هذا الشيء يناسب المؤسسة العسكرية الباكستانية التي كانت تعارض التحرك الديمقراطي لبوتو وان كانت جذور الجفوة بين الطرفين تعود إلى ايام اعدام تلك المؤسسة لوالدها. الامر ايضاً يمكن ان يطال جهاز الاستخبارات الباكستانية الذي رعى غلاة طالبان وامدهم بالسلاح والمال اضافة إلى مشرف نفسه الذي ادت عودة بوتو إلى ضعضعة وضعه الداخلي. \r\n \r\n سبب الموت غير واضح حتى الآن ويشوبه الغموض حيث يقول البعض ان الرصاص اطلق على بوتو اولاً ثم تبعه التفجير وهو شيء معروف في عالم الاستخبارات باسم «اطلق النار ودمر» وتسمية القوات الخاصة البريطانية «بالضربة المزدوجة» هناك شكوك قوية بانه جرى تنظيف مسرح الجريمة من اي ادلة يمكن ان تساعد المحققين. \r\n \r\n طالبت السيناتور هيلاري كلينتون باجراء تحقيق دولي، اذ كيف يجوز لمشرف الذي حل المحكمة العليا في نوفمبر ان يشرف على اجراء تحقيق ذى مصداقية؟ \r\n \r\n ان التحقيق الدولي يحب ان يصاحبه وبصورة متوازية تحقيق آخر يقوم به الكونغرس الاميركي يركز على السياسة الاميركية تجاه باكتسان وكيف ساهمت هذه السياسة في جعل باكستان اكثر خطورة من أي وقت مضى. علينا ان نتمعن في القضية ككل ونحاول ان نتفهم الموضوع: أولاً: لقد فشلت الولاياتالمتحدة من خلال دفاعها عن مشرف في تأمين حماية لبوتو كانت هي نفسها تطالب بها. لقد زار زوجها الولاياتالمتحدة قبل وقت قصير من اغتيالها وتوسل من اجل توفير الحماية لها، ولكن الخارجية الاميركية لم تهتم كثيراً بالموضوع. \r\n \r\n في المقابل نجد ان ادارة بوش فشلت في ممارسة ضغوط مشرف لقبول مطالب اسرة بوتو باشراك اف.بي.آي في التحقيقات التي كانت تجرى والمتعلقة بمحاولة الاغتيال التي جرت في 18 اكتوبر. بوش يدرك جيداً مدى خوف الجنرال ومن حوله من امكانية امتلاك بوتو للسلطة من جديد. \r\n \r\n ثانياً: حولت «القاعدة» جزءاً من اهتمامها بافغانستان إلى باكستان. يقول جوليان ليندلي، المحلل العسكري الفرنسي ان القاعدة بدأت تفقد اهتمامها بافغانستان كمركز اقليمي للثقل وهي تركز الآن على باكستان. \r\n \r\n ثالثا: ان السياسة المتناقضة لمشرف ألحقت الضرر بمصالح الولاياتالمتحدة. لقد حافظ مشرف على الرؤوس النووية ولكنه لم يعمل على كسر الارتباطات التي تجمع ما بين المؤسسة العسكرية واجهزة الاستخبارات مع طالبان. ان النزاع المشتعل على الحدود ابقى الدماء الاميركية تسيل والمال الاميركي يستنزف. \r\n \r\n ان على مشرف ان ينهي هذه اللعبة المزدوجة فوراً. \r\n \r\n رابعاً: ان سنوات من النمو الاقتصادي وسعت من الطبقة الوسطى وهي طبقة بدأت تتطلع وتسعى إلى الديمقراطية وحكم القانون. \r\n \r\n ليس بوسع مشرف ان يقدم اي شيء لباكستان دون تنظيم انتخابات نزيهة ان المصداقية تتطلب وجود مراقبين دوليين والسماح لكافة الاحزاب الكبرى بالمشاركة واجراء الانتخابات في اقرب وقت ممكن. \r\n \r\n وهناك احتمال وارد بأن يصوت الشعب الباكتساني وباعداد كبيرة لحزب الشعب. \r\n \r\n خامساً: على الولاياتالمتحدة ان تعيد توجيه سياساتها نحو الديمقراطية. لقد رأت ادارة بوش ان المؤسسة العسكرية تشكل جداراًعالياً امام التطرف وهذا ثبت فشله المرة تلو الاخرى. \r\n \r\n سادساً: ان غياب أي تواصل مع ايران يدفع الولاياتالمتحدة للاعتماد بشكل اكبر على باكستان. \r\n \r\n ان اغتيال بوتو يعد خسارة كبرى يمكن مقارنتها بخسارة رابين. ان اسرة بوتو تعيش اوضاعاً مأساوية مشابهة للاوضاع التي عاشتها اسرة كيندي في الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n الديمقراطية وحدها هي القادرة على الانتقام لبوتو والقادرة ايضاً على تصحيح