وقد عبر كلا المُرشَّحين عن مواقف متباينة للغاية، وأعطيا انطباعاً بأن رئاسة أوباما ستؤدِّي إلى انسحاب سريع نسبياً للقوات الأمريكية من العراق، في حين أن رئاسة ماكين لن تبعتد كثيراً عن ذلك الإصرار الشديد على إبقاء أعداد كبيرة من القوات الأمريكية في العراق، وهو الإصرار الذي كان السمة المُميّزة للسنوات الخمس الأخيرة للرئيس بوش في منصبه. \r\n \r\n قد يُظهِر تحليل الرأي العام الأمريكي والموقِف على أرض المعركة في العراق أنه من المحتمل أن يتبنَّى الرجلان استراتيجيات متشابهة في العراق حين تولِّيهم الرئاسة. والحقيقة الأساسية هي أنه في الوقت الذي يمقُت فيه الجمهور الأمريكي الخسائر البشرية المستمرة في العراق ويُؤمِن إلى حدّ كبير بأن قرار غزو العراق كان خاطئاً، فإن غالبية الأمريكيين لا يريدون مواجهة هزيمة صريحة في العراق تشبه تلك التي تعرضُّوا لها في فيتنام. وهذه الحقيقة هي ما ستُقيِّد كلاً من أوباما وماكين عندما يتسلَّم الفائز منهما في الانتخابات الرئاسية القادمة مهام منصبه الجديد في يناير/كانون الثاني 2009. وقد سبق أن تسبَّبت هذه الدينامية ذاتها في فشل الديموقراطيين، عندما أعطاهم الناخبون المنهكون من الحرب الفرصة في السيطرة على الكونجرس في عام 2006، في تمرير تشريع \"معارض للفيتو\" يطالب بالانسحاب الأمريكي من العراق. \r\n \r\n لقد عكس السيناتور أوباما إلى حد كبير الإحباط الذي يشعر به الديموقرطيون حيال عجز حزبهم، رغم تأييد الناخبين الواضح له؛ عن إجبار الرئيس بوش على التخفيف من حدَّة العمليات القتالية الأمريكية في العراق. وفيما طالب السيناتور أوباما بتخفيض أعداد القوات الأمريكية، في غضون 16 شهراً، والوصول بها إلى مستوى كاف لتنفيذ بعض المهام المحدودة في العراق، مثل الاستمرار في محاربة تنظيم القاعدة، وحماية الدبلوماسيين الأمريكيين، وتدريب قوات الأمن العراقية، ذكر السيناتور ماكين أن هدفه الأساسي يتمثل في تحقيق \"النصر\" في العراق، والذي يقصد به تحقيق الاستقرار لحكومة عراقية نيابية إلى الحد الذي تكون فيه قواتها الأمنية قادرة على الدفاع عنها وعن العراق دون حاجة إلى مساعدة الأمريكيين. كما وعد بعدم إجراء أي تخفيضات في أعداد القوات الأمريكية، إلا إذا كانت الظروف الأمنية تسمح بمثل هذا التخفيض، وهو يعارض بقوة تحديد أي جدول زمني لسحب القوات الأمريكية من هناك. \r\n \r\n من المرجح أن تحول القيود التي يفرضها الرأي العام دون وفاء أي من المُرشَّحين بالوعود التي قطعها على نفسه عند توليه منصب الرئاسة؛ فإذا تمَّ انتخاب السيناتور أوباما وشرع سريعاً في سحب القوات القتالية الأمريكية من العراق من مستوى ال 140.000 جندي، وهو المستوى الذي من المحتمل أن يكون عليه عدد هذه القوات عند توليه السلطة، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى عودة العنف في العراق إلى مستوياته المرتفعة السابقة؛ فالمصالحة لم تتحقق بعد بين الطوائف العراقية الرئيسية، ومازال المتمردون السنة في العراق ينتظرون الفرصة لتحدي حكومة نوري المالكي التي يسيطر عليها الشيعة. وستكون حكومة المالكي، من دون حماية شديدة من قبل الأمريكيين، عرضة لتحديات مسلحة من جانب إخوانه من الشيعة الموالين لخصمه الرئيسي، مقتدى الصدر. ومن المرجع كذلك أن تؤدي عودة أعمال العنف للارتفاع من جديد إلى قيام الرئيس أوباما بتأخير أية عمليات أخرى لسحب القوات الأمريكية من العراق. وفي حالة إصرار أوباما على المضي قدماً في عملية الانسحاب، واستمرار