\r\n مررت العام الماضي بوجود مزدوج, قسمت فيه وقتي بين انشاء تقارير عن المهمات العسكرية, في العراق, وبين متابعة الحملة الانتخابية وحواراتها داخل الولاياتالمتحدة. فمضيت الى بعقوبة شمالا مع فرقة \"سترايكر\", التي طهّرت المدينة من رجال المقاومة, واقمت مع كتيبة فرسان, التي وجدت قضية مشتركة مع الشيوخ السنة في \"حور رجب\", ومن ايوا الى واشنطن, تحدثت الى المرشحين المتقدمين الذين رغبوا في اجراء مقابلة معهم, عن الحرب, (وكانوا اربعة حتى الان), وتابعت الاتصال مع الذين لم يرغبوا في ذلك. \r\n \r\n كانت تلك المحادثات عبارة عن عوالم متوازية, وغالبا ما كان النقاش عن الاعباء المقبلة, وعن الخيارات المحتملة للتقهقر, مختلفا الى حد ان الجنرالات والسياسيين بدوا وكأنهم لا يتحدثون عن الحرب ذاتها. وبالكاد كان الضباط الامريكيون الذين التقيتهم, من الرأي ذاته فيما يتعلق بكيفية مواصلة العمل في العراق, بل كانوا ينصاعون مع القرارات الخاصة بكيفية محاولة تحقيق الاستقرار في بلد مكلوم, وبمشاعر عنيدة نابعة من انه بالرغم من المكاسب الهامة التي تم تحقيقها, الا ان عملا شاقا وطويلا لا يزال بالانتظار, وهو افتراض اساس غاب عن سكة الحملة الانتخابية باستمرار. \r\n \r\n ومن الناحية الاخرى, بدا على السياسيين نية اكبر لمخاطبة مسألة نفاد الصبر لدى الجمهور العام من التزام لا نهاية له في العراق, سواء كان ذلك بالوعد باجراء انسحاب فوري (وهو ما يقول به الديمقراطيون), ام بالايحاء بان النصر ربما اصبح قريبا (كما يرى الجمهوريون). وقد وضع انطوني كودسمان, الخبير في الشؤون العسكرية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية, المسألة على النحو التالي: \"علينا تصنيف جميع المرشحين في مرتبتي \"دال ناقص\" او ه زائد\". فالجمهوريون يتحدثون عن الموضوع كما لو اننا حققنا النصر, وكما لو ان العراق مركز الحرب على الارهاب, بدلا من الحديث عن افغانستان والباكستان ومجموعة كبيرة من الحركات في 50 بلدا آخر. والديمقراطيون يتحدثون عنه وكأن المشكلة الوحيدة تتمثل في الانسحاب, وان الخلاف يكمن في اية سرعة سيتم تنفيذه\". \r\n \r\n وعلى ارض الواقع مع القوات, فمن الواضح ان التغيير العسكري الرئيس قد جرى في الحقيقة, في العراق, العام الفائت, ليس باضافة 30.000 جندي, بل بالانتقال الى استراتيجية التصدي للمقاومة بهذه القوات. وقد جعلت هذه الاستراتيجية حماية السكان العراقيين هدفا اساسا, في محاولة لدق اسفين بين الشعب والرجال المسلحين, ولتشجيع العراقيين على تقديم معلومات تحتاجها القوات العسكرية الامريكية لملاحقة عدو وهمي. \r\n \r\n غير ان التصدي للمقاومة اقتراح طويل الامد تقليديا, وادى هذا الافتراض بقسم كبير من العسكريين الى التفكير بالمستقبل, حتى وان اشعل فتيل الحوار محليا. وفي هذا الخصوص, قال اندرو كريبينيفيتش, خبير الشؤون العسكرية بمركز التقويمات الاستراتيجية والموازنات, \"ما لم تقمع المقاومة بالطريقة التي قام بها الرومان - اي خلق صحراء وتسميتها سلام - فان العملية ستستغرق القسم الاكبر من عقد من الزمان او اكثر\". ويضيف قائلا, بان \"التناقض يتمثل في ان التصدي للمقاومة يتطلب اقناع العراقيين بقوتنا القائمة. كما ان الامريكيين ينظرون الى النجاح في اطار السرعة التي نستطيع بها سحب القوات\". \r\n \r\n يخطط الجيش الامريكي لسحب 15 لواء بحلول منتصف شهر تموز المقبل, وهو اجمالي عدد القوات السابق لقوات الانتشار الاضافية. ولم يصدر اي قرار بشأن تخفيضات اخرى في القوات. لكن الضباط الامريكيين يتنبأون باستمرار الحاجة الى قوات قتالية امريكية, وبصورة عامة يتوقعون تحويلا تدريجيا اكبر للمسؤوليات الى القوات العراقية اكثر مما يتوقع السياسيون - ويقولون ان هذا انعكاسا لحذر املته سنوات من التجربة المتعقلة. فقال