واعتمادا على الخصوصية المميزة للانتخابات التي لا مثيل لها مثل غياب المناظرات الانتخابية والمناقشات، وعدم معرفة اسماء المرشحين حتى اللحظة الاخيرة فإن تشكيلة الهيئة التشريعية العليا قد انتقيت مسبقا، بغض النظر عما ستكون عليه نتائج الانتخابات. لكن وباعتبار الوضع الصعب في البلاد، وبشكل أساسي واقع مشاركة قسم كبير من الناخبين فيها وتربو حسب المعطيات الرسمية نسبتهم على 60 في المائة فيمكن تقييم الانتخابات، التي جرت بأنها ظاهرة ايجابية عموما. \r\n ولكن ماذا بعد ذلك؟ \r\n تبقى قضية مشاركة القسم السني من سكان العراق معلقة. وعلاوة على ذلك، وكما تشير كافة الدلائل، فإن الانتخابات يمكن ان تؤدى الى احتدام هذه القضية المؤلمة، بالنسبة إلى العراقيين بقدر أكبر. فقد شارك في الانتخابات عدد ضئيل من السنة، فيما لم يتسن لسلطات الاحتلال وحكومة اياد علاوي احلال الاستقرار في منطقة «المثلث السني»، كما أن اخماد بؤر المقاومة في الفلوجة وغيرها من المدن بعنف شديد، لا يعني تصفية المقاومة المسلحة لجماعات السنة. \r\n ومن الأمور ذات الدلالة أن رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي، اعترف غداة الاقتراع، بأنه لن يتسنى اجراء الانتخابات في كافة انحاء العراق، قاصدا بذلك «المثلث السني» بالدرجة الأولى. لكن عدم المشاركة، أو على اقل تقدير، ضعف مشاركة القسم السني من السكان في الانتخابات، لا يعتبر نتيجة غياب الأمن في مناطقهم فقط، كما اعتقد السيد رامسفيلد. اذ تسود في أوساط السنة، وجهة نظر مفادها ان دورهم في عراق ما بعد صدام حسين سيتقلص الى أدنى حد. ويمكن ان تثبت نتائج الانتخابات افتراضهم هذا. بينما ان المقصود بالامر ليس أقلية صغيرة، بل نسبة 40 في المائة من سكان العراق. ومعروف ان مصالح الشيعة الذين يشكلون نسبة 60 في المائة من سكان العراق، كانت منتقصة في ايام وجود النظام السابق. واذا لم تجد القيادة الجديدة وسلطات الاحتلال التي تقف وراءها حلا يمكن أن يرضي السنة، فإن البندول سيتأرجح الى الاتجاه الآخر. ولكن الفرق هو ان نسبة 40 في المائة، وليست نسبة 60 في المائة من السكان ستكون في وضع مواطنين من الدرجة الثانية. لكن هل سيغير جوهر المسألة جذريا؟ \r\n ويدل توزيع القوى في العراق بعد العملية العسكرية الامريكية، والمثبت بنتائج على احتمال اقامة دولة شيعية في العراق كأمر واقع في المستقبل. وقد يقول البعض بأن هناك بديلا بشكل اقامة حكم فيدرالي في العراق. وأجد في نفسي جرأة على الاعتراض والقول بأن هذا البديل يوجد نظريا في اغلب الظن وليس عمليا، فمن الصعب ترسيم حدود منطقة الحكم الذاتي للشيعة الذين يقطنون ليس في الجنوب فقط، بل وفي بغداد وغيرها من المدن. والتقسيم على اساس الحكم الذاتي لا يمكن ان يشكل مخرجا من الوضع. ومما يؤسف له ان البديل الاكثر واقعية هو الآخر، أي تقسيم اراضي البلاد، وهو ما لا يريده اي سياسي يهتم بمصالح السلام والاستقرار. \r\n كما ان اقامة دولة شيعية حتى مع بقاء وحدة اراضي العراق، يمكن ان يسفر أيضا عن عواقب سلبية جدا. وسأذكر اثنتين منهما فقط. \r\n اولا: سيقوي ذلك اتجاهات التفكير الانفصالية ليس في اوساط السنة فقط، بل في اوساط الاكراد ايضا. وقد نشر نبأ جاء فيه ان الاكراد جمعوا أكثر من مليوني توقيع على نداء موجه الى هيئة الاممالمتحدة بشأن اقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق. ولا يجوز تجاهل واقع ان اغلبية الاكراد هم من السنة ايضا. \r\n ثانيا ان تشكيل دولة شيعية فعلا في العراق، يمكن ان يمهد الطريق للتخلي عن طابعها العلماني، واكسابها طابعا دينيا بارزا. ويدل على اشياء كثيرة مثال ايران، حيث تحتفظ قم بالقدرة على ادارة البلاد. لكن يجب ألا ننسى ان العراق ليس ايران، التي تعتبر اساسا، بلادا ذات قومية واحدة وعقيدة دينية واحدة. \r\n كما يمكن، بل ويجب النظر الى نتائج الانتخابات في العراق، عبر عدسة مشكلة انسحاب قوات الاحتلال من البلاد. ففي اعقاب الانتخابات دعا عدنان الجنابي وزير الدولة في الحكومة العراقية المؤقتة، الى استبدال القوات الامريكية الموجود بقوات متعددة الجنسيات، وأكد على أن وجود القوات الامريكية في العراق يجذب كالمغناطيس المسلحين والارهابيين الاجانب. وأنا اعتقد بأن الوزير ذكر سببا كبير الاهمية يدعو لطرح قضية انسحاب القوات الامريكية. \r\n وفي اليوم التالي لأدلاء الوزير العراقي بتصريحه، خطب الرئيس بوش في الكونغرس الامريكي. فأعلن ان «وضعا سياسيا جديدا» انبثق في العراق بعد الانتخابات العامة، الأمر الذي يتيح بدء «مرحلة العمل التالية» هناك. وبدا قوله مشوبا بالتفاؤل. لكن، وكما يتبين من اقوال بوش، فإن احدى سمات هذا «الوضع السياسي الجديد» ستكون بقاء القوات الامريكية في البلاد. وقال الرئيس انها لن تغادر العراق إلا بعد ان يتمكن العراقيون من صيانة الامن بأنفسهم في ارضهم. وهذا القول مبرر بحد ذاته. ولكن لماذ لم يذكر بوش ولو بصورة عابرة موضوع الانسحاب، ولو بدون تحديد جدول زمني معين له؟ ويؤكد بوش على انه اذا ما ذكر موعد انسحاب القوات فإن هذا سيمنح فقط «الجرأة الى الارهابيين لاتخاذ القرار بأنهم يستطيعون البقاء هناك لحين خروجنا». لكن القضية، وياللآسف الشديد، تكمن في ان الارهابيين لا يوقفون نشاطهم. انني اعتقد بأن منطق الرئيس بوش، الذي يربط رفض تحديد موعد بقاء القوات الامريكية في العراق، بتقلص نشاط الارهابيين لا يتجاوب مع الواقع الموجود، علما بأنه وبحسب معطيات آخر استطلاعات الرأي العام، فإن نسبة 49 في المائة من الامريكيين يدعون الى سحب القوات الامريكية، بينما تؤيد نسبة 46 في المائة نية بوش في الابقاء على قواته لحين «استقرار الوضع» في العراق، فيما تجاوز عدد القتلي من الجنود والضباط الامريكيين في العراق 1500 شخص. \r\n \r\n * رئيس الوزراء الروسي ووزير الخارجية الاسبق \r\n \r\n (خاص ب«الشرق الأوسط») \r\n