\r\n وعلى الرغم من ان الجنود الامريكيين لا يتلقون اوامرهم من الحكومة العراقية, فان قيام الجيش الامريكي برفض تنفيذ ارادة الحكومة العراقية سيجعل ادامة الحضور العسكري الامريكي في البلاد امرا غير ممكن التحقيق. وقد سارعت الولاياتالمتحدة الى الاعلان بان المالكي قد استشارها قبل تنفيذ قراره, لكن تلك الاستشارة لم تأت الا قبل ساعة واحدة من اعلان القرار. \r\n \r\n لا ينبغي لاحد ان يندهش كثيرا من اجراء المالكي. فما فعله لم يتعد استعراضه لسيادته التي تشمل فيما تشمل التوضيح للجميع بانه لن يؤيد الاجراءات الامريكية التي تعارض المصالح الشيعية التي تستند اليها حكومته. كما انه قصد, ايضا, ان تكون له الكلمة الاخيرة في السياسة الامنية. فالمالكي لا يكتفي بالمطالبة بحق الفيتو على الاجراءات العسكرية الامريكية المتخذة داخل بلاده, انما يريد ايضا ان تكون للحكومة العراقية السيطرة على عملية نشر قوات الامن العراقية التي ما تزال لحد الان تعمل تحت السيطرة الامريكية. \r\n \r\n ان الامر الذي اصدره المالكي برفع الحصار الامني عن مدينة الصدر ورفضه الذي سبق تلك المطالب والجداول الزمنية التي طرحتها امريكا على حكومته يمثلان رسالة يرسلها المالكي الى قاعدته الشيعية بكونه لا يتلقى الاوامر من واشنطن, كما انهما يمثلان ايضا تعبيرا عن الاختلافات الخطيرة التي تكتنف تنفيذ الخطة الامنية التي وضعها الامريكيون. وهذه الرسالة في جوهرها تنطوي على تحذير للامريكيين يقول: لا تدفعوني الى الاختيار بين واشنطن ومدينة الصدر لانكم تعرفون الوجهة التي سأتخذها حينذاك. \r\n \r\n ان الدافع الحقيقي وراء ما ابداه المالكي من اعتراضات على الخطط الامريكية هو اهتمامه بقاعدته السياسية الشيعية, التي تشمل مقتدى الصدر الذي يعتقد ان الميليشيا الطائفية التابعة له والمعروفة بجيش المهدي هي الهدف المقصود من عمليات الهجوم الامريكية الحالية التي تنفذ في بغداد. فمن دون مساندة تلك القاعدة, يتحول المالكي الى مجرد سياسي آخر من السياسيين الذين تدعمهم واشنطن ويرفضهم ناخبوهم, تماما مثل رئي ̄س الوزراء السابق اياد علاوي الذي كان »رجل واشنطن في العراق«. \r\n \r\n يقر المالكي, من حيث المبدأ, على ضرورة حل الميليشيات السياسية الشيعية او اخضاعها لسيطرة الحكومة. لكنه يعتقد, في الوقت ذاته, ان هذا الامر لا يمكن ان يتم ما دامت التجمعات الشيعية تواجه تهديد المتمردين السنة. وما دامت التجمعات الشيعية تتطلع الى الميليشيات من امثال جيش المهدي لتوفير الحماية التي عجزت القوات الامريكية والحكومية على توفيرها لها, فان المالكي لن يتمكن, من الوجهة السياسية, من المطالبة بحل تلك الميليشيات او حتى تأييد الامريكيين في تصديهم لها. \r\n \r\n وقد تفاقم حرج المالكي السياسي من الحصار الامني الامريكي المفروض على مدينة الصدر عندما اخفق ذلك الحصار في منع وقوع انفجار استهدف سوقا شعبية في المدينة وتسبب في قتل العشرات من سكان المنطقة من الشيعة, وقد شهدت مدينة الصدر في اليوم التالي للانفجار تعطلا تاما عن الحركة تنفيذا للاضراب الذي دعا اليه مقتدى الصدر. ولم يحل اليوم التالي الا وقد اصدر المالكي اوامره بفك الحصار الامني. \r\n \r\n والواقع ان المالكي لم يكن يملك الكثير من الخيارات الجيدة فالولاياتالمتحدة