ضابط امريكي كبير في العراق, \"ان الامر يتعلق بتقليص المخاطرة وعدم تكرار اخطاء الماضي\". \r\n \r\n ويوحي السياسيون ان بامكانهم تحقيق نتائج اسرع. غير ان المرشحين الذين هاجموا الرئيس بوش على فشله في طرح الاسئلة القاسية حول ما يمكن ان يحدث بعد الاطاحة بصدام حسين, لا يعالجون في الغالب القضايا الصعبة التي قد تبرز بعد انسحاب القوات الامريكية. \r\n \r\n لقد ايدت السيناتور هيلاري كلينتون التقليص السريع في عدد القوات, مع اعادة تدريب القوات المتبقية لمقارعة الارهابيين, وحماية الاكراد, وردع العدوان الايراني, وربما لدعم الجيش العراقي. لكنه من الصاعق ان هذه المهمات لا تشمل المهمة الاساس الخاصة بنظرية التصدي للمقاومة, والمتمثلة بحماية المدنيين العراقيين من العنف الطائفي, التي ترى انها توريط القوات الامريكية في حرب اهلية. \r\n \r\n وفي مقابلة مع هيلاري كلينتون لتوضيح وجهة نظرها, قالت في شهر اذار المنصرم في مكتبها بمجلس الشيوخ, \"لن نزج بانفسنا بين مختلف الفصائل الشيعية والسنية. فهذه مشكلة عراقية, وليس بمقدورنا حماية العراقيين من انفسهم\". لكن هذا التوضيح يثير التساؤل عما اذا كانت القوات الامريكية تستطيع حقا البقاء ضمن اطار الامن في قواعدها, اذا كان الالاف من المدنيين العراقيين يقتلون خارج بوابات هذه القواعد. ولعله لن يمضي وقت طويل قبل ان تطرح وسائل الاعلام, وربما القوات ذاتها, السؤال حول فيما اذا كانت الدولة التي انتزعت غطاء \"صندوق باندورا\", تتحمل مسؤولية حماية الناس العزل. \r\n \r\n وتعهد السيناتور باراك اوباما بسحب القوات القتالية, لكن ربما من دون سحب وحدات محاربة الارهاب, او المدربين, خلال ستة عشر شهرا من توليه الرئاسة. واذ تنّبه اوباما الى مدى المخاطرة التي ينطوي عليها مثل هذا الانسحاب بالجملة, وما قد يؤدي الى تصعيد في عمليات القتل الطائفية, فقد ادرك ذلك بالقول انه سيكون مستعدا لاعادة قوات امريكية الى العراق كجزء من قوات دولية لوقف هجمات الابادة الطائفية. (غير ان هذا السيناريو بعيد التحقيق; ففي كانون الثاني ,2007 صدر تقرير \"التقويم الاستخباراتي القومي\", عن اجهزة المخابرات الامريكية, حول الوضع في العراق, محذرا من احتمال ان يقود انسحاب سريع للقوات الامريكية جميعها \"الى اصابات كبيرة بين المدنيين, والى تشريد قسري لهم\"). \r\n \r\n وقال اوباما في مقابلة اجريت معه في مكتبه بشيكاغو, في شهر تشرين الثاني, انه \"لامر يدركه الفهم, ان تأتي مرحلة تسقط فيها الاوضاع الى مستوى من التشويه والتعطيل يهز الضمير, ثم نقول لانفسنا, \"هذا ليس امرا مقبولا\". ولا ادري, في الحقيقة, ان كان هذا يعتبر مشكلة, ولكنني اقر بانه لا يمكن التكهن بما قد يحدث\". غير ان عودة القوات الامريكية المقاتلة الى العراق, في خضم حرب اهلية مستعرة, ربما تكون اصعب كثيرا, واكثر خطورة عليهم من العمليات التي يقومون بها حاليا. وفي هذا الشأن, قال مايكل اوهانلون, خبير الشؤون العسكرية في معهد بروكينغز, \"وانت ماض في الطرق, ستكون معرضا لمواجهة عبوات ناسفة, بسب عدم مراقبة الشوارع خلال الاشهر القليلة الماضية, وبالتالي عدم التأكد من عدم زرعها بالالغام. كما انك ستمر في كمائن لانه لا يتوافر لديك مخبرون محليون ابدا يتعاملون معك, وذلك لانهم سيكونون اول المستهدفين في الاسابيع الاولى من اندلاع اعمال الابادة\". \r\n \r\n وقال جون ادواردز انه سيسحب جميع القوات الامريكية من العراق في ظرف عشرة اشهر من توليه الرئاسة, باستثناء قوة صغيرة تبقى لحماية السفارة الامريكية, وربما العاملين في برامج الاغاثة الانسانية. لكنه اكد كذلك على انه سيبقي على قوة مكافحة الارهاب في الكويت, او الاردن, المجاورتين. فمقدور هذه القوة الانقضاض بسرعة, والعمل ضد المسلحين داخل العراق. \r\n \r\n لكن هذا الموقف