\r\n هذا وليس هناك ما يفسر الأسباب التي أدت إلى فتور حماس الشعب الأمريكي ومساندته للحرب بهذه السرعة، فقد أصبح نحو 60% من الأمريكيين يعتقدون أن قرار الحرب كان خاطئاً. كما أظهر استطلاع للرأي أجرته \"مؤسسة هارس\" في 24 نوفمبر/تشرين الثاني أن نحو 63% من مواطني الولاياتالمتحدة يطالبون بعودة القوات الأمريكية في غضون السنة القادمة، بصرف النظر عن نجاحها في تنصيب حكومة مستقرة في بغداد أو لا. وربما يدرك الشارع الأمريكي أن مزيداً من الخسائر المستقبلية في صفوف القوات الأمريكية لن يعني بالضرورة تحقيق مزيد من الاستقرار في العراق. \r\n يجدر بالملاحظة أن شعور عدم الارتياح الذي يجتاح الشارع الأمريكي قد امتد إلى الكونجرس. ففي العام الماضي، شكل نحو 50 عضواً من الكونجرس تجمعاً يدعو إلى\"الانسحاب من العراق\" بشكل فوري، على أساس أن الأسباب المنطقية والأساسية للحرب على العراق- أسلحة الدمار الشامل وعلاقات نظام صدام حسين بتنظيم القاعدة- قد ثبت خطؤها. لكن مشروع الانسحاب الذي طالب به هذا التجمع لم يحظ بتأييد عدد كبير من الجمهوريين. \r\n ومع ذلك، فإن هذا الجدل الذي طال الكونجرس بخصوص الاستراتيجية الجارية بشأن العراق قد علا واحتدم لدرجة لم يشهدها الكونجرس من قبل، وذلك عندما قام السيناتور كارل ليفن في 15 نوفمبر/تشرين الثاني بطرح تشريع (تعديل لمشروع قانون الدفاع الأوسع) يطالب إدارة بوش بجدول زمني لسحب القوات الأمريكية من العراق. عكس هذا المقترح وجهة نظر السيناتور ليفن في أن الولاياتالمتحدة بحاجة إلى أن تبعث رسالة واضحة إلى أكراد العراق وشيعته، الذين يمسكون بزمام السلطة في العراق الآن، بأنه يتعين عليهم التوصل إلى تسوية واتفاق مع السنة العرب -الذين يشعرون بعدم الارتياح- وإلا فسيخاطرون بفقد الدعم الأمريكي الذي يقدم لهم. وهكذا يتضح أن وجهة نظر السيناتور ليفن تتسق وتقييم كثير من الخبراء العراقيين الذين يرون أن الشيعة العرب والأكراد، أثبتوا حتى الآن أنهم لا يهتمون كثيراً بتحقيق الديمقراطية في العراق، وأن أكثر ما يشغلهم هو الانتقام من السنة العرب، بسبب ما تعرضوا له من اعتداءات على يد نظام صدام حسين، وعليه فلن يستطيع السنة العودة إلى السلطة في العراق. \r\n ورغم ذلك كله، لم يوافق مجلس الشيوخ على مشروع للانسحاب الأمريكي العلني من العراق. من ناحية أخرى، توصل الجمهوريون وكثير من الديمقراطيين إلى صيغة معدلة لمقترح السيناتور ليفن، وذلك من خلال تخليهم عن المطالبة بإعداد جدول زمني علني للانسحاب، ولكنهم طالبوا بأن يكون عام 2006 هو عام \"انتقال\" السلطة ومسؤولية الأمن بكاملها إلى العراقيين. ورغم أن الرئيس بوش قد أعرب عن رضاه بسبب رفض الكونجرس إعلان جدول زمني للانسحاب، فقد كان الاقتراح المعدل يمثل أول إشارة واضحة إلى اقتناع كثير من أعضاء الكونجرس بأن إصرار إدارة بوش على المضي قدماً في خطتها في العراق لن يحقق أهداف الولاياتالمتحدة في العراق بتكلفة مقبولة. \r\n ورغم أن كثيراً من المراقبين قد نظروا إلى ما قام به أعضاء مجلس الشيوخ باعتباره حدثاً مفصلياً ونقطة تحول، فإن ما حدث بعد ذلك كان أكثر دراماتيكية، وهو الحديث الذي أدلى به العضو الديمقراطي جون مورثا، من ولاية بنسلفانيا، بعد يومين على تمرير الكونجرس لذلك التشريع. وجدير بالذكر أن مورثا، عضو الكونجرس الأمريكي، هو أحد قادة البحرية الأمريكية السابقين، ومعروف في الكونجرس أنه أحد صقور الدفاع القومي، وكان من بين المساندين لقرار الحرب على العراق الذي أصدره