\r\n لم يحدث في أي وقت منذ إنشائها، أن كانت الأممالمتحدة هدفاً لهجوم يتم على هذا النحو من الوحشية وبدون سابق إنذار. فقد أسفر الهجوم عن مصرع 22 شخصاً وإصابة 100 آخرين. وكان ممن لقوا حتفهم في ذلك الهجوم \"سيرجيو دي ميلو\" المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى العراق، والذي لفظ أنفاسه تحت الأنقاض وقد كان على ما يبدو المستهدف الرئيسي بالهجوم، لأن سائق الشاحنة المحملة بالمتفجرات قادها مباشرة إلى الجهة التي كان يقع فيها مكتبه من المبنى. وكانت وفاة \"دي ميلو\" خسارة فادحة، حيث كان الرجل نجماً دبلوماسياً متألقاً وصديقاً شخصياً لكوفي أنان كما كان رجلاً يمتلك الذكاء والقدرة العملية والخبرة الدبلوماسية التي كانت كفيلة بتسنمه ذروة سامقة في مجال الدبلوماسية الأممية. \r\n لم يكن من السهل في ذلك الوقت الإجابة على السؤال: لماذا تم استهداف الأممالمتحدة على وجه الخصوص؟ لاسيما إذا عرفنا أن المجمع السكني الذي كان يوجد في نطاقه مقر الأممالمتحدة في بغداد لم يكن قاعدة عسكرية. ولم تكن هناك إجابة يمكن تقديمها في ذلك الوقت سوى أن المبنى قد استهداف لأنه كان يمثل هدفاً سهلاً للمهاجمين حيث لم يكن يقوم على حراسته سوى عدد محدود من الجنود الأميركيين. \r\n وتمر السنوات... وفي الثاني والعشرين من مارس الحالي يقوم \"بان كي مون\" الذي تولى منصب السكرتير العام للأمم المتحدة خلفاً لكوفي أنان بأول زيارة له إلى بغداد، وهي زيارة لم يتم الإعلان عنها رغم أهميتها إلا في صبيحة اليوم الذي كان مقررا أن يعقد فيه \"مون\" اجتماعاً مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، بسبب تدهور الأحوال الأمنية. \r\n وبينما كان المالكي و\"مون\" يحضران مؤتمراً صحفياً عقد في نهاية الزيارة في قلب المنطقة الخضراء الحصينة والمحروسة بقوات أميركية ضخمة، انفجرت قذيفة أطلقها المسلحون بالقرب من المبنى الذي عقد فيه الاجتماع، وخلّف سقوطها حفرة عرضها 3 أقدام تقع على بعد خمسين ياردة فقط من مكتب رئيس الوزراء. ورغم أن التأثير المادي للقذيفة كان محدوداً، إلا أن تأثيرها على تفكير السكرتير العام الجديد للأمم المتحدة (كوري جنوبي) كان كبيراً. \r\n بين تاريخي الانفجارين كانت الأممالمتحدة تمارس مهامها المتعلقة بالعراق انطلاقاً من الأردن، وكان من بينها مراقبة الانتخابات العديدة التي أجريت منذ بداية الاحتلال. \r\n في سبتمبر 2003 وبعد الغزو بستة أشهر تقريباً، قرر بوش تغيير الاتجاه الرئيسي لسياسته بشأن العراق، من الإنفراد بالعمل إلى السعي للحصول على مساعدة الأممالمتحدة، وهي المنظمة ذاتها التي كان قد احتقرها سابقاً وقلل من شأنها، عندما اتخذ أمينها العام السابق كوفي عنان قراراً حكيماً بعدم تقديم المساندة للهجوم الأميركي على العراق، قبل أن يتم منح مفتشي الأممالمتحدة وقتاً إضافياً لإجراء مزيد من التدقيق والبحث عن أسلحة الدمار الشامل، التي زعمت