ورغم أن القرارات القاضية بإعداد جدول زمني للانسحاب تلقى تأييدا حتى الآن من حوالي ربع أعضاء الكونجرس فقط، إلا أن غياب تقدم ملموس على صعيد صد المقاومة يضيف إلى المخاوف في الكونغرس من أن آمال الإدارة بخصوص إحداث استقرار في الموقف، ناهيك عن ولادة ديمقراطية موالية للغرب في قلب العالم العربي، قد أصبحت وهما. \r\n \r\n وفي تصريح لجيم كاسون، مدير الاتصالات في إحدى جماعات الضغط التي تُسمّى لجنة الأصدقاء المعنية بالتشريع الوطني، قال: \"في شهر يناير كان هناك فريق من الكونجرس يحاول إسكاتنا عندما قلنا إننا نريد مناقشة تغيير سياسة الولاياتالمتحدة من بنادق أكثر وقوات أكثر إلى الانسحاب، والآن هم يريدون الحديث عن هذا\". \r\n \r\n وبينما لا زالت تصر إدارة الرئيس بوش على أن الحرب الأهلية سيتم تجنبها، وأن المفاوضات الحالية بشأن إعداد دستور جديد بحلول منتصف الشهر القادم لا زالت في طريقها الصحيح، فإن العنف الشديد والمستمر، إضافة إلى قوة وتعقد مسألة رجال المقاومة، الذين يمثل السنة أغلبيتهم، والمقاتلين الأجانب، مسألة لها تأثير واضح هنا. \r\n \r\n وقد تم إيضاح هذا بشكل أكبر في مقالين نشرتهما نيويورك تايمز يوم الأحد، من بينهما مقال عنوانه "تحدي الجهود الأمريكية: حرب العصابات في العراق تغير محور اهتمامها وتشتد"، في حين كان عنوان الآخر "إذا كانت حربا أهلية فهل نعرف هذا؟"، بقلم جون بيرنز، وهو صحفي متألق ومتمرس يعمل في جريدة التايمز، وأمضى فترة طويلة في العراق. \r\n \r\n وقد سرد المقال الأخير اشتداد العنف السني في الفترة الأخيرة ضد المجتمع الشيعي، وهو ما أثار الزعيم الديني الشيعي الصبور آية الله علي السيستاني –والذي نزلت واشنطن بشكل متزايد على حكمه في إدارة الفترة السياسية الانتقالية– ليطالب الحكومة التي تقودها الشيعة إلى "الدفاع عن البلد ضد الإبادة الشاملة". \r\n \r\n وكتب بيرنز يقول: \"منذ اللحظة التي قامت فيها الولاياتالمتحدة بعبور الحدود منذ 28 شهرا فإن الشبح الذي يحلق فوق المشروع الأمريكي هنا صار هو أن العراق، الذي تحرر من استبداد صدام حسين، ربما يبدو في غاية التمزق... وربما ينحدر بطريقة لا يمكن إيقافها تجاه الحرب الأهلية\". \r\n \r\n وبحسب بيرنز فإن \"الأحداث تشير الآن أكثر من أي وقت مضى إلى احتمالية تحقق الكابوس\"، وقد أشار بيرنز إلى أن الميليشيات الشيعية ووحدات الجيش والشرطة التي يقودها الشيعة والأكراد اتخذت بنفسها إجراءات شرسة مضادة، من بينها الاختطاف، والتعذيب، وإعدام من يُشتبه في انتمائه للمقاومة السنية، وإعدام المتعاطفين معهم والمدافعين عنهم. \r\n \r\n أما المقال الثاني، والذي كتبه اثنان من مراسلي التايمز الآخرين، فقد نقل عن اثنين من كبار ضباط الجيش، دون ذكر أسمائهما، والذين ذكرا من جديد شيئين من أكثر الأشياء إحباطا والتي نسمعها منذ يوليو 2003، وهما: أن التمرد يبدو أنه "يصبح أكثر عنفا وأكثر مرونة وأكثر تعقيدا من ذي قبل"، وأن مواصلة الحرب حتى النهاية يبدو مثل تهييج المزيد من المشاكل. \r\n \r\n فقد صرح "أحد كبار ضباط المخابرات الأمريكيين" لجريدة التايمز قائلا: \"إننا نقوم باعتقال الكثير من المتمردين أو قتلهم، لكن هناك من يحل محلهم بأسرع مما يمكن أن نتصور عملياتهم؛ فهناك دائما متمردون جدد مستعدون للتقدم وتحمل المسئولية\". \r\n \r\n وهذه التقديرات تثير ما أصبح سريعا صناعة منزلية وخاصة من الناحية الديمقراطية للطيف السياسي– وهي صناعة أشعلها جزئيا ما تسرب في أوائل يوليو عن خطة طوارئ بريطانية للانسحاب، والتي دعت إلى تخفيض عدد القوات الأمريكية والبريطانية في العراق بحلول النصف الثاني من عام 2006. \r\n \r\n وقد نشر جون ديوتش، الرئيس الأسبق لوكالة المخابرات