ففي هذا التصعيد استجابة من الرئيس بوش لتصرفات بعض الفصائل العسكرية التابعة لهذه القوات، أو «فيلق القدس» على وجه التحديد، وخاصة أن واشنطن تتهمه بتدريب ودعم الجماعات المتمردة والمتطرفة في كل من العراق ولبنان وأفغانستان. وفيما يتصل بالعراق بصفة خاصة، فإنه يسهل فهم وتفسير دواعي الغضب الأميركي. فعلى سبيل المثال، صرح الجنرال «رايموند أوديرنو»، نائب القائد العام للقوات الأميركية في العراق، قبل بضعة أسابيع، بأن الميليشيات الشيعية المدعومة من قبل إيران، تتحمل وحدها مسؤولية تنفيذ نسبة 73 في المائة من الهجمات التي استهدفت القوات الأميركية في بغداد، خلال شهر يوليو المنصرم. أما مكتب الخارجية البريطانية فيعتقد من ناحيته أن الميليشيات الشيعية في جنوبي العراق، قد كثفت هجماتها على الجنود البريطانيين المرابطين هناك، والبالغ عددهم 5500 جندي، في مسعى منها لادعاء طردها للقوات البريطانية الأجنبية المحتلة من البلاد. ويزداد الاعتقاد كذلك بأن هذه الميليشيات تعمل بالتعاون الوثيق مع عملاء إيرانيين، يكثر انتشارهم وتواجدهم في محافظة البصرة على وجه الخصوص. وبالقدر نفسه يرجح الكثيرون أن تكون لهؤلاء العملاء صلة وثيقة بسلاح الحرس الثوري الإيراني، وأنهم يعملون بالتنسيق معه. \r\n \r\n كما يجدر بالذكر أن الوحدات البحرية التابعة للحرس الثوري هذا، قد أقدمت على اعتقال ثمانية ملاحين وسبعة جنود تابعين لسلاح البحرية الملكي في مياه الخليج بتاريخ 23 من مارس المنصرم، ومما لاشك فيه أن الحكومة البريطانية لن تغفر لطهران سلوكها العدواني وغير القانوني ذاك. أما في واشنطن، وحسب ما نشرته صحيفة «واشنطن بوست» وغيرها من كبرى الصحف الأميركية، فقد اعتزم الرئيس بوش إضافة اسم الحرس الثوري الإيراني إلى ذات السلة التي يضع فيها تنظيم «القاعدة» و«حزب الله» وحركة «حماس».. إلى آخر قائمة المنظمات الإرهابية. وتكمن الخطورة في هذه الخطوة وما يمكن أن يترتب عليها من تداعيات وتطورات سلبية خطيرة في الأزمة الأميركية- الإيرانية الحالية، في أنه ليس من المألوف ولا الشائع تصنيف منظمة عسكرية حكومية تابعة لدولة مستقلة ذات سيادة، ضمن قائمة المنظمات الإرهابية. وفي الوقت نفسه، فإنه من المعلوم غياب أية علاقات تبادل اقتصادي مباشر بين الولاياتالمتحدة الأميركية وطهران. إلا أن من شأن الخطوة الأميركية هذه أن تؤثر سلباً على رغبة دول أخرى في إنشاء أو تطوير علاقات تبادل تجاري واستثماري مع طهران. \r\n \r\n يجدر بالذكر أن الحرس الثوري الإيراني، البالغ عدد أفراده حوالي 125500 جندي، يعد منظمة استثنائية خاصة، وفيما يبدو أنه يتمتع بقدر كبير من الاستقلال عن السيطرة الحكومية المباشرة، رغم كونه قوة حكومية رسمية. وبسبب تنامي نفوذه العسكري الخاص، فقد تزايدت حدة التنافس بينه ومؤسسة الجيش الإيراني، وكذلك التنافس مع سلاحي البحرية والطيران التابعين له، مما أعطى الحرس الثوري مكانة خاصة ومتميزة مقارنة مع جميع الوحدات والتشكيلات العسكرية الإيرانية الأخرى. وبالنتيجة فقد تمكن الحرس الثوري من تشكيل وحداته الخاصة بحراً