المسئولية التاريخية لأمتنا هي الشهادة على الناس، ومن ثم فإن مسئولية الفرد والجماعة والحركة والحزب، هي تحقيق أفضل الشروط لإنجاز مهمة الشهادة، ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أدى واجب الشهادة علينا وأن علينا أن نكون شهداء على الناس. " لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً ". واجب الشهادة يقتضي إقامة الحجة على الناس، وذلك بتحريرهم من الاستبداد السياسي، والظلم الاقتصادي، والتعصب الاجتماعي، ثم إبلاغهم بالإسلام، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، أي تحقيق حرية الاختيار برفع العوائق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإذا كان تصرف ما يؤدي إلى عكس هذا المفهوم، فإنه مرفوض حتى ولو كان ظاهره النصر والتمكين، لأننا نريد النصر والتمكين لإقامة الحجة على الناس " تحريرهم " وليس للاستبداد بهم مثلاً. وإذا كانت الثورات العربية هي فرصتنا التاريخية في التواصل مع العالم لتحريره من الاستبداد السياسي والظلم الاقتصادي، وإذا كانت تلك الثورات قد دفعت بالاتجاه الإسلامي إلى سدة الحكم أو قريباً منها، فإن علينا ألا نبتلع السم وألا يكون التمكين هنا طريقاً إلى العكس، بمعنى أنت تتورط الأحزاب والقوى الإسلامية التي نجحت في الانتخابات والتي حظيت بثقة الناس، في المشاركة في إعادة بناء الرأسمالية، التي تتهاوى في العالم كله، نحن الآن أمام فرصة تاريخية، فأمريكا تنهزم في العراق وأفغانستان، والرأسمالية في أزمة بنيوية طاحنة، وشعوب أمريكا وأوروبا وآسيا وغيرها تنتفض ضد الرأسمالية، ومن ثم فإن المطلوب أن يكون الإسلام والحركات الإسلامية هي رأس الرمح في الثورة العالمية التي ستندفع حتماً ضد الرأسمالية، لأن هذا أولاً واجب الوقت، وثانياً لأن الإسلام هو البديل الحقيقي والوحيد في العالم لإصلاح أحوال العالم الاقتصادية وتحقيق فكرة العدل الاجتماعي، لأن الماركسية فشلت، ولاهوت التحرير المسيحي أخفق، لأسباب تتصل بكونها خرجت من نفس الأرضية الحضارية التي أفرزت الرأسمالية وبديهي أنه لحل معادلة ما يصعب حلها من داخل المنظومة، يجب استخدام طرق من خارج المنظومة، والإسلام يصلح كجذر عالمي للثورة على الرأسمالية، لأنه من خارج المنظومة الحضارية التي أفرزت الرأسمالية، ولأنه ذو خطاب عالمي، ولأنه منحاز للفقراء والمستضعفين، ومن ثم يصبح الإسلام أيديولوجية وليس دين فقط – للفقراء والمستضعفين من أي دين وجنس ولون، هذه فرصة تاريخية إذا أضاعها المسلمون فإن تقصيرهم يصبح واضحاً، الأخطر من إضاعة الفرصة التاريخية، هو أن محاولات مشبوهة تجري على قدم وساق لجر الإسلاميين إلى التورط في الدفاع عن الرأسمالية واقتصاد السوق على أساس ملفق، ومن ثم إعطاء المزيد من الوقت لهذه الرأسمالية. إذا فعلنا ذلك فنحن نخطأ مرتين مرة لأننا شهدنا زوراً ودعمنا نظاماً عالمياً ظالماً، ومرة آخرى لأنه كان لدينا فرصة تاريخية أضعناها. "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد أن هديتنا وهب لنا من لدنك رشداً وأنت أرحم الراحمين ".