انتخابات «النواب» بمحافظات الصعيد: إقبال متوسط في أول أيام التصويت    بصورة "باي باي" ل ترامب، البيت الأبيض يرد على فيديو إلهان عمر بشأن ترحيلها من أمريكا    ترامب: ناقشت مع الشرع جميع جوانب السلام في الشرق الأوسط    ستيفن صهيونى يكتب: الفضيحة التي هزت أركان الجيش الإسرائيلي    مقتل شخصين إثر تحطم طائرة إغاثة صغيرة في فلوريدا بعد دقائق من إقلاعها    موعد مباراة السعودية ضد مالي والقنوات الناقلة في كأس العالم للناشئين    انيهار جزئي في عقار بحي وسط المنيا    ربنا هيعوضك بالأحسن.. بسمة بوسيل ل آن الرفاعي بعد طلاقها من كريم محمود عبدالعزيز    أبرزها "الست" لمنى زكي، 82 فيلما يتنافسون في مهرجان مراكش السينمائي    إقامة عزاء إسماعيل الليثي.. غدًا    الإطار التنسيقي الشيعي يدعو العراقيين إلى المشاركة الواسعة والفاعلة في الانتخابات التشريعية    سلطنة عمان تشارك في منتدى التجارة والاستثمار المصري الخليجي    أسامة الباز.. ثعلب الدبلوماسية المصرية    إصدار تصريح دفن إسماعيل الليثى وبدء إجراءات تغسيل الجثمان    رسميًا.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي 2025 وخطوات استخراجها مستعجل من المنزل    نورهان عجيزة تكشف كواليس اليوم الأول للمرحلة الأولى بانتخابات النواب 2025 في الإسكندرية    في ثاني أيام انتخابات مجلس نواب 2025.. تعرف على أسعار الذهب اليوم الثلاثاء    كندا تفقد وضعها كدولة خالية من الحصبة بعد 3 عقود    يمهد الطريق لتغيير نمط العلاج، اكتشاف مذهل ل فيتامين شائع يحد من خطر النوبات القلبية المتكررة    انهيار جزئي لعقار قديم قرب ميدان بالاس بالمنيا دون إصابات    التعليم تعلن خطوات تسجيل الاستمارة الإلكترونية لدخول امتحانات الشهادة الإعدادية    «في مبالغة».. عضو مجلس الأهلي يرد على انتقاد زيزو بسبب تصرفه مع هشام نصر    أسعار العملات العربية والأجنبية أمام الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    استعدادًا للتشغيل.. محافظ مطروح يتابع تأهيل سوق الخضر والفاكهة بمدخل المدينة    ريم سامي: الحمد لله ابني سيف بخير وشكرا على دعواتكم    أمطار على هذه المناطق.. بيان مهم من الأرصاد يكشف حالة الطقس خلال الساعات المقبلة    وزارة الداخلية تكشف ملابسات واقعة السير عكس الاتجاه بالجيزة    مع دخول فصل الشتاء.. 6 نصائح لتجهيز الأطفال لارتداء الملابس الثقيلة    أهمهما المشي وشرب الماء.. 5 عادات بسيطة تحسن صحتك النفسية يوميًا    بعد لقاء ترامب والشرع.. واشنطن تعلق «قانون قيصر» ضد سوريا    سعر الطماطم والخيار والخضار بالأسواق اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    نيسان قاشقاي.. تحتل قمة سيارات الكروس أوفر لعام 2025    محدش يزايد علينا.. تعليق نشأت الديهى بشأن شاب يقرأ القرآن داخل المتحف الكبير    التخضم يعود للصعود وسط إنفاق بذخي..تواصل الفشل الاقتصادي للسيسي و ديوان متفاقمة    بسبب خلافات الجيرة.. حبس عاطل لإطلاقه أعيرة نارية وترويع المواطنين بشبرا الخيمة    استغاثة أم مسنّة بكفر الشيخ تُحرّك الداخلية والمحافظة: «رعاية وحماية حتى آخر العمر»    النائب العام يستقبل وزير العدل بمناسبة بدء العام القضائي الجديد| صور    إصابة الشهري في معسكر منتخب السعودية    المغرب والسنغال يبحثان تعزيز العلاقات الثنائية والتحضير لاجتماع اللجنة العليا المشتركة بينهما    زينب شبل: تنظيم دقيق وتسهيلات في انتخابات مجلس النواب 2025    صلاة جماعية في البرازيل مع انطلاق قمة المناخ "COP30".. صور    مروان عطية: جميع اللاعبين يستحقون معي جائزة «الأفضل»    تجنب المشتريات الإلكترونية.. حظ برج القوس اليوم 11 نوفمبر    4 أسابيع من التقدم.. حظ برج الدلو اليوم 11 نوفمبر    المعهد الفرنسي يعلن تفاصيل الدورة الخامسة من مهرجان "بوبينات سكندرية" السينمائي    بي بي سي: أخبار مطمئنة عن إصابة سيسكو    اللعنة مستمرة.. إصابة لافيا ومدة غيابه عن تشيلسي    لماذا تكثر الإصابات مع تغيير المدرب؟    تقارير: ليفاندوفسكي ينوي الاعتزال في برشلونة    خطوة أساسية لسلامة الطعام وصحتك.. خطوات تنظيف الجمبري بطريقة صحيحة    أوكرانيا تحقق في فضيحة جديدة في شركة الطاقة النووية الوطنية    أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    رجال الشرطة يجسدون المواقف الإنسانية فى انتخابات مجلس النواب 2025 بالإسكندرية    هل يظل مؤخر الصداق حقًا للمرأة بعد سنوات طويلة؟.. أمينة الفتوى تجيب    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    انطلاق اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. أكرم حجازي يكتب: حقا!! .. ليس بعد الكفر ذنب
نشر في الأيام المصرية يوم 03 - 01 - 2012