الاخطاء الاميركية التي ادت إلى خلق كل هذه الاوضاع الفوضوية. \r\n \r\n كانت بوتو زعيمة قوية وشجاعة في نفس الوقت، وليس بوسع احد ان ينكر ذلك حتى اشد خصومها عداء لها. عودتها إلى باكستان قبل شهرين اثارت الامال بامكانية ان تتحرك بلادها باتجاه الديمقراطية والاستقرار. \r\n \r\n ان مقتل بوتو لهو مذكر لنا بالاوضاع القلقة التي تعيشها باكستان وببدء انزلاقها ثانية مقتربة اكثر فاكثر من حافة الجحيم. موت بوتو يترك ادارة بوش دون استراتيجية ذات جدوى قادرة على انتشال باكستان من ازمتها او الحاق الهزيمة بطالبان التي نجحت في جعل باكستان الحديقة الخلفية لها في حربها التي تشنها في افغانستان. \r\n \r\n ان الاعتماد على الجنرال مشرف في حماية المصالح القومية للولايات المتحدة والمحافضة على ترسانة باكستان النووية سياسة لن يكتب لها النجاح. \r\n \r\n سبق للادارة الاميركية ان عملت على اقامة تحالف غير معلن بين الدكتاتور وبوتو، ومثل هذا الخيار لم يعد مطروحاً مع رحيل بوتو مما يترك الولاياتالمتحدة امام خيار وحيد لا ثاني له وهو العمل على تقوية المؤسسات الباكستانية وجعلها تعمل وفقاً للاصول الديمقراطية. \r\n \r\n لم يعد هناك الكثير من الوقت الذي يمكن اضاعته. \r\n \r\n فمع الانتخابات البرلمانية يتوجب على واشنطن ان تبذل كل جهد ممكن لضمان انتخابات حرة ونزيهة. من الضروري اعطاء حزب بوتو برهة وجيزة من الوقت لاختيار مرشح جديد لرئاسة الوزراء. كما يتوجب على واشنطن ان تصر على ضرورة مشاركة زعيم المعارضة الرئيس نواز شريف في هذه الانتخابات، وعلى ضرورة اعادة القضاة في المحكمة العليا الذين انهى مشرف خدماتهم ليتمكن من التلاعب بالانتخابات كيف يشاء دون وجود أي جهة يمكن ان تشير إليه باصبع الاتهام. \r\n \r\n مشرف زعيم حرون وعلى واشنطن والجنرالات الموالين له توعيته بدقة وحساسية بالاوضاع الراهنة في بلادهم وما حولها. لقد آمنت بي نظير بوتو ووالدها بالديمقراطية ولكنهما لم يكونا زعيمين كاملي الاوصاف حيث لم يحترما كثيراً حقوق الانسان ناهيك عما يقال عن تورط بي نظير بالفساد. \r\n \r\n تمت الاطاحة بوالدها في انقلاب عسكري حيث حوكم وشنق لاحقاً وانتخبت بي نظير مرتين لرئاسة الحكومة واطيح بها مرتين ولكن هناك شيئا واحدا جمع بينهما وهو الشرعية الانتخابية. تلك الشرعية التي سعى الجنرالات لتعطيلها. \r\n \r\n ان على واشنطن ان تفكر بما هو ابعد من مجرد تقوية مشرف ونظامه، وعليها ايضاً ان تعيد التفكير في سياسة المساعدات التي تنتهجها مع باكستان. فلقد قدمت مليارات الدولارات كمساعدات ذهب معظمها للجيش الباكستاني. ومن المفترض ان الهدف من ذلك هو تمويل الحرب ضد القاعدة وطالبان. واشنطن قدمت المال ولكنها لم تتابع عمليات انفاقه حيث انفقت مبالغ ضخمة منه على مشاريع بناء انظمة تسليحية جديدة من اجل مواجهة حليفة اميركا الجديدة الهند. في هذه الاثناء استمرت القاعدة وطالبان في تحقيق المزيد من الانجازات واظهار المزيد من المهارات القتالية والتنظيمية. \r\n \r\n ليس بوسع اميركا الاستمرار في تجاهل الاوضاع المقلقة في باكستان. فدرس السنوات الست الماضية بليغ وعلينا ان نستوعبه جيداً وهو ان الاعتماد على القادة الاستبداديين وجعلهم حلفاء لنا لا يمكن ان يضمن لنا الامن. \r\n \r\n السياسة الاميركية يجب ان تركز على بناء ديمقراطية قوية في باكستان تلقى الدعم والقبول بالدرجة الاولى من قبل الشعب نفسه، وهي الوسيلة الامثل للوقوف في وجه القاعدة وطالبان. \r\n \r\n ان الزمن الذي كانت فيه واشنطن ترهن فيه مصالحها على وجود فرد أو فردين في السلطة في بلد ما قد ولى ويجب ان نعي ذلك جيداً.