هل يُصلح القرار 1770 ما افسدته قرارات بوش؟ محمد خرّوب اياً كان التباين في القراءات والتحليلات والمقاربات التي انطلقت مباشرة بعد صدور قرار مجلس الأمن 1770 بالاجماع الذي يعطي دوراً متزايداً للأمم المتحدة في العراق، فإن من غير المبالغة القول ان ادارة الرئيس الاميركي قد استنفدت مناوراتها وما تبقى من خياراتها السياسية والدبلوماسية الهادفة كلها الى تجميل الهزيمة وزج اطراف اقليمية أو دولية فيها ولم تجد في النهاية بعد الفشل الذي حصدته مؤتمرات دول الجوار ومساعي تعريب أو أسلمة الاحتلال الاميركي، سوى الأممالمتحدة بما هي كيان دولي هزيل لا حول له ولا قوة. ما تزال الولاياتالمتحدة ومنذ انتهاء الحرب الباردة تهيمن عليها وتتحكم في معظم مؤسساتها ليس فقط لأنها الممول الاول لنشاطاتها، وانما ايضا لأن احداً في داخل مجلس الامن لا يرفع عقيرته بالشكوى أو التأفف من تبعية المنظمة لواشنطن، واذا ما حدثت معارضة ما، أو أبدت إحدى الدول دائمة العضوية في المجلس اعتراضها على صيغة أو بند ما، فإن التسويات والصفقات تتم في خارج اروقة المبنى الزجاجي تتساوى في ذلك موسكو وبكين كما هي حال الاقل اعتراضاً باريس (دع عنك تبعية لندن غير المشكوك فيها).. ربما تكون مداولات مجلس الأمن التي سبقت الغزو الاميركي البريطاني للعراق حيث لم تنجح واشنطن في استصدار قرار يمنح شرعية لهذا الغزو استثناء في هذا الشأن لا يلغي بالطبع ما دأبت الادارات الاميركية المتعاقبة على ممارسته من ضغوط واملاءات وهيمنة على نشاطات وقرارات الأممالمتحدة في أي شأن كان، بدءاً بالملفات السياسية والصراعات الدولية وليس انتهاء بالتأكيد في قضايا حقوق الانسان او البيئة او وكالات الاغاثة والمؤسسات التابعة لها (اليونسكو مثالا)، وحتى في الكادر الوظيفي للمنظمة الدولية.. عودة الى القرار 1770. القراءة الدقيقة والمتأنية لبنود القرار تكشف في غير عناء، عن صيغ ومهمات غير عملية وغير محددة انيطت بموظفي المنظمة في ساحة مشتعلة بالعنف والحرائق، لن تسهم الزيادة التي طرأت على عددهم في تفعيل دورهم (القرار سمح بزيادة عديدهم من 65 الى 95 موظفاً).. طبعاً ليس من الحكمة عقد مقارنة بين العجز الذي هي عليه الان القوات الاميركية التي وصل عددها الى ذروته، كما قالت وزارة الدفاع الاميركية (162 الف جندي) وبين هذا العدد المتواضع من الموظفين المدنيين والخبراء الأمميين، غير أن الترحيب الاميركي الفوري بالقرار، يشي بأن ادارة بوش قد وصلت الى طريق مسدود وباتت معالجاتها لمأزقها العراقي مرتبكة ومتخبطة على نحو مكشوف، وليس ادل على ذلك من قراءة النص الجوهري في القرار 1770 الذي جاء فيه (بعد ان تم تمديد مهمة بعثة الاممالمتحدة في العراق الى سنة اخرى اضافة الى زيادة عدد موظفي البعثة). .. يسمح القرار للممثل الخاص للأمم المتحدة في العراق والبعثة (اذا سمحت الظروف) بتقديم النصح والدعم والمساعدة للحكومة العراقية في عدة مجالات بينها المجال السياسي والاقتصادي والانتخابي والقانوني والدستوري وفي القضايا المتعلقة بحقوق الانسان واللاجئين .. أي جديد اذاً في وظيفة الاممالمتحدة ودورها المعروف في البلاد التي تنهار فيها الحكومات او تسود فيها الحروب الاهلية وتسيطر عليها الميليشيات او العصابات؟. وماذا تفعل أي مؤسسة للامم المتحدة وخصوصا في دول العالم الثالث غير ذلك؟. قصدت القول. أن ما جاء في القرار 1770 هو تحصيل حاصل، وكان بامكان بعثة المنظمة الدولية ان تنهض بهذا الدور قبل اربع سنوات من الان، قبل ان ينهار العراق وقبل ان تندلع فيه الحروب الطائفية والمذهبية وتتحكم عصابات الميليشيات بمستقبل العراقيين، لو ان الحاكم الاميركي للعراق بريمر سمح لسيرجو دي ميللو بالقيام بمهمته وقبل ان يتمكن الارهابيون من تدمير مقره وقتله في عملية مشبوهة تماما ومثيرة للاسئلة والشكوك وبخاصة ان السيناريوهات التي طبقها بريمر بصمت او تواطؤ (لا فرق) النخبة السياسية والحزبية العراقية الجديدة (في ذلك الوقت) تتعارض تماماً او هي تنسف ما كان يدعو اليه علنا الممثل الخاص للامم المتحدة (دي ميللو). صحيح ان بان كي مون اكثر مرونة (اقرأ طاعة) من سلفه كوفي انان وصحيح ان الامين العام الحالي للامم المتحدة كان نتاج صفقة دبلوماسية طبختها الولاياتالمتحدة في الوقت الذي شنت فيه حملة تشويه ضارية على كوفي انان لانه وصف الوجود الاميركي في العراق بالاحتلال وان غزو ذلك البلد كان غير شرعي. غير ان هذا لا يلغي حقيقة ان بان كي مون سيحصد الفشل هو الآخر لان ما انيط به من دور اكبر من حجم بعثته وامكاناتها، ولأن الاممالمتحدة لن تنجح في تشكيل مظلة لادارة بوش، بعد ان باتت الازمة الاميركية عارية وعميقة وبعد ان تم تهميش الاممالمتحدة واضعاف دورها عن قصد وسابق تصميم من ادارة بوش التي تلجأ اليها الان بعد فوات الاوان. لا داعي لتضخيم النجاح الاميركي في استصدار القرار 1770، لانه عادي، بل عادي جداً، ولان الورطة الاميركية اكثر بروزاً من ان يستطيع بان كي مون انتشال ادارة بوش منها ولان الاوضاع في العراق - من اسف - قد وصلت الى نقطة اللاعودة بعد ان خربها الطائفيون والمذهبيون وفساد الذين جاؤوا على ظهور الدبابات الاميركية. عن جريدة الرأي الاردنية 12/8/2007