإكراه على الفضيلة، لا يصنع إنسانا فاضلا .. كما أن الإكراه على الإيمان، لا يصنع إنسانا مؤمنا. وإنما الحرية هي أساس الفضيله! يا أولي الألباب .. استقيموا واعقلوا واعتدلوا يرحمنا ويرحمكم الله!