واحتجاج بوش بأن العراق سوف يقع في براثن حركة القاعدة، على الخصوص، سخيف على نحو مطلق: أولاً، لأن القاعدة ما هي إلا جزء ضئيل من المقاومة العراقية للاحتلال الأمريكي، التي يقودها السّنّة؛ وثانياً، لأن الشيعة والأكراد، الذين ربما كانوا يشكلون نحو ثلاثة أرباع سكان العراق، لن يسمحوا أبداً لمن يسمّيهم ديك تشيني "أنماط القاعدة" بالسيطرة على العراق. \r\n \r\n ويأتي تحذير الرئيس الرهيب متأخراً جدّاً ولا يثير الاهتمام. وقد يتمكن، وقد لا يتمكن، من إخافة الناخبين. ولكنه لن يخيف المؤسسة. \r\n \r\n إن ما يحدث في واشنطن الآن هو أن الطبقة السياسية في المؤسسة وهي تتضمن الجيش، وأعضاء الكونجرس المعتدلين من الجمهوريين والديمقراطيين، والثرثارين من الخبراء وكتّاب الرأي والافتتاحيات، ومجموع المقيمين في بيوت الخبرة أخذت تتعامل مع الحقيقة الصارمة التي تقول ان الحرب في العراق قد انتهت. وان الولاياتالمتحدة قد خسرت. وقد بدأت هذه الحقيقة تتكشف، ولكنها لن تُواجَهَ مباشرة من قِبَل الطبقة السياسية قبل انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني. بعد ذلك، سيحتدم الجدل والنقاش. فإذا فاز الديمقراطيون واستعادوا الكونجرس، سيحدث ذلك على نحو أسرع ولكن حتى اذا تشبّث الجمهوريون، فإن الرياح الهوجاء التي تصكّ البيت الأبيض الآن، سوف تشتد لتصبح إعصاراً جامحاً. \r\n \r\n وقد ورد تلميح عن ذلك القدَر المحتوم في التقرير الذي أصدرته وزارة الدفاع في الاسبوع الماضي، والذي جاء في 66 صفحة، وكان بعنوان "قياس الأمن والاستقرار في العراق". \r\n \r\n وحسبما جاء في تقرير البنتاجون، فإن "الوضع الأمني يمرّ في أعقد حالاته منذ بدء (عملية حرية العراق)" يعني منذ الغزو في مارس/ آذار 2003. فالولاياتالمتحدة تواجه كلا من التمرد السّنّي، الذي وصفه التقرير بأنه "شرس وقابل للحياة"، وتكاثُر الميليشيات الطائفية وعمليات القتل العرقية. وأضافت وزارة الدفاع، في إدانة مذهلة لمقدرتها على توفير الأمن والاستقرار الاقتصادي، قائلة انه "يُنظَر الى الجماعات المسلحة المحلية غير الشرعية، باعتبارها المصدر الرئيسي لتوفير الأمن والخدمات الاجتماعية الأساسية". وقال التقرير، ان هذه الجماعات أصبحت "متحصنة" في كل من شرق بغداد (الشيعي)، وغربها (السّنّيّ). واختتم بالقول "إن الظروف التي يمكن ان تؤدي الى حرب أهلية، قائمة في العراق". \r\n \r\n وتثير فكرة الميليشيا المتحصنة التي تقسم بغداد الى شرقية وغربية، في الذهن على الفور، شبح بيروت خلال حربها الأهلية من 1975 -،1990 وتقول وزارة الدفاع الأمريكية إن العراقيين يشتركون معها بصورة متزايدة في هذه المخاوف. وتلفت النظر الى أنه ليس في بغداد فقط، بل وفي منطقة الفرات الأوسط جنوب بغداد، وفي المنطقة المحيطة بالبصرة، الميناء العراقي في الجنوب، تسود بين العراقيين، المخاوف المتزايدة بشدة، من حرب أهلية شاملة. \r\n \r\n ويقول البنتاجون بجفاف، ان الخسائر في العراق، قد ازدادت بنسبة 51% منذ نشر التقرير السابق في مايو/ أيار ،2006 وتضاعفت الهجمات ضد القوات الأمريكية منذ ،2004 لتبلغ رقماً مذهلاً هو 800 هجوم في الأسبوع، متسببةً في 17-20 إصابة (بين قتيل وجريح) في أوساط القوات الأمريكية وغيرها من قوات التحالف الأخرى كل يوم أي ان 20 أمريكياً وبريطانياً، وغيرهم يُقتَلون أو يُجرَحون كل يوم فقط. \r\n \r\n وعلى الرغم من كل الكلام