د.مازن النجار \n\n أوردت مصادر الأنباء مؤخراً أن دراسة طبية أميركية وجدت الرجال الشواذ الناشطين جنسياً أكثر عرضة بثلاث عشرة مرة للعدوى (عبر العلاقات الجنسية الشاذة) بسلالة جديدة من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، ويسمّى هذا الالتهاب بكتيريا \"ستافيلوكُوكّس أوريوس المقاومة للمثيسيلّين\"، ويعرف اختصاراً (MRSA).\nووفقاً لهذه الدراسة التي ستنشر الشهر القادم {فبراير/شباط} بدورية \"حوليات الطب الباطني\"، فإن هذة السلالة الجديدة من بكتيريا ستافيلوكُوكّس المسماة تحديداً MRSA USA300، والتي كان وجودها في الماضي مقتصراً على المستشفيات، ما زال يزال يصعّد مقاومته لأقوى المضادات الحيوية المعروفة، وانتقل إلى جماعات يمكن للمرض الانتشار فيها بالاتصال العرضي أيضاً.\nوكانت دراسات منشورة حديثاً قد وثقت حالات تفشّى فيها المرض فيما بين أوساط خاصة كالرياضيين والأفراد العسكريين. \nأعراض متعددة\nوتتمثل أعراض العدوى ببكتيريا ستافيلوكوكّس بالتهابات جلدية طفيفة وخراجات (دمامل). وما لم يتم الكشف عنها مبكراً، يمكن لهذا المرض أن يلتهم منطقة العدوى، ويسبب تسمماً للدم، ويؤدي إلى التهاب صمامات القلب، والتهاب رئوي.\nاختار الباحثون عشوائياً عدداً من المرضى من مستشفيات وعيادات مختلفة في مدينتي بوسطن وسان فرانسيسكو لقياس مدى انتشار الإصابة ب MRSA USA300. ففي إحدى عيادات فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) بسان فرانسيسكو، ومن بين ثلاثة آلاف رجل يعالجون سنوياً، تم العثور على حالات عدوى بهذه البكتيريا المرعبة حصرياً بين الرجال الشواذ جنسياً.\nوبينما كان الأشخاص الذين تدهورت مناعتهم أكثر تعرضاً للإصابة بعدوى هذا المرض، وجدت الدراسة أن الرجال المثليين جنسياً يلتقطون البكتيريا الخطرة بصرف النظر عن كونهم مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية.\nوكشفت الدراسة أيضاً أن 588 مواطناً من سكان حي كاسترو بمدينة سان فرانسيسكو، حيث توجد أعلى كثافة للمثليين جنسياً في الولاياتالمتحدة، هم أيضاً مصابون بعدوى بكتيريا ستافيلوكوكّس المقاومة للمضادات الحيوية.\nمفتاح العدوى سلوكيات شاذة\nورغم أن عقاقير المخدرات ليست محور هذه الدراسة، إلا أن العلماء يشتبهون في أن تعاطي الميثامفيتامين وعقاقير أخرى غير المشروعة، وتعدد الشركاء والعلاقات الجنسية، والإصابات السابقة بعدوى أمراض تنتقل جنسياً، وسلوكيات جنسية أخرى عالية المخاطر، تلعب جميعها دوراً هاماً في انتشار العدوى ببكتيريا ستافيلوكوكّس المقاومة للمضادات الحيوية.\nالدكتور بنه دييب مؤلف الدراسة وباحث بمرحلة ما بعد الدكتوراة بالمركز الطبي لمستشفى سان فرانسيسكو العام، يقول أن عدوى البكتيريا متعددة المقاومة للعلاجات تصيب غالباً الرجال الشواذ جنسياً في مواقع أجسادهم التي يحدث فيها تلامس الجلد بالجلد خلال الأنشطة الجنسية.\nولكن نظراً لأن هذه البكتيريا يمكنها الانتشار عن طريق اتصال عرضي أكثر، فإن العلماء قلقون جداً من إمكان انتشار هذه السلالة من البكتيريا الخطرة بين السكان عموماً.