يثير موضوعا فيما اذا كانت مثل هذه القوة قادرة على الرد في الوقت المناسب على تهديدات ارهابية من هذه المسافة, ومن دون حيازة لذاك النوع من المعلومات التي تم تقميشها عبر وسائل تعاون منتظمة مع مدنيين عراقيين. \r\n \r\n ومن المحاججات التي ساقها السيناتور ادواردز, وغيره من مرشحي الحزب الديمقراطي, ان سحب القوات القتالية الامريكية من شأنه ان يجبر الزعماء السياسيين في العراق, على اتخاذ القرارات الصعبة المتعلقة بالمصالحة السياسية, الامر الذي سيتجنبونه اذا ما استمر الجيش الامريكي في دعمهم ومساندتهم. لكن لو علم العراقيون بان القوات الامريكية في طريقها الى الرحيل, بغض النظر عما تقوم به من اعمال ومهمات, فهل سيكونون اكثر تجاوبا من حيث تجاوز خلافاتهم, ام من حيث الاستعداد لسفك الدماء الطائفي الذي قد يلي ذلك الرحيل? \r\n \r\n اما المرشحون المتقدمون في الحزب الجمهوري, فلا يتكلمون عن الانسحاب السريع للقوات, لكنهم في الوقت ذات لا يقدمون تفاصيل عن الكيفية التي سيحرزون بها انتصارات تكتيكية بغاية تحقيق \"الامن الجوهري\" الذي يشكل الهدف المعلن عنه للخطة العسكرية. \r\n \r\n فقد اعلن السيناتور جون ماك كين, الذي سبق له وصرّح بان الولاياتالمتحدة ينقصها العدد الكافي من القوات - وذلك قبل ارسال الرئيس بوش لثلاثين الفا من التعزيزات بوقت طويل - اعلن ان \"الانتشار\" العسكري الاضافي عمل موفق, في حين اعترف بان التقدم العراقي سياسيا, وهو ما كان مقصودا حفزه, بطيء. \r\n \r\n ومن بين الاسئلة الباقية من دون اجابة في العراق, سؤال حول فيما اذا كانت الولاياتالمتحدة قادرة على اقناع الحكومة العراقية تحقيق تقدم في اجندتها السياسية, وسؤال عن البديل الذي سيتّبع ان تبين ان الجهود العراقية اخفقت في موضوع التوافق السياسي. \r\n \r\n وعند النظر الى الاحتمال الثاني, يقول بعض المحللين, مثل ستيفان بيدل, الخبير في الشؤون العسكرية بمجلس الشؤون الخارجية, انهم يعتقدون بان الامن تمكن المحافظة عليه جدلا, بوضع الترتيبات للمتطوعين من السنة لحماية مناطق سكناهم, بينما تحدد للقوات الامريكية وغيرها من القوات الاجنبية مهمة الاشراف على وقف النار على الطريقة البوسنية. لكن مثل هذه الاقتراحات تجري مناقشتها على مستوى الخبراء اكثر منها على مستوى مرشحي الرئاسة. \r\n \r\n وناقش رودولف جيولياني وميت رومني ومايك هوكابي موضوع العراق بتفاصيل اقل من ماك كين. فلخص جيولياني, في ظهور له في نيوهامبشر في شهر تشرين الثاني, بكلمة واحدة هي \"النصر\". غير ان النصر مفهوم غير ذي صلة تقريبا في صراع ينطوي على التزام ببناء دولة, وذي علاقة مشتركة اكبر بجهود قمع الاقتتال العرقي في البلقان, منه بالمعارك الحاسمة للحرب العالمية الثانية. \r\n \r\n لقد لُقّن الجنرالات والدبلوماسيون بعدم التدخل في السياسات الامريكية. ولغاية الان, ليس في ايديهم ما يحاولون به ابتداع طريقة لتقليص انتشار القوات الامريكية, ونقل المزيد من العبء الى العراقيين من دون فقدان المكاسب المتحققة بجهد كبير وصعب. وفي هذا الخصوص, قال احد المسؤولين المدنيين الامريكيين انهم يأملون في تحقيق نجاح سياسي وعسكري هذا العام, كي يتوافر للرئيس الامريكي المقبل الوقت اللازم لاعادة تقويم التطورات في العراق, وربما لاختيار مسلك تصحيحي بدلا من اجراء تغيير شامل. \r\n \r\n في الوقت ذاته, يبدو على بعض كبار الضباط الاندهاش الكامل من الحوار الدائر داخل الولاياتالمتحدة. فقال احد الضباط الامريكيين في هذا الصدد, \"ان الامر الوحيد المربك هو انني لم اسمع من اي مرشح للرئاسة يصف فيه اهدافه القريبة والبعيدة بالنسبة للعراق, وكيف تصلح وتتماشى مع اهدافهم الاقليمية بالنسبة للشرق الاوسط والارهاب العابر للقارات. فهل يتمثل هدفهم في سحب القوات باسرع وقت وحسب\". \r\n \r\n