في ضوء ارتفاع أسعار الوقود من نفط وغاز طبيعي إلى مستويات غير مسبوقة، واحتمالات تصاعدها أكثر في ضوء زيادة الطلب العالمي على الطاقة، ونضوب بعض احتياطات النفط، والصراعات المتوقعة في منطقة الخليج على خلفية البرنامج النووي الإيراني؛ أصبح البحث عن مصادر بديلة للطاقة المتجددة والنظيفة بيئياً شغلاً شاغلاً للبلاد الصناعية والأسواق الجديدة. يضاف إلى الاعتبارات السابقة ما أحدثه حرق الوقود الأحفوري كالفحم والبترول من تلوث الهواء والبيئة إجمالاً وزيادة هائلة في تراكم الغازات المسببة للاحتباس الحراري داخل الغلاف الجوي للأرض، وما نجم عنها من احترار كوني أدى بدوره إلى تغيرات مناخية وبيئية وتصحر وجفاف وفيضانات وكوارث اقتصادية وعمرانية أخرى. دفع كل ذلك إلى تنامي الاهتمام بالبحث عن مصادر متجددة لطاقة نظيفة وصديقة للبيئة؛ فتوجهت الأنظار والأفكار والجهود إلى الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والأمواج والهيدروجين وكحول الميثانول لاستخدامه كوقود. ستتناول هذه المراجعة مشروعاً بريطانياً لتوليد الطاقة الكهربائية من أمواج البحار، ومشروعاً أميركياً لتوليدها من الرياح. توليد الطاقة الكهربائية من أمواج البحر في بريطانيا المحاطة ببعض أشرس البحار في العالم، يسعى العلماء إلى توليد 20 بالمئة من حاجتها من الكهرباء، بتسخير قوى الأمواج والمد والجزر التي يمكن أن تحل محل الطاقة الكهربية التي تنتجها حاليا محطات الطاقة النووية هناك. سيحول هذا التوجه الجديد في توليد الطاقة دون اعتماد بريطانيا على واردات متزايدة من الغاز الروسي. ويعتبر تسخير البحر في إنتاج الطاقة الكهربية -خصوصا في جنوب غربي إنكلترا وشمال اسكتلندا- بواسطة آلات تقتنص حركة المد والجزر والأمواج، حلما لكثير من العلماء. وفي السنوات الأخيرة، اكتسب السعي نحو مصادر طاقة متجددة ونظيفة، كبدائل للوقود الحفري، أهمية خاصة وعاجلة في ضوء الجهد العالمي لخفض انبعاثات الكربون الناجمة عن احتراق الفحم والنفط ، والتي هي المسبب الأكبر لتغير المناخ. وقد اقتصرت تجارب مولدات الطاقة البحرية -حتى الآن- على نموذجين أوليين صغيرين، وهما أقل من أن يعتبرا جوابا جديا على مشكلات الطاقة في هذا الكوكب. بيد أن الدراسة التي قامت بها مؤسسة "كربون ترست" -وهي استشاري الحكومة البريطانية في شؤون الطاقة النظيفة- تتحدى هذه المحدوديات. فهي تتنبأ بأن قوة المد والجزر والأمواج يمكن أن تقدم كميات كبيرة من الطاقة إلى الشبكة الكهربائية بنهاية العقد الحالي. صدر تقرير "كربون ترست" بعد مشروع بحثي تجريبي حول مولدات الطاقة البحرية استغرق 18 شهراً. ويقول التقرير المقدم للحكومة أن هناك فرصا معتبرة لتطوير آلات تستخدم قوة الأمواج لإنتاج الكهرباء. وبناء على عدد المواقع البحرية الجيدة التي يمكن الاعتماد على أمواجها وحركة المد والجزر فيها وقربها من اليابسة بما يسمح بتوصيل الطاقة الناتجة إلى الشبكة العامة، يمكن لهذه الآلات أن تولد 20 بالمئة من احتياجات البلاد الحالية من الكهرباء، وعلى