المركزية، مقالا في التايمز في 15 يوليو يطالب فيه ب"خطة انسحاب عاجلة" تتزامن مع الانتخابات العراقية المقررة في 15 ديسمبر، والتي ستتضمن جدولا زمنيا لتقليل مدى العمليات الحربية، مع الحفاظ على \"قوة رد فعل إقليمية سريعة\" في الاحتياط، وكذلك برامج المخابرات والتدريب المستمرة. \r\n \r\n وفي نفس الوقت ستقوم الولاياتالمتحدة بحثّ الحكومة العراقية وجيرانها على الإقرار بمصلحتهم المشتركة في التطور السلمي في بغداد دون تدخل خارجي، كما ستقوم الولاياتالمتحدة بإلزام نفسها بتقديم برنامج مساعدة اقتصادية للعراق \"مادامت في مسار السلام\" وللمنطقة الأوسع الذي ستقوم بتشجيع التعاون. \r\n \r\n وقد ظهرت خطة أكثر تفصيلا منذ عدة أيام من خلال مشروع بدائل الدفاع في بوسطن والذي طالب بانسحاب كامل باستثناء الاحتفاظ بقوات مدنية وعسكرية متعددة الجنسيات للمراقبة والتدريب يكون عددها أقل من 10 آلاف (بحيث ينحصر الوجود العسكري إلى 2000 جندي) بحلول سبتمبر 2006. \r\n \r\n تبدأ الخطة –التي سيتم تنفيذها في 1 أغسطس– بإقرار جدول زمني للانسحاب، وتخفيض حدة تصعيد الحرب بشدة في المناطق السنية، وتحويل المصادر الأمريكية إلى مهمتها التدريبية، ونقل السيطرة العسكرية الأجنبية على المناطق إلى مسئولين منتخبين \"دون تدخل السلطات الفيدرالية أو سلطات التحالف\". \r\n \r\n وبحسب التقرير الذي أعده كارل كونيتا، المحلل المتخصص في شئون الدفاع، فإن \"المفتاح إلى تمكين القوات الأمريكية من انسحاب كامل من العراق في خلال 400 يوما يكمن في تحقيق انسجام سياسي بين قادة السنة على جميع المستويات ومع جيران العراق، وبخاصة سوريا وإيران. والهدف القريب سيكون هو التقليل الفوري للصراع داخل العراق من خلال تقليص التأييد النشط والسلبي للتمرد، في داخل البلد وخارجه\". \r\n \r\n ومثل الكاتبين الآخرين فإن هيلينا كوبان، المحللة الخبيرة في شئون الشرق الأوسط، تعتقد أيضا أن الوجود الأمريكي المستمر في العراق سيكون مسببا للمشاكل على صعيد المصالح الأمريكية طويلة المدى، كما أنه سيكون أكثر فاعلية في إثارة التمرد. لكن هيلينا كوبان تذهب إلى أبعد مما ذهب إليه الكاتبان الآخران، داعية إلى إستراتيجية انسحاب \"شاملة وسريعة وكريمة مع الشعب العراقي\". \r\n \r\n ونموذجها في هذا هو الخروج الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام 2000، مع ملاحظة أنه رغم المخاوف العميقة من أن هذا الانسحاب كان يمكن أن يفجر \"الفوضى والانتقام (في لبنان)، إلا أن شيئا من هذا لم يحدث\". \r\n \r\n كما أن إعلانا سابقا بخصوص \"انسحاب كامل ووشيك\" يمكن أن يفيد في \"جعل عقول العراقيين تركز بشكل كبير\" على إعادة الإعمار بشكل خاص إذا كانت الولاياتالمتحدة والدول الأخرى كريمة بما يكفي، كما أن هذا الانسحاب \"سيجعلهم أقل احتفاء بالمتمردين، وبخاصة هؤلاء الذين يستمدون قوتهم الدافعة من الاحتمال الخاص بوجود احتلال أجنبي ممتد\". \r\n \r\n ويتناول كل الكتّاب المسألة بالافتراض التقليدي أن الوجود العسكري الأمريكي هو عامل استقرار، وبدونه سيكون انحدار العراق إلى الحرب الأهلية أمرا أكثر تأكيدا أو دموية. \r\n \r\n وهم يحتجون أيضا بأن الحجة التي تقدمها الإدارة التي تقول إن هناك اعتبارات أخرى تفوق \"المصداقية\" العالمية لواشنطن، ومن بين هذه الاعتبارات الضرر الذي يسببه الوجود العسكري الأمريكي المستمر للمصالح الأمريكية في العالم العربي والإسلامي بوجه أعم، وانخفاض القدرة الأمريكية على التعامل مع التحديات الأمنية المهمة الأخرى بينما لا تزال متورطة في العراق. \r\n \r\n وكما لاحظ ديوتش فإن الاستثمار المستمر في مسألة خاسرة يمكن أن ينتج عنه \"خسارة أسوأ للمصداقية على الطريق\".