الولاياتالمتحدة وجودها في العراق. \r\n إلا أن أنان- من وجهة نظري- كان حريصاً أكثر من اللازم عندما قرر عدم عودة مهمة الأممالمتحدة إلى العراق مرة ثانية خوفاً من التورط في زيادة تعقيد الأوضاع السائدة بعد تفجير مقر بعثتها هناك. لقد رأى في ذلك الوقت أنه من الخطورة بمكان أن تعود أطقم المنظمة الأممية إلى العمل مرة أخرى في تلك الظروف المضطربة والمأساوية التي كانت سائدة في تلك الدولة، وأن اضطلاعها بمهمتها هناك سيكون صعباً للغاية من الناحية السياسية بسبب احتلال الولاياتالمتحدة واضطلاعها بإدارة شؤون العراق. \r\n وفي الثاني والعشرين من مارس الحالي ارتأى بان كي مون \"أن الوضع في العراق قد تحسن\"! وخلال الزيارة التي قام بها إلى هناك، والتي شهدت حادثة إطلاق القذيفة، ناقش السكرتير العام للأمم المتحدة مع المالكي الخطط التي من شأنها أن تساعد على إعادة بناء العراق خلال السنوات الخمس القادمة، كما حدد الأهداف التي يجب أن يسعى العراق إليها خلال هذه المدة والتي تتضمن أهدافاً اقتصادية سنوية. \r\n وأعرب\" مون\" عن أمله في قيام الحكومة العراقية بالبدء في عملية سياسية شاملة لتوحيد جميع المناطق والجماعات العراقية المختلفة. كما دعا جيران العراق إلى الاشتغال الإيجابي بالشأن العراقي. ويمكن للمرء أن يقول إن الرجل قد تحدث بطريقة دبلوماسية وعقلانية كأفضل ما يمكن توقعه من أي سكرتير عام جديد للمنظمة الأممية. \r\n ولم يقتصر الأمر على ذلك حيث قال أيضا إنه يفكر في زيادة تواجد منظمته في العراق. ومن المؤكد أن \"مون\" لم يقل ذلك إلا بعد أن أطلعه مستشاروه على الخلفية الماضية والصعوبات الحالية في تلك الدولة. وكان \"مون\" قد قال في المؤتمر الصحفي \"إن العراق خطا خطوات كبيرة على الطريق نحو الاستقرار\". ولست أدري ما إذا كانت هذه هي الصورة التي يظهر بها الوضع في العراق من على قمة مبنى الأممالمتحدة في نيويورك حيث يوجد مكتب الأمين العام. \r\n فعلى أرض الواقع، تحتدم في الوقت الراهن حرب أهلية في العراق بين السنة والشيعة، وهي حرب يشارك فيها أنصار الطرفين أيضاً مثل أعضاء \"القاعدة\" في العراق، والأعضاء السابقون لحزب \"البعث\" والعملاء الإيرانيون. ووسط هذه الحرب يجد رئيس الوزراء نوري المالكي الذي يترأس حكومة يهيمن عليها الشيعة، أنه من الصعوبة بمكان بل من المستحيل أن يقدم على تقديم تنازلات مناسبة للطائفة السنية تتيح لها فرصة القيام بدور كامل في المستقبل السلمي لهذا البلد الممزق. \r\n من جانبي، لا أعتقد أن الزيادة في أعداد القوات وإرسال 25000 جندي أميركي إضافي إلى بغداد ومنطقة الأنبار خلال فترة زمنية معينة، سوف يؤدي إلى إحداث فارق كبير في الأوضاع الحالية. ويمكن لي أن أخمن أن السكرتير العام الجديد للأمم المتحدة سينتظر حتى يغادر الرئيس بوش مسرح السياسة قبل أن يقدم على مزيد من الانغماس في الشأن العراقي، فهذا هو التفكير الحكيم من وجهة نظري. \r\n \r\n \r\n