وبراً وجواً. ولا تقتصر أنشطته على المجال العسكري وحده، بل اتسعت لتشمل مجالات استثمارية عديدة منها القطاعان الصناعي والتجاري، فضلاً عن قطاعات الصيدلة والطاقة والعقارات، إلى جانب الصناعات الحربية والدفاعية. ولعل هذا هو ما يدفع الولاياتالمتحدة إلى استهداف المصالح التجارية والصناعية للحرس الثوري، التي تقدر واشنطن قيمتها الإجمالية بما يزيد على 500 مليار دولار. \r\n \r\n وكان الحرس الثوري الإيراني قد اكتسب لنفسه سمعة ومكانة خاصين في إيران، إبان الحرب الإيرانية- العراقية التي دامت لثمانية أعوام، وأدى فيها الكثير من كبار القادة في تشكيلاته الخدمة العسكرية خلال الفترة نفسها، بمن فيهم الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد. وفيما يقال فإن «فيلق القدس» الذي ورد ذكره آنفاً، لا يرفع تقاريره إلى الرئيس الإيراني، بل إلى آية الله علي خامنئي، الذي لا تقتصر صفته على كونه المرشد الروحي للجمهورية الإسلامية فحسب، وإنما لكونه القائد الأعلى للقوات المسلحة أيضاً. \r\n \r\n وأخذاً بكل هذه الاعتبارات والحقائق في الاعتبار، فإن الذي يثير دهشتي إزاء رغبة الرئيس بوش في إضافة الحرس الثوري إلى قائمة المنظمات الإرهابية، هو توقيت هذا العزم والرغبة. فكيف يمكن لهذا أن يحدث بعد جولتين من المفاوضات أجرتهما الولاياتالمتحدة مع طهران حول القضايا الأمنية الإقليمية، وفي مقدمتها الوضع الأمني في العراق. ورغم عدم مشاركة بريطانيا العظمى في هذه المفاوضات، إلا أنني علمت من مكتب خارجيتها وجود تنسيق وثيق بينه وبين الخارجية الأميركية بشأن تلك المحادثات السرية الجارية بين واشنطنوطهران. ولنذكر بهذه المناسبة أن تقرير «مجموعة دراسة العراق»، قد أحسن التوصية بضرورة سعي واشنطن إلى بسط الأمن والاستقرار في العراق عن طريق تكثيف التعاون والعمل المشترك مع جيرانه الإقليميين، بما في ذلك إيران وسوريا. \r\n \r\n وفي اعتقادي الشخصي أن تلك المحادثات التي أجريت مع طهران، تعد الأهم والأولى من نوعها، منذ الإعلان عن قطع العلاقات الدبلوماسية بين واشنطنوطهران في عام 1979 على إثر أزمة الرهائن الأميركيين الشهيرة. وعليه، فإنه لمن واجب وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، أن تبذل كل ما تستطيعه في سبيل إقناع طهران بإظهار سلوك أكثر إيجابية في العراق، وأن تكف عن الاعتقاد بأن ذلك البلد ليس سوى ساحة حرب دموية فاصلة، تدور رحاها بين الميليشيات الشيعية التي تدعمها، ونحو 159 ألفاً من القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي المنتشرة هناك. \r\n \r\n وإلى أن تنتهي ولاية الرئيس بوش الثانية هذه، ويغادر منصبه، فإن من المتوقع أن ينصب جل اهتمامه على طهران وطموحاتها النووية. وفي الوقت ذاته، فإنه يتوقع أن يعيد مجلس الأمن الدولي النظر في هذه القضية المعقدة خلال شهر سبتمبر الجاري. وعلى رغم الوهن السياسي الداخلي الذي ألمَّ بالرئيس بوش في الوقت الراهن، بسبب أزمة العراق بصفة خاصة، فإن احتمال لجوء إدارته لاستخدام القوة ضد طهران، لا يزال ممكناً، بل قوياً. \r\n