طوال عهود النظام الإقطاعي الأوروبي لم يكن ثمة مواطنين ولا بشر ولا حقوق إنسانية ولا قيم ولا مكانات اجتماعية ولا ألقاب ولا حريات إنسانية بأي معنى إلا ما كانت تقرره طبقة الأسياد « النبلاء ورجال الكنيسة» بحق العبيد « العامة من الناس». ولم يختلف هذا الحال في أوروبا مع انتصار الثورة الانجليزية سنة 1688، بقدر ما شكل انتصار الثورة الفرنسية 1789 بداية لانقلابات في النظم الأوروبية التي تدين أغلب مجتمعاتها بالمذهب الكاثوليكي وليس البروتستانتي. إذ للمرة الأولى يجري الاعتراف بحقوق المواطنة وإنسانية الإنسان، عبر ما اشتهر بميثاق الثورة الفرنسية الذي حمل عنوان: « حقوق الإنسان والمواطن»، والذي غدا مع تأسيس الهيأة العامة للأمم المتحدة سنة 1945 أساسا للتشريعات الدولية الراهنة لحقوق الإنسان.

وتبعا لذلك فإن كل المفاهيم والمصطلحات التاريخية، ومنها اللبرالية، انطلقت مع بزوغ عصر الأنوار كنقيض لعصور النظام الإقطاعي المتحالف تاريخيا مع الكنيسة وسلطاتها المطلقة على الحياة الاجتماعية والسياسية. وذات الأمر ينطبق على النظرية الماركسية التي جاءت نقيضا للرأسمالية.


هكذا تكون اللبرالية والماركسية عقائد فلسفية أصيلة في بلدانها، بينما هي وافدة على الأمة، تاريخاً وحضارةً وعقيدةً. لكن كما تحولت الماركسية إلى أيديولوجيا متشعبة كذلك الأمر بالنسبة للبرالية، بحيث صار من الممكن ملاحظة تصنيفات لكل منهما. فإذا قلنا بماركسية أصيلة فثمة من يقول بلبرالية كلاسيكية، وإذا قلنا ماركسية متطرفة فثمة من يقول بلبرالية متطرفة، وإذا قلنا بماركسية وسط فلا شك أن هناك من يطلق على اللبرالية الاشتراكية صفة الوسطية!!! وكلاهما نهل من الآخر، حتى صار اللبرالي ماركسي والماركسي لبرالي. وفي المحصلة يجتمعان على موقف شبه موحد من الدولة. فالماركسية في آخر مراحل الشيوعية تؤمن، عبر تطور الوعي الفردي والاجتماعي، بإمكانية الوصول إلى تنظيم اجتماعي وسياسي يستغني بموجبه عن وجود الدولة والقوانين، واللبرالية تؤمن بأن الوظيفة الوحيدة للدولة ليست إلا حماية ما تراه حقوقا مقدسة للأفراد.

