\r\n لاسيما في ظل المحاولات السابقة التي فشلت في إنهاء الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي وجلب السلام إلى المنطقة، لكن المؤتمر شكل مع ذلك فرصة أخرى لقادة دول المنطقة للجلوس إلى طاولة واحدة ومد الأيدي لبعضهم بعضاً بدلاً من التنابذ والتنافر الذي طغى على المشهد الإقليمي في الشرق الأوسط لفترة طويلة. ولا ننسى أيضاً أن عملية التفاوض انقطعت منذ سبع سنوات بعد تعثر «اتفاق أوسلو»، وهي تعود اليوم لتبدأ من جديد، ولذا يكون من الأجدى منحها فرصة جديدة ومدها بجميع سبل النجاح. وقد أتى لقاء «أنابوليس» أصلاً بعد سلسلة من المواجهات العنيفة التي أزهقت الكثير من الأرواح، كما أتى بعد المبادرات الأحادية الواهمة التي كانت تعتقد أنها قادرة لوحدها على تسوية النزاع المستفحل، ومازلنا نذكر في هذا السياق التفاؤل الزائف الذي ساد الأوساط الإسرائيلية بعد الانسحاب الأحادي من قطاع غزة ليتبين لاحقاً مدى تهافته. فلأول مرة يجتمع قادة إسرائيليون وفلسطينيون وعرب في مؤتمر واحد؛ ومع أن مؤتمر مدريد عام 1991 شهد مشاركة الدول العربية وإسرائيل، إلا أن الفلسطينيين شاركوا فقط كجزء من الوفد الأردني ولم يمثلوا أنفسهم. كما أنه منذ «اتفاق أوسلو» لم تجمع طاولة المفاوضات سوى الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني في ظل غياب للأطراف العربية الأخرى. ومع ذلك يتعين ألا يجرفنا التفاؤل المفرط إلى أرض الأحلام والانتظارات الكبيرة، لاسيما وأن القادة الثلاثة الذين يقع على عاتقهم العبء الأكبر وهم «جورج بوش» ومحمود عباس و«إيهود أولمرت» يعانون جميعاً من ضعف سياسي على الساحة الداخلية يُصعب من مهامهم. لكن أوجه الضعف تختلف من قائد إلى آخر، ومعها تختلف التداعيات المحتملة على عملية التفاوض المقبلة. فإذا استطاع الرئيس بوش إحراز نجاح ما في مسار التفاوض فإنه يكون قد خفف من ثقل تركته السلبية في السياسة الخارجية، حيث يعتبر بوش أسوأ رئيس أميركي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. والأكثر من ذلك إذا ما نجح بوش في التوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل فإنه سيتفوق على الرؤساء السابقين الأكثر وجاهة ودراية بالشؤون الخارجية. فهل سيتحلى بوش بالشجاعة والرؤية السليمة لوضع أسس تسوية عادلة بين الطرفين تجمع حولها الفلسطينيين والإسرائيليين وتضع حداً للصراع؟ لا شك أننا نتمنى ذلك جميعاً، لكنه مازال غير مؤكد ولم يتبلور في شكل خطوات ملموسة على أرض الواقع. فمن جهته يحتاج الرئيس محمود عباس الى العمل على الصعيد الدولي كي يكرس شرعيته على الساحة الداخلية ويقدم البدائل الممكنة لشعبه بعيداً عن مزايدات «حماس» وغيرها من الحركات الإسلامية المتشددة. وليس باستطاعة محمود عباس تعزيز موقعه في المشهد السياسي الفلسطيني ومواجهة «حماس» سياسياً، إلا إذا أثبت للشعب الفلسطيني أهمية مسار التفاوض الذي تنتقده «حماس»، وبأنه قادر على تحسين حياة الفلسطينيين ومنح أفق سياسي مقبول على المدى المنظور يحقق لهم تطلعاتهم القومية. ولعل من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى صعود «حماس» على الساحة السياسية، تدهور