تداعي وسقوط القوات الأمريكية، فسيواجه اتهامات بأنه \"خسر\" العراق بسبب تعنُّتِه وإصراره على القيام بمثل هذه الانسحاب المُتعجِّل. \r\n \r\n أما بالنسبة للسيناتور جون ماكين؛ فإن خياراته هو الآخر ليست أقل صعوبة؛ فقد يعتقد أنه، كرئيس، سيصبح بإمكانه \"الإبقاء على الوضع الحالي\" والقيام تدريجياً بعد ذلك بتخفيض أعداد القوات الأمريكية عندما تتحسن الظروف. بيد أنه من غير المرجح أن تتحسن الأحوال الأمنية إلى الحد الذي يجعل القادة الأمريكيين في العراق يوصون بتخفيض أعداد القوات هناك إلى ما دون مستوى 140.000 جندي، وهو المستوى الذي سيصلون إليه في يوليو/تموز القادم (2008). ورغم أنه من غير المرجح أن تعود معدلات الخسائر البشرية الأمريكية إلى مستوى ال 100 جندي، الذي كانت قد وصلت إليه في أواخر عام 2007، إلا أنه يُرجَّح أيضاً أن تستمر عند مستوى 20-40 أو أكثر في الشهر، ويتوقف ذلك على ما إذا كان مقتدى الصدر سيقوم بتجديد تحديه المسلح للولايات المتحدة أم لا. وسوف تعمل الخسائر المستمرة في الأرواح، والركود البادي في ساحة القتال، والاستمرار المحتمل لعجز الطوائف العراقية عن تحقيق المصالحة والتوافق، على تحفيز وزيادة مطالبات الكونجرس والرأي العام الأمريكي بتخفيض حجم ومستوى التورط في العراق، وهو ما قد يؤدي إلى إجبار الرئيس ماكين على سحب القوات الأمريكية بصورة أسرع وعلى نطاق أوسع مما قد يرغب فيه القادة الأمريكيون. وإذا فاز الديمقراطيون المؤيدون لفكرة سحب القوات من العراق بمزيد من المقاعد في الكونجرس خلال انتخابات 2008، فمن المحتمل أن يصبح لدى الحزب الديمقراطي عدد كاف من الأصوات لإجبار ماكين على تحديد جدول زمني لسحب القوات الأمريكية. فالديمقراطيون كانوا يفتقرون إلى وجود مثل هذا العدد الكافي من الأصوات الذي يمكنهم من فرض مثل هذا القرار على الرئيس بوش، ويرجع هذا جزئياً إلى أن العديد من الديمقراطيين لا يرغبون في إثارة سخط الجمهور الأمريكي عبر تسببهم في حدوث هزيمة ثانية للولايات المتحدة على غرار تلك التي حدثت في فيتنام. \r\n \r\n النتيجة النهائية للدينامية السياسية في الولاياتالمتحدة هي أن سياسة الرئيس أوباما حيال العراق لن تختلف بصورة درامية عن نظيرتها الخاصة بالرئيس ماكين؛ فمن المرجح، في ظل حكم أي من الإدارتين،أن يتم تخفيض أعداد القوات الأمريكية تدريجياً، ربما إلى مستوى ال 100.000 جندي، بحلول نهاية السنة الأولى من مدة ولاية الرئيس الأمريكي الجديد. ولن يكون هذا المستوى من القوات كافياً للحيلولة دون تسارع أعمال العنف الطائفي والتمرد من جديد في العراق، كما أنه لن يكون كافياً في الغالب للحيلولة دون تداعي الحكومة العراقية المنتخبة. ومن المحتمل أن تظل القوات الأمريكية عند هذا المستوى للعديد من السنوات اللاحقة من أجل منع حدوث انهيار واضح وكبير. ولكن حتى الرئيس ماكين سيكون عاجزاً سياسياً عن إرسال قوات إضافية في أية محاولة أخرى لتحقيق الاستقرار بصورة كاملة في العراق، كما ستواجه أيٍ من الإدارتين، وستضطر إلى القبول في النهاية، بحدوث تدهور بطيء في الموقف الأمني العراقي. وعند هذه النقطة سوف تبحث أي من الإدارتين عن طرق جديدة لتحقيق الاستقرار في العراق لا تتطلب إرسال مزيد من القوات الأمريكية، ومن المرجح أن تتجسد إحدى هذه الطرق في تنفيذ الخطة التي تمَّ اقتراحها منذ وقت طويل، والقاضية بتسهيل عملية تقسيم السلطة في العراق وتفكيكه إلى مناطق منفردة تتمتع كل منها بالحكم الذاتي. \r\n \r\n