واقع الأمر أن اللبرالية تعلن الحرب على كل ما تراه قيودا تحد من حرية الفرد. فبالنسبة لها من حق الفرد أن يختار طريقة عيشه، وما يشاء من القناعات، وله مطلق الحرية في التصرف والاعتقاد، بشرط ألا يعترض على ما يفعله الآخرون أو يسيء بحريته إليهم. وتبعا لذلك لا يحق لأية منظومة عقدية أو قيمية أو إنساية أو ضرورة اجتماعية الاعتراض على ما يختاره الفرد لنفسه.


يلخص أحد اللبراليين اللبرالية بمبدأين:

« أولا: حرية الفرد في الاختيار، والأفراد في التجمع، وتكوين منظمات ومؤسسات مدنية مستقلة. ومع هذا يجب أيضا احترام مشيئة كل فرد في المجتمع مهما كانت معتقداتهم.
ثانيا: سيادة القانون الحامي لمبدأ حرية الفرد وتكوين حكومة قائمة فقط على تنفيذ تلك القوانين».

وبحسبه أيضا؛ فإن « حرية التعبير ليس لها أي إستثناءات مهما كانت». وهذه الحرية في سنوات فلاديمير لينين، مؤسس الدولة السوفياتية، وبحسب تراثه الإصلاحي، الذي استمر العمل به حتى سنة 1944، بلغت حدود ما يعرف بقوانين الإصلاح الجنسية، وتفكيك الأسرة، ومحاربتها بشدة على الطريقة الأفلاطونية، باعتبارها أقدم وأخطر مؤسسة استغلال واستبداد اجتماعيين!!! وتبعا لذلك صارت الإباحية من معالم الثورة البلشفية، ودولة لينين، حتى فيما يتعلق بالحرية الجنسية عند الأطفال، وفقا لتجارب فيرا شميت التعليمية. ولعلها المرحلة التي راقت هوى لينين حتى أصابته بمرض الزهري « السفلس» وقضت عليه!!!

في عصرنا هذا وصلت اللبرالية إلى الإلحاد الصريح. فصار اللبراليون العرب كأقرانهم من اليسار ، لم يأخذوا من اللبرالية إلا ما أخذه اليسار من الماركسية والمرحلة اللينينية على وجه الخصوص، بل هم أسوأ مما جاءت به النظريتان ... انتهازية، وكذب، وخمور، وجنس، وإباحية، وكفر، وإلحاد، وزندقة، وفساد، وإفساد، وطغيان، وهيمنة، وابتزاز، ورشوات، وسرقات، واستباحة للمحرمات، وطعن في البديهيات، وارتكاب للموبقات، وإشاعة للفواحش، وإفقار للعامة، وتحالفات مشبوهة، وقلب للحقائق، وتضليل للعامة، وتزييف حتى للشهادات العلمية، وتسلق، وتملق، وغطرسة، واستهتار، واستعلاء، وعمالة، وخيانة، وتآمر، وقلة أدب، ووقاحة، ودياثة، وخنوثة، وسفالة مشهودة، وخواء ... فهل هذه لبرالية الغرب وماركسيته؟

لنرى نموذج الأمس، لمواقف أمثال هؤلاء من أقدس قضايا المسلمين. فقد أشارت دراسة عن الحزب الشيوعي المصري أن موقف الشيوعيين العرب المؤيد لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين بلغ ذروته لما انتقدوا ما اعتبروه « التدخل» العربي في فلسطين سنة 1948 ، وذهبوا أبعد من ذلك حين طالبوا بسحب ما وصفوه بالجيوش العربية « الغازية »، معتبرين قتال اليهود مؤامرة استعمارية رجعية تهدف إلى منع قيام دولة يهودية!!! وفي الدراسة التي أعدها الحكم دروزة سنة 1963 بعنوان: « الشيوعية المحلية ومعركة العرب القومية – ص82 »، نجد موقف الحزب الشيوعي المصري من دعم الدولة اليهودية واضحا لا غبار عليه، كما لو أنه ينشد « نشيد الهاتكفاه» بدلا من اليهود أنفسهم، فيقول: « يرجع فهم الواقع الحالي لفلسطين من تطور اليهود فيها ونموهم كأمة جديدة .. أن الحالة الجديدة في فلسطين لم تكن نتيجة لبعث الوطنية لدى يهود العالم كما تدعي خطأ الصهيونية ، بل نتيجة لمولد وطني جاء على أثر تجمع عوامل تاريخية متعددة أدت إلى جعل يهود فلسطين أمة ... وإذا قلنا أمة وجب أن نعترف بحق تقرير المصير.. وإذا قلنا حق تقرير المصير ، فمعنى ذلك تخويل الأمة حق الانفصال.. فإذا اعترفنا بحقيقة تكوين اليهود في فلسطين كأمة ، فلا يمكن أن ننكر عليها حق الانفصال عن الأمة العربية وتكوين دولة يهودية في جزء من البلاد»!!!