الكونجرس في أكتوبر/تشرين الأول 2002. طالب مورثا في حديثه بسحب القوات الأمريكية من العراق خلال ستة أشهر، مع الإبقاء على تواجد القوات الأمريكية \"في الأفق\" بالكويت، لتعزيز قوات الأمن العراقية إذا دعت الضرورة. كما يرى مورثا أنه لم يعد هناك الكثير مما يمكن أن تنجزه القوات الأمريكية على الصعيد العسكري في العراق، ويرى أن الوجود الأمريكي يشعل نار المقاومة أكثر مما يخمدها. وهناك اقتناع بأن حديث مورثا يعكس آراء وتقديرات كثير من القادة في الجيش الأمريكي الذين تربطه بهم علاقة وثيقة. ورغم أن حديث مورثا هذا والاقتراح الذي أعده الكونجرس بناء عليه، لم يحظيا بتأييد واسع في الكونجرس - ربما لأن البعض نظر إلى توصياته على أنها متهورة جداً - فإن حديثه قد لاقى اهتماماً كبيراً من قبل وسائل الإعلام، وسرّع من وتيرة الجدل الساخن حول مستقبل العمليات الأمريكية في العراق. \r\n السؤال الرئيس الآن هو: ما هي الخيارات التي يمكن أن تفرز استقراراً، أو أن تمنع، على الأقل، حدوث فوضى وانهيار في العراق في حالة تخفيض عدد القوات الأمريكية؟ من المعروف أن استراتيجية الإدارة الأمريكية الحالية تهدف إلى تطوير قوات الأمن العراقية مع محاولة اجتذاب أعداد متزايدة من السنة بعيداً عن المقاومة والعمل على انخراطهم في العملية السياسية. ورغم احتمال نجاح هذا التكتيك، يبدو أن جُلَّ السنة حتى الآن ينظرون إلى العملية السياسية باعتبارها وسيلة إضافية بجانب استخدام العنف وليس بديلاً له، وذلك لتحقيق تفوق على الشيعة والأكراد. في الوقت ذاته، يبدو أن إدارة بوش، بدافع من تنامي الشعور بالقلق وعدم الارتياح، قد بدأت الآن تتجه نحو التخفيض، الجزئي على الأقل، للقوات الأمريكية، (ربما 33%) بعد انتخابات 15 ديسمبر/كانون الأول المقرر إجراؤها لانتخاب حكومة دائمة. وقد أشارت إلى هذا الاتجاه الأخير وزيرة الخارجية كونداليزا رايس في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2005. \r\n في حين أن استراتيجية \"المضي قدماً\" في العراق قد تؤدي إلى وقوع مزيد من الإصابات دون تحقيق استقرار، فإن التخفيض الجزئي له مشكلاته أيضاً. وما إن تبدأ الولاياتالمتحدة تخفيض قواتها، فإن من المحتمل أن تُصعِّد المقاومة من هجماتها ضد مدن السنة العرب التي لا تتوافر لها حماية قوية. ومن غير المحتمل أن تستطيع قوات الأمن العراقية حماية المدن والقرى التي يقطنها السنة العرب دون توافر دعم كبير من القوات الأمريكية، ذلك لأن قوات الأمن العراقية ليس لديها اقتناع كافٍ بمهمتها ورسالتها. وهذا سيمثل معضلة للإدارة الأمريكية، فإما أن تعيد قواتها التي ستكون قد انسحبت حينئذ، وإما أن تقبل تقدُّم عمليات المقاومة وهجماتها. وكلا الأمرين يتعارض بجلاء مع ما تطمح إليه الإدارة الأمريكية. \r\n أما إذا كانت الإدارة الأمريكية والشعب الأمريكي على استعداد للتسامح مع مكاسب المقاومة، رغم أن الأمر لا يبدو مقنعاً، فإن المحصلة قد لا تكون منفّرة بالشكل المتوقع. فعندما تستولي المقاومة على المدن السنية، سيكتسب السنة العرب قوة إضافية تمكنهم من إرغام الشيعة العرب والأكراد على مشاركتهم السلطة، ومن ثم يزداد الشعور بالارتياح بين أوساط السنة في عراق ما بعد صدام. وفي النهاية، فإن من المرجح أن يؤدي هذا التغيير في ميزان القوة داخل العراق إلى استقرار ذاتي. وبمجرد أن يتم التوصل إلى نظام مستقر، يُرجح أن تقول المقاومة للمقاتلين الأجانب أنها لم تعد بحاجة إليهم، وأن وجودهم لم يعد مرغوبا فيه. \r\n \r\n