خرج مئاتُ الآلاف من المواطنين في الولاياتالمتحدة الأمريكيَّة ودول أوروبا وآسيا تعبيرًا عن الاحتجاج على الرأسماليَّة التي اعتبرها وحشًا يمتصّ دماء الفقراء ويهمِّش الطبقة الوسطى لحساب مجموعة صغيرة جدًّا من المرابين وأصحاب البنوك وكبار الرأسماليين. هذه الانتفاضة الواسعة استلهمت تجربة الثورات العربيَّة خاصَّة في مصر وتونس، وكان المعتصمون في نيويورك في حي وول ستريت شارع المال والأعمال، أو في برلين وكوبنهاجن ولندن وسيدني وطوكيو، يطلقون على الميادين التي يحتشدون فيها ميدان التحرير، ويقولون هنا القاهرة، وكذا فإن التأثير الثقافي والفكري بدأ يتَّجه من الجنوب إلى الشمال، وهذا أمر له دلالاته الخطيرة والكبيرة جدًّا كمًّا ونوعًا. الذين يثورون على الرأسماليَّة يعبِّرون عن حلم إنساني مشروع وموجود لدى الإنسان، ولن يكفّ عن المطالبة به ومحاولة تحقيقه، وإذا كانت الماركسيَّة والاشتراكيَّة الديمقراطيَّة وغيرها من أنظمة الحكم والمناهج السياسيَّة التي أفرزتها الحضارة الغربيَّة قد فشلت في التصدي للرأسماليَّة وإنقاذ العالم من ويلاتها، فإن هذا لا يعني صلاحية الرأسماليَّة ولا يعني أن الأمل قد انتهى في تحقيق العدالة الاجتماعيَّة، وإعادة رسم خريطة الاقتصاد العالمي لصالح الفقراء والمستضعفين، لقد فشلت الماركسيَّة والاشتراكيَّة الديمقراطيَّة ذات الجذر الحضاري الغربي، لأنها نشأت من نفس الأرضيَّة الحضاريَّة التي أفرزت الرأسماليَّة، وبما أن تلك الأرضيَّة الحضاريَّة الغربيَّة فاسدة، فإن كل إفرازاتها ستكون فاسدة، وبديهي أن الحضارة الغربيَّة هي حضارة عنصريَّة قامت على جرائم الإبادة والاسترقاق والنهب والقهر، ولا يمكن إلا أن تفرز مناهج فاسدةً، ويجب البحث بالتالي عن منظومة حضاريَّة أخرى تكون جذرًا للفكرة والمنهج الصالح والقادر على تحقيق العدل الاجتماعي، يجب أن تكون تلك المنظومة من خارج الحضارة الغربيَّة التي أفرزت الرأسماليَّة حتى تستطيع مواجهة وإسقاط تلك الرأسماليَّة، ويجب أن تكون تلك المنظومة غير عنصريَّة وذات خطاب عالمي، وكذا يجب أن تمتلك نمطًا نظريًّا منحازًا ومنصفًا للفقراء وممارسة أدت في فترات قليلة أو كثيرة إلى تحقيق مفهوم العدل الاجتماعي، ولا شك أن الإسلام كأيديولوجيَّة هو الذي يحمل تلك السمات، فهو ذو خطاب عالمي، وليس عنصريًّا، وهو من خارج المنظومة الحضاريَّة الغربيَّة وكذلك فإن النص والتطبيق الإسلامي منحاز بقوَّة إلى الفقراء والمستضعفين، والاقتصاد الإسلامي هنا يمكن أن يكون أيديولوجيَّة للفقراء والمستضعفين في العالم من المسلمين وغير المسلمين. ولا شك أن من الضروري أن تتواصل الحركاتُ الإسلاميَّة ذات الطابع التقدمي وكذلك المفكرون والعلماء المسلمون المتسمون بالانحياز إلى الفقراء مع كل النشطاء والثوريين في كل العالم، لتقديم الإسلام كبديل أو على الأقل كأيديولوجيَّة للفقراء والمستضعفين. المصدر: الإسلام اليوم