ظروف حياة الفلسطينيين منذ «اتفاق أوسلو» عام 1993، هذا التدهور الذي طال جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأيضاً مسّ مجال الحريات. لكن المفارقة هي ما يتعلق برئيس الوزراء الإسرائيلي «إيهود أولمرت» الذي يشكل أي نجاح في مسار السلام على الصعيد الدولي إضعافاً لوضعه الداخلي وتقويضاً لرصيده السياسي في المشهد الإسرائيلي. فالقوى اليمينية والمتطرفة منها خصوصاً تهدد بإسقاط الحكومة والدفع إلى انفراط عقدها إذا ما قدم «أولمرت» تنازلات إلى الجانب الفلسطيني قد تساعد على التوصل إلى اتفاق سلام. والواقع أنه لا يمكن تخيل اتفاق نهائي بين الفلسطينيين وإسرائيل من دون إقدام الطرف القوي الذي يحتل الأراضي، والمتمثل في «إيهود أولمرت»، على تقديم تنازلات ضرورية تدفع بالمفاوضات إلى الأمام بدلاً من أن تستمر إلى ما لا نهاية. إذ من المعروف أنه طالما بقيت المفاوضات تدور في حلقة مفرغة من دون تحقيق أهدافها المرسومة، وتحولت إلى هدف في حد ذاته بدل أن تكون وسيلة وطريقاً يمهد للسلام النهائي، سيظل «أولمرت» على رأس الحكومة ولن يضايقه اليمين المتطرف. لكن ما أن تصل المناقشات إلى القضايا الجوهرية مثل الحدود والقدس والمستوطنات الإسرائيلية واللاجئين الفلسطينيين حتى تبرز المشاكل والصعوبات. وفي حال إصرار إسرائيل على عدم تقديم تنازلات، وهي القوة المحتلة، ورفضت الاعتراف بحقوق الفلسطينيين التي نصت عليها الشرعية الدولية بوضوح ستعرّض المفاوضات مرة أخرى للانتكاس وسيضطر الجميع للعودة مجدداً إلى المربع الأول. ويبقى القاسم المشترك الذي يجمع بين «إيهود أولمرت» ومحمود عباس وباقي الزعماء العرب هو الخوف من صعود الحركات الدينية المتشددة وإقلاقها للساحة السياسية، فضلاً عن تمدد النفوذ الإيراني على الساحة الإقليمية. بيد أن الإسلام الراديكالي يتغذى أساساً على فشل مسلسل السلام وتعثر المفاوضات التي لم تحقق شيئاً للفلسطينيين، ما يولِّد الانطباع بأن ما تبحث عنه إسرائيل هو كسب المزيد من الوقت وتكريس سياسة الأمر الواقع. وفي هذا السياق تتحول المفاوضات إلى مجرد لعبة سمجة الغرض منها توفير غطاء لعملية الاحتلال والاستمرار في بناء المستوطنات داخل الأراضي المحتلة. ولتفادي هذا السيناريو حدد الرئيس بوش نهاية عام 2008 موعداً لإنهاء المفاوضات والتوصل إلى نتيجة واضحة وملموسة. غير أن «بوش» الذي حدد مهلة زمنية لم يضع من جهة أخرى القواعد الأساسية التي سيُبنى عليها الاتفاق، لاسيما في ما يتعلق بالنقاط المحورية العالقة بين الطرفين. والحال أن المطلوب ليس الوفاء بالموعد المحدد، بل التوصل إلى اتفاق عادل. فماذا سيحل بالمفاوضات لو أن إسرائيل امتنعت عن تقديم تنازلات بشأن القدس، أو المستوطنات، أو طالبت باستعادة بعض الأراضي التي احتلتها عام 1967؟ فقد بات واضحاً للجميع أنه لم يعد باستطاعة الفلسطينيين والعرب، الذين قبل معظمهم ليس فقط وجود إسرائيل، بل أيضاً قيام دولة فلسطينية على 22% من أرض فلسطين التاريخية، تقديم تنازلات إضافية، اللهم إلا إذا كانوا يرغبون في تعزيز صفوف «حماس»!. \r\n مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية باريس \r\n \r\n