أما نموذج اليوم فهو ما عبر عنه لبراليوا تونس والحزب الشيوعي المسمى بحركة التجديد، والذين لم يتخلّوا عن تراثهم البغيض تجاه فلسطين مقابل تملقهم للكيان الصهيوني والدفاع المستميت عنه. فقد بذل هؤلاء جهودا جبارة في إطار ما عرف ب « هيأة تحقيق أهداف الثورة» التي رئسها عياض بن عاشور، للحيلولة دون إضافة بند في ديباجة « العقد الجمهوري» يقضي بحظر التطبيع مع « إسرائيل» قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، ونجحوا في مهمتهم بدعوى أنه لا عداء بين تونس و « إسرائيل»، وأن مشكلة الفلسطينيين مع « الإسرائيليين» يتم حلها بالمفاوضات!!!



لا شيء تغير، بين الأمس واليوم، في عقل هؤلاء المرتزقة، والمعادين للأمة، ماضيا وحاضرا، ولن يتغير. فما عُرِفَ عنهم أنهم أشبه ما يكونوا بسلالة مَهِينَة، ديدنها القبح والاستبداد والطغيان والتسلق على حرمات الأمة. أما أنهم يدافعون عن الحرية والحقوق، وقيم الديمقراطية والعدالة والمساواة، فهي ليست إلا اجترارٍ لذات القيم الفاضحة، التي سبق لها، ودافعت باستماتة عن « الدولة المدنية» المزعومة، التي عاشوا في ظلها، وتنعموا بخيراتها، زمن مبارك وبن علي والقذافي والأسد وصالح وأمثالهم!!!
فالتاريخ والحاضر أثبتا أن هؤلاء لا يستطيعون العيش إلا في أجواء من التبعية والاستبداد والفساد والخيانة والغدر. ولو فتشنا عن أوكارهم؛ لما وجدناهم إلا في مراكز السلطة والنفوذ والمال، أو بالقرب منها، وبالتالي فلا عجب أن يخلو التاريخ ولو من فضيلة واحدة يستأنسون بها، أو يمتطونها لخداع الأمة .. ولا غرابة أيضا أن يتسم تاريخهم بدعم الأنظمة المستبدة، ومشاركتها في احتكار السلطة السياسية والاقتصادية والتجارية والمالية والثقافية والإعلامية والاجتماعية، حتى صاروا حلفاء لها، ولرأس المال، حتى لو كان في « إسرائيل».

والأدهى من ذلك أنهم سخروا أنفسهم أدوات للغرب، في ارتباط تاريخي بقوى « المركز» والهيمنة، على حساب الأمة وعقيدتها ومصيرها. حتى أنهم عبروا عن استعدادهم للانسلاخ من جلودهم، كما لو أن العروبة والإسلام وباء يجب التخلص منه. ولو سردنا تصريحاتهم وثقافاتهم ومواقفهم لوجدنا أنها لا تكتفي بالتهجم على كل التزام عقدي أو أخلاقي أو إنساني؛ بل تدافع عن كل انهيار وانحطاط حضاري، أو تفسخ أخلاقي، أو قيمي، أو ثقافي، فضلا عما يمارسونه من استفزاز فظيع بحق معتقدات الأمة وتاريخها، بدعوى التميز والإبداع .. وتاريخهم وحقيقتهم، وبالأدلة القاطعة، منه براء.

سوءات اللبرالية والماركسية تتضح أكثر ما يكون في سياقات الحدث الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي أو العقدي .. وفي الوقت الحالي فالثورات الشعبية هي الحدث الأهم، وتبعا لذلك يمكن ملاحظة تنكر اللبراليين واليساريين لكل ما كانوا يعتقدون به، ويعتبرونه قيما للحرية والمساواة، برفضهم لرأي الشارع الذي لفظهم، وفضح حقيقة حجمهم، فانهالوا على العامة شتماً، ووصفوهم بالجهل والتخلف وغياب الوعي، حتى اتضح أن علَّتهم صارت في المجتمع برمته وليس فيهم أو في مناهجهم ونظرياتهم وأهوائهم فحسب.