\nآلية الانتشار السريع\nوكانت دراسة طبية أميركية قد توصلت، منذ أربع سنوات، ونشرت نتائجها بمجلة \"سيانس\"، إلى سبب الانتشار السريع للبكتيريا داخل الجسم، مما يحوّل إصابة بكتيرية بسيطة إلى ما يعرف بمرض البكتيريا آكلة لحوم البشر.\nتستغل البكتيريا، في بعض حالات الإصابة بالعدوى البكتيرية، آلية منع الجلطات في الجسم لتنتشر بسرعة داخل أنسجته، مما يؤدي إلى حالات البكتيريا آكلة لحوم البشر، وتسبب غالبا وفاة الشخص المصاب نتيجة \"تآكل\" الأنسجة الرقيقة والصفاق، وهما يغلفان الأنسجة العضلية في الجسم.\nويؤمل أن يؤدي الاكتشاف إلى تطوير أدوية و لقاحات تعمل على تحجيم قدرة البكتيريا على الانتشار المميت.\nوجدت الدراسة التي أجراها فريق بحثي بجامعة مِشيغَن بقيادة الدكتور ديفيد غِنسبرغ، أنه في حين لا تؤدي الإصابة ببكتيريا المجموعة (إيه) من نوع \"ستربتوكُوس\"، أو اختصاراً (GAS)، إلى أكثر من قرحة بسيطة في الحلق في الأحوال العادية، تتمكن هذه البكتيريا أحيانا من الانتشار السريع في الجسم، وتؤدي إلى وفاة حوالي 25 بالمائة من المصابين.\nويرجع ذلك إلى قيام الجسم، لدى الإصابة بعدوى بكتيرية، ببناء سياج من الجلطات الدموية حول موضع الإصابة لمنع انتشارها في الجسم. ولكن البكتيريا تقاوم ذلك بإفراز إنزيم \"ستربتو كاينيز\" المذيب للجلطات، ويمكن البكتيريا من الانتشار بهياج داخل الجسم، مؤدية إلى مرض البكتيريا آكلة لحوم البشر.\nالإنزيم المذيب للجلطات\nتمكن الدكتور غينسبرغ ورفاقه من تحديد آلية عمل الإنزيم المذيب للجلطات الدموية بدقة. إذ توصلوا إلى أن ذلك الإنزيم الذي تفرزه البكتيريا يستحث تحوّل بروتين البلازمينوجِن إلى صورته النشطة، بحيث يمنع تكون الجلطات في الدم ليحافظ على انسيابه بصورة طبيعية، والبلازمينوجن – غير النشط– موجود بصورة طبيعة ودائمة في الدم.\nتفسر الدراسة عدم إصابة فئران التجارب بالبكتيريا آكلة لحوم البشر. فالفئران تحتوي على نسخة من بروتين بلازمينوجن مختلفة عن النسخة البشرية. ولهذا فعند حقن الفئران ببكتيريا (إيه) من نوع \"ستربتوكُوس\" تحت الجلد، لا يؤدي ذلك إلى أكثر من إصابات موضعية محدودة، وحيث لم يتمكن إنزيم \"ستربتو كاينيز\" من تنشيط البلازمينوجن المذيب للجلطات.\nللتأكد من ذلك، قام الباحثون أولا بحقن فئران محورة وراثيا (تحتوي على نسخة بشرية من بروتين بلازمينوجن) ببكتيريا (إيه) من نوع \"ستربتوكُوس\" تحت الجلد، وكانت النتيجة أن انتشرت العدوى بسرعة، وماتت معظم الفئران.\nثم كرروا التجربة، ولكن بحقن الفئران (ذات النسخة البشرية من البلازمينوجين) بنفس البكتيريا بعد نزع إنزيم \"ستربتو كاينيز\" منها، ولم ينتج عن ذلك سوى إصابات بكتيرية موضعية محدودة للفئران، ولم يمت أي منها. ويشير ذلك تحديداً إلى دور التفاعل بين إنزيم \"ستربتو كاينيز\" وبروتين بلازمينوجن في الإصابة بمرض البكتيريا آكلة لحوم البشر.\nلم يجب الباحثون عن: لماذا يحدث انتشار سريع ومميت للبكتيريا في بعض الأشخاص دون غيرهم؟\nهل يعود ذلك لاختلاف في الجينات التي تحمل شفرة إنتاج بروتين البلازمينوجين من شخص لآخر؟\nفلماذا إذاً يستفحل انتشار البكتيريا القاتلة بين فئة الشواذ تحديداً أكثر من غيرهم؟ وفي مناطق تلامس الشاذين بصفة خاصة؟