تريد منه ان يفعل المزيد على صعيد تحقيق المصالحة الوطنية والتعامل مع الميليشيات الطائفية التي تبث الرعب في اوساط التجمعات السنية. كما تطالبه باصدار عفو عام عن المقاتلين من المتمردين السنة. لكن هذه المطالب الامريكية تبدو في نظر الكثير من الزعماء الشيعة دليلا على ان واشنطن آخذة في الميل لصالح السنة. والمالكي الذي يحسب حساب هذه الهواجس والاعتراضات من جانب قاعدته الشيعية لا يفعل سوى ان يتحرك ببطء الامر الذي يثير حفيظة اولئك السنة القريبين من العملية السياسية. فقد ادان طارق الهاشمي, نائب الرئيس السني, على سبيل المثال, تدخل المالكي لرفع الحصار الامني عن مدينة الصدر محذرا من ان هذا الاجراء سوف يسهل تحرك فرق الموت الشيعية داخل بغداد وحولها. \r\n \r\n ان الاوضاع المتدهورة التي تقف وراء هذا التنازع على السلطة في العراق تذكر بالشهور القليلة التي شكلت بداية الحروب التي انتهت بتفتيت يوغسلافيا. فالتطهير العرقي جار ومتداخل داخل بغداد حين تقوم الميليشيات الشيعية ببسط سيطرتها على المناطق المختلطة عن طريق ارغام سكانها السنة على مغادرتها. ولكن اذا كانت الميليشيات الشيعية تسيطر على جزء كبير من العاصمة, فان التقارير الواردة من العراق تشير الى ان جماعات المتمردين السنة اخذت تحكم قبضتها على طرق النقل والمواصلات من العاصمة واليها, وقد نجح مثل هذا التكتيك في الماضي في تمكين المتمردين السنة من خنق تجهيزات الوقود التي تقصد العاصمة بغداد. \r\n \r\n ومع سيادة اجواء المأزق الراهن, فان المالكي لا يبدو مستعدا لتلقي الاوامر من واشنطن في الوقت القريب. \r\n \r\n من جانب آخر, يتصاعد التأزم بين الامريكيين من جهة وبين طرف شيعي آخر هو جيش المهدي من الجهة الاخرى. وقد سبق لجيش المهدي ان دخل في مواجهات عسكرية مفتوحة مع القوات الامريكية عدة مرات خلال السنوات الثلاث الاخيرة, كانت المعارك فيها تمتد لعدة ايام قبل ان تنتهي بهدنة قلقة لا ترجح كفة اي من الطرفين. ويصر المسؤولون على الجانبين انهم يريدون تجنب جولة جديدة من سفك الدماء. لكن تصاعد وتائر العنف في العاصمة بغداد لا بد لها ان تقود الطرفين الى مواجهة جديدة. \r\n \r\n وقد عمدت القوات الامريكية الى دخول مدينة الصدر مرتين في الاسبوع الماضي وهو امر نادرا ما تقدم عليه. لكنها اضطرت الى القيام به هذه المرة كجزء من عملية البحث عن الجندي الامريكي المختطف. وكان ذلك الاختراق للمدينة وما اعقبه من فرض الحصار الامني عليها سببا في الموقف المنتقد الذي اتخذته حكومة المالكي التي يظل مقتدى الصدر لاعبا قويا فيها. \r\n \r\n وكان المالكي قد وجه الانتقاد الى الحملات الامريكية الموجهة ضد جيش المهدي مستندا الى ان الميليشيات الشيعية غالبا ما تعتبر ضرورية كاجراء للدفاع عن النفس ضد التمرد الارهابي الذي يهدد المناطق الشيعية. وما يقع في مدينة الصدر من اختراقات وغارات وقصف يذكر ساكنيها بالسبب الذي يجعلهم يشعرون بالحاجة الى وجود جيش المهدي. \r\n \r\n وفي حديث له مع مجلة »تايم«, حذر ابو باقر الكعبي, احد القادة في جيش المهدي, القوات الامريكية من المزيد من التصعيد. وقد قال الكعبي: »اننا نتعامل معهم حاليا بالطريقة السياسية والسلمية, ولكن سيكون عليهم ان يتوقعوا ما لا مفر منه لو انهم واصلوا استفزازنا«. \r\n