تناقضاتهم عجيبة!!! فهم يرفضون مبدأ الأقلية والأغلبية لجهة مفهومهم عن الحرية. إذ أن الحرية بالنسبة لهم لا تخضع لهذا المبدأ أبدا. فهي فوق كل مقدس، وفوق كل اعتبار، وفوق كل قيمة أو اعتقاد. لذا فقد تصدروا الثورة المضادة، واجتهدوا، بكل وسيلة، في حمل الأغلبية على ما يعتقدون. ووظفوا كل طاقاتهم للحيلولة دون الوصول إلى اللحظة الفاصلة التي تكشف سوءاتهم أو تحدد مقاديرهم. أما لماذا يفعلون ذلك؟ فلأنهم يدركون أن خياراتهم ليست خيارات الأمة بقدر ما هي خيارات أشد الناس عداوة للذين آمنوا .. وخيارات المنافقين والشياطين .. وخيارات شنودة وسلفاكير .. وخيارات المفسدين في الأرض ..

ورغم أنهم منبوذون، لا يكادون يمثلون أكثر من أنفسهم، إلا أنهم متمسكون بتطرفهم .. ووالغون في الأذى .. يحتملون كل الفضائح ولا يستحون أو يعقلون .. تجدهم رحماء على اليهود والنصارى وملل الكفر قاطبة، يدافعون عن حقوقهم وشرائعهم، ويحرصون على رضاهم، يحالفونهم، ويحرصون على مجالستهم، وحضور طقوسهم، ويتوسلون منهم القبول !! أما مع المسلمين، دون غيرهم، فألسنتهم عليهم سليطة، وحربهم للذين آمنوا بلا هوادة، وجرأتهم على الله، عز وجل، بلا حدود .. ولما لا يكون لديهم من المبررات ما يستر عوراتهم؛ فهل يكون أمثال هؤلاء أقل من أصحاب أحط الأجندات!!!؟


أسوأ ما في اللبرالية، ليس اللبراليون أو متسلقيها من العرب، بل أولئك الذين ينسبون أنفسهم لقوى إسلامية، وفي نفس الوقت يتصرفون كاللبراليين أو أشد منهم سوءة، إما بالخضوع لجلسات استجواب واستنطاق سياسي أو استنزاف عقدي، وإما بالتطوع في تقديم التصريحات المخزية، والفتاوى المنبتة عن أي سند شرعي، وإما بالثناء على الغرب، واعتبار قيمه كونية تصلح لكل زمان ومكان، بينما الأحكام الشرعية غير جديرة بالتطبيق، ولا هو أوانها أو مكانها. يحدث هذا في الوقت الذي نضب فيه بنك العملاء، في أول اختبار له، ممن روجوا لأطروحات « المركز» طويلا، ودافعوا عنها، حتى انكشفت سوءاتهم ومقاديرهم، وتبين لهم وللعامة أن فلول النظم باتت أكثر شعبية منهم.

مشكلة الأمة ليست واقعة في الحرية التي يتبجح بها اللبراليون العرب ورفاقهم بل في مستقبل الأمة برمته. وليس نحن فقط من يقول بهذا، بقدر ما هي اعترافات « المركز» نفسه، وهي تتوالى على وقع التحدي الذي فرضه ملايين البشر في الشوارع، وهم يصرخون ويقدمون التضحيات للخلاص من الاستبداد والتبعية والهيمنة ورويبضة الأمة.


ففي أول تعقيب له على اندلاع الثورات العربية، كتب « نعوم تشومسكي»، عالم اللغويات اليهودي، في صحيفة « الغارديان - 5/2/2011»، يقول: « إن ما يقلق واشنطن ليس الإسلام المتطرف بل نزوع دوله إلى الاستقلال»، مشيرا إلى أن واشنطن وحلفاؤها: « يتقيدون بالمبدأ الراسخ القائم على تَقبُّل الديمقراطية طالما أنها تتفق مع أهدافهم الإستراتيجية والاقتصادية، فهي مقبولة لديهم في بلد العدو حتى مدى معين، ولكن ليس في ساحتنا الخلفية ما لم يتم ترويضها».

وبعد مضي قرابة العام، عزز « غراهام فولر»، الرئيس السابق للمجلس الوطني للاستعلامات بجهاز المخابرات المركزية الأميركية، ما قاله زميله « تشومسكي». ففي معرض تعليقه على « الخاسرين» و « الرابحين» من الثورات العربية، أشار في مقالة له بعنوان: « الثورات العربية.. من الخاسر ومن الرابح؟ - 21/11/2011»، ، إلى خسارة الولايات المتحدة بالقول: « إن أسباب خسارتها بسيطة؛ فالشعوب العربية غاضبة ومحبطة من عقود بل قرون من السيطرة الاستعمارية الغربية، انتهت بعقد من الحروب الأميركية على الأراضي الإسلامية في بحث وهمي عن حل عسكري للإرهاب المعادي للغرب ».