امتداد العقود القادمة. ونظرا لطول السواحل البريطانية وقربها من مواقع تيارات الأطلسي القوية، ستساعد الطاقة البحرية على حل مشكلة أخرى ضمن أولويات الحكومة، وهي خفض الاعتماد على مصادر الطاقة المستوردة. مشكلات وعقبات غير أن هذه التقنية الجديدة لا زالت بحاجة إلى استثمارات ملموسة، من الحكومة والشركات الخاصة. وليس هناك توقعات محددة حول موعد توافرها على نطاق واسع. كذلك، يخشى من ارتفاع كلفة توصيل المولدات البحرية بالشبكة الكهربائية العامة، وقد لا توفر المولدات الطاقة وقت احتياجها بالضرورة، وقد تسبب بعض المشكلات للحياة والبيئة البحرية. ويتساءل بعض العلماء حول كمية الطاقة البحرية المستهدف الحصول عليها لمعالجة مشكلة تغير المناخ، إذ أن ذلك يتطلب اتفاقاً عالمياً لخفض الكربون المنبعث من احتراق مصادر الطاقة التقليدية. كذلك، يتحفظ أصدقاء البيئة على سدود المد والجزر (التي لم يناقشها تقرير "كربون ترست)، لأنها تقيم حواجز مادية ضخمة في وجه الحياة البحرية عند مصبات الأنهار الحساسة. 400 توربينة بحرية عملاقة لتوليد الكهرباء من الرياح في الولاياتالمتحدة، صمم باحث من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) مشروعاً لبناء 400 توربينة بحرية ضخمة لتوليد الكهرباء من الرياح وتزويد مئات آلاف المنازل على الشواطئ بالطاقة اللازمة، بدون أن يرى أحد على الشاطئ هذه التوربينات. الفكرة الرئيسة في هذا المقترح هي أن التوربينات تطفو على منصات في البحر تبعد مئات الأميال عن الشاطئ، حيث تكون الرياح قوية ومتواصلة، وهي فكرة مستلهمة في الأصل من منصات استخراج النفط والغاز. والمعلوم أن توربينات الرياح البحرية الراهنة مثبتة على أبراج مغروزة عميقا في قاع البحر. ولكن هذا التصميم لا يصلح إلا في مياه لا يزيد عمقها على 15 متراً. ومثل هذه المنشآت ستكون بالطبع قريبة من الشاطئ، مما يثير معارضة الرأي العام. بيد أن الدكتور بول سكلافونوس، أستاذ الهندسة الميكانيكية والعمارة البحرية، قد أمضى عقودا في تصميم وتحليل المنشآت الطافية الضخمة لاستكشاف النفط والغاز في مياه البحار العميقة. ولدى تأمله لإشكاليات الاستفادة من طاقة حقول الرياح، وجد سكلانوفوس أنه من الممكن ببساطة وضع طواحين الهواء (توربينات) على طوافات وتحريكها بعيداً عن الشاطئ، حيث المساحة كثيرة والرياح وفيرة. منصات مشدودة للقاع قبل ثلاثة أعوام، شكل سكلافونوس وزملاؤه، بالتعاون مع خبراء توربينات الرياح بالمختبر الوطني للطاقة المتجددة، فريقا بحثيا مشتركا للمزاوجة بين توربينة الرياح مع الطوافة. يدعو التصميم المقترح إلى إقامة منصة مشدودة إلى ساق، وهو نظام تربط فيه كابلات حديد طويلة أطراف المنصة (الطافية) بكتل خرسانية أو أي نظام ربط مثبت في قاع المحيط. ثم يتم دعم المنصة والتوربينة بقابلية (مجانية التكلفة) للطفو في الماء، وليس بواسطة الأبراج باهظة الثمن. وبناء على تحليل الباحثين، يمكن للتوربينات المثبتة على طوافات أن تعمل في مياه تتراوح أعماقها من ثلاثين إلى مائتي متراً. وهكذا