ولم يطل الوقت كثيرا حتى أطلقت مجلة « التايم 25/11/2011» الأمريكية تحذيراتها للإدارة الأمريكية تجاه عودة الاحتجاجات الشعبية بقوة إلى « ميدان التحرير» في مصر .. هذه الاحتجاجات التي اندلعت في أعقاب ما سمي ب « جمعة المطلب الوحيد – 18/11/2011»، المنادية بتسليم المجلس العسكري الحكم للمدنيين. إذ اعتبرت المجلة: « أن العام 2011 سيبقى في ذاكرة التاريخ باعتباره عام إعلان استقلال الشرق الأوسط عن النفوذ الأميركي». أما التحذير فقد ورد على خلفية «حيرة» الإدارة الأمريكية تجاه: « اختيارها بين استقرار نظام استبدادي في شكل العسكر والغموض في الديمقراطية»، ف: « إذا ما وقفت الإدارة الأميركية مجددا صامتة أمام الوضع السياسي المتغير بشكل متسارع في مصر، فإن الدرس المستخلص سيكون بأن العام 2011 يؤكد مدى انحسار النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط».

أية حرية يدعو إليها هؤلاء بينما يعيش « المركز»، تحت وطأة قيمه اللبرالية وما خلفته من خراب ودمار للبشرية، وما أشاعه من ثقافات النهب والفساد والاستعمار والهيمنة، ليصل في النهاية إلى أزمات خانقة تعصف به على كل مستوى. فهل سنحتاج إلى كثير من التأمل للتأكيد على أن المشكلة واقعة في المنهج والنظرية وليس في السياسات، كما يروج بعض رموز الغرب كالكاتب البريطاني تيم مونتغمري في صحيفة «الغارديان - 12/11/2011» في مقالة له بعنوان: « العلة بالسياسات وليس بالرأسمالية»، وهو، للمفارقة، ذات التبرير الذي قدمه منظرو الماركسية وأتباعها حين انهار الاتحاد السوفياتي!!! إنْ كان الأمر كذلك فكيف يمكن تفسير أزمات الديون الطاحنة في كل دول العالم الرأسمالي، دفعة واحدة؟ وإنْ كانت السياسات خاطئة في كل المنظومة الرأسمالية فهل يعقل أن تكون نموذجا يحتذى!!!!؟

كلمة أخيرة


يعيب اللبراليون واليساريون على المسلمين التخلف والتحجر ، ويتهمون الإسلام بأنه دين عنيف ومتطرف!!! لكننا لن نتحدث عن تاريخ أوروبا في عصور الانحطاط الصليبي، ولا عن تاريخ الرجل الأبيض في القارة الأمريكية، ولا عن جرائم البيض في الولايات المتحدة بحق الهنود الحمر، ولا عن عصابات الحرب الأهلية فيها .. وسنكتفي بسؤال هؤلاء فقط عما يسمونه قيما كونية، تصلح لكل البشر في كل زمان ومكان، أليست اللبرالية والرأسمالية هي صاحبة القيم التي أفرزت حربين عالميتين، كانت أوروبا مسرحا لهما؟ أليست هي القيم التي سطرت في دفاترها تاريخا استعماريا رهيبا لم تفلت منه دولة واحدة؟ أليست هي صاحبة القنابل الذرية التي ألقيت على البشر لاختبار فاعليتها على الأرض؟ أليست هي من قتل عشرات الملايين من الضحايا؟ واغتصبت البلدان من أهلها؟ وشنت حملات الإبادة المنظمة ضد جنوب الكرة الأرضية على وجه الخصوص؟ ثم أليست هي من شرّع نهب ثروات الأمم والسيطرة عليها؟ وأخيرا أجازت نهب شعوبها؟ أليست هي الفاعل الوحيد في العالم في الأزمة المالية الطاحنة التي تعصف ب « المركز» والعالم؟ فمن هو العنيف والمتطرف والإرهابي؟ ومن هو المؤهل لاستقبال حرب عالمية ثالثة؟ المسلمون أم الأوروبيون؟ حقا!! إنْ لم تستح فاصنع ما شئت، فليس بعد الكفر ذنب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.