يمكن وضع التوربينات على أبعاد تتراوح بين 50 إلى 150 كيلومتراً من الشاطئ الشمالي الشرقي للولايات المتحدة. كذلك، يمكن للتوربينات المثبتة فوق المنصات أن تكون كبيرة بما يزيد جدواها الاقتصادية وفقا لمعايير صناعة حقول الرياح. يفترض فريق البحث أن تصل إنتاج التوربينة التجريبية التي يجري تطويرها 5 ميغاوات من الطاقة، بينما تبلغ طاقة توربينة الرياح البحرية التقليدية حاليا 3.6 ميغاوات، وطاقة توربينة الرياح على الشاطئ 1.5 ميغاوات. تجميع وجر بيد أن تجميع مكونات التوربينات الطافية في مياه المحيط سيكون باهظاً بلا جدوى بسبب حجمها؛ فارتفاع برج توربينة الرياح 90 متراً، وقطر الدوّار 140 متراً. لذلك، قام الباحثون بتصميمها بحيث يتم تجميعها على الشاطئ، ربما في ترسانة صنع السفن، ثم يتم سحبها إلى البحر بواسطة قارب جر. وللمحافظة على اتزان المنصات، استخدمت الخرسانة والماء لملء اسطواناتها الداخلية (الفارغة) من أجل معادلة الاختلال في توزيع الأوزان. وعندما تصل لموقعها، يتم ربط المنصة بالكتل الخرسانية المثبتة في قاع المحيط والمعدة سلفاً لذلك. ثم يتم ضخ المياه من الاسطوانات للخارج، حتى تطفو المنشأة بكاملها على سطح الماء، مشدودة بإحكام إلى المثبتات الخرسانية. تتيح المثبتات الخرسانية للمنصات الطافية التحرك أفقيا، وليس رأسيا من أعلى إلى أسفل أو العكس، وهو ترتيب في غاية الاتزان. وتشير نماذج المحاكاة الحاسوبية لظروف الإعصار إلى إمكانية تحرك منصات طافية (قطرها 30 متراً) مسافة إزاحة من متر واحد إلى مترين، مع بقاء أسفل زعانف التوربينة مسافة كافية فوق أعلى مستوى تصله أمواج الإعصار. يأمل الباحثون في خفض نطاق الحركة الجانبية (الأفقية) إلى نطاق أقل بإضافة كابحات للحركة مصصمة بشكل خاص، وهي مشابهة لتلك الكابحات المستخدمة في منع ميل ناطحات السحاب تحت تأثير الرياح العاتية والزلازل. تكلفة أقل ومرونة أكثر يقدر الدكتور سكلافونوس أن بناء وتركيب نظام الطفو المدعم سيكلف ثلث تكلقة إنشاء المنصة المثبتة على برج في المياه العميقة. أما تركيب المثبتات الخرسانية والمنظومة الكهربائية والكابل الكهربائي الموصل للطاقة إلى الشاطئ فهو عمل قياسي متقارب التكلفة. وبسبب شدة قوة الرياح في مياه المحيط البعيدة، ستنتج التوربينات الطافية هناك ضعف الكهرباء التي تنتجها توربينات الرياح القائمة حاليا (مقابل كل ميغاوات) سنويا. ولأن التوربينات الطافية بعيدا عن الشاطئ غير مثبتة في قاع المحيط بشكل دائم فهي أصول قيمة وقابلة للحركة. فمثلاً، إذا احتاجت الشركة التي تمد بوسطن بالكهرباء (باستخدام 400 توربينة) أن تنتج كهرباء أكثر لإمداد مدينة نيويورك، فإنها تستطيع فك بعض التوربينات الطافية وجرها إلى الجنوب لإمداد نيويورك. ونظرا للاستجابات المشجعة من قبل شركات طاقة الرياح والكهرباء والبترول، يأمل سكلافونوس بإنشاء نموذج أولي بنصف الطاقة المصممة في مياه كيب كود شرقي بوسطن. ستكون هناك وحدة صغيرة لإثبات فاعلية هذا التصميم، وأنها ستعمل وفقا للتصور الأساسي لها.