الفج، لا يزال تقرير البنتاجون، يستهين بتقدير الوضع على الأرض. وقد نشر انتوني كوردسمان، وهو محلل عسكري محافظ وخبير في شؤون حرب الخليج في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إدانة قاسية في خمس عشرة صفحة، لتقرير وزارة الدفاع البائس هذا الأسبوع، وقال ان البنتاجون "لا يدرك الحاجة الى تحويل الاستراتيجية الأمريكية نحو التعامل مع خطر الصراع الأهلي المتصاعد". ويضيف أن البنتاجون بتجاهله المشكلات السياسية الهائلة التي تعصف بحكومة رئيس الوزراء المالكي، "يمارس الكذب بالحذف". ويصف القسم الخاص باقتصاد العراق غير الموجود، حيث تبلغ تقديرات معدل البطالة 60%، بأنه "هراء مفرط في التفاؤل". \r\n \r\n وعلى الرغم من الجهد الهائل الحالي لتأمين بغداد يستمر التقتيل من دون انقطاع، من الهجمات الفظيعة التي تقتل العشرات الى الانفجارات التي تخلف دزينة من القتلى هنا ودزينة هناك، الى العمليات التي لا تنتهي، من قتل الناس واحداً واحداً، والتي تخلّف الجثث متناثرة في جميع أنحاء بغداد كل صباح. وحسبما جاء في تقرير البنتاجون، على الرغم من أن العنف يتركز في بغداد، إلا أنه آخذ بالانتشار، مع ارتفاع وتيرة الهجمات بصورة خطيرة في كركوك والموصل وديالى. \r\n \r\n وما على المرء إلا أن يقوم بجولة خاطفة في المناطق العراقية الرئيسية الثلاث، حتى تتضح لديه الصورة بكل أبعادها. \r\n \r\n فالسّنّة، الذين كانوا ولا يزالون يشكلون قلب المقاومة للاحتلال الأمريكي منذ خريف 2003 على الأقل، قد توحدوا الآن في نهاية الأمر. وثمة خبر مهم، تم تجاهله، إلا في صحيفة واشنطن بوست التي نشرته باقتضاب، يقول ان 300 زعيم عشائري عراقي، معظمهم من السّنّة، ولكن بينهم بعض الشيعة، قد اجتمعوا في بلدة جنوبي كركوك، ليصدروا مطالبة بإطلاق سراح صدام حسين. وقال أحد هؤلاء الزعماء، الذي يبلغ تعداد عشيرته 5.1 مليون نسمة، "إذا لم يُلَب هذا المطلب، فسوف نقود انتفاضة شعبية عامة كاسحة". ومثل هذا التهديد سوف يعني، في النتيجة، ان التمرد العراقي سوف يجري تبنّيه رسمياً من قِبَل الزعامة العشائرية برمتها في غرب ووسط العراق. وهذا ليس حركة القاعدة، بل هو العراق. \r\n \r\n وجيش المهدي بزعامة مقتدى الصدر، لا يقرّ له قرار، ويبدو جاهزاً لإطلاق انتفاضة ثانية، كما فعل سنة 2004 وهو نفسه تكتنفه الانقسامات الخطيرة، وتتخلله العناصر المسلحة. والمجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق، يضغط بشدة من أجل تقسيم العراق الذي يدعوه "فدرالية" وقد طرح أحد زعمائه (الذي يتصادف أنه وزير التربية والتعليم في العراق) سيناريو حرب أهلية شاملة. وقال: "ان الفدرالية سوف تعزل جميع أجزاء البلاد التي تحتضن الإرهابيين". وأضاف، "سوف نضع الجنود على طول الحدود". \r\n \r\n وممّا يعمّق الانقسامات بين الشيعة، ظهور أمير حرب جديد، هو محمود حساني، الذي أنشأ جيوشاً خاصة في النجف وكربلاء والبصرة وبغداد، والذي يعارض بعنف، المجلس الأعلى للثورة الاسلامية وجيش المهدي بزعامة الصدر. ويبرز حساني، الذي يعارض الولاياتالمتحدة أيضاً، ويكره ايران، كزعيم شيعي وطني يمكن ان يزعزع الوضع الشيعي الراهن برمته. \r\n \r\n أمّا الأكراد المزعجون، فهم يهددون بالانشقاق علناً. فقد قال مسعود البرزاني، الذي يشكل السلطة الحقيقية في كردستان، متحدّياً هذا الأسبوع: "إذا أردنا الانفصال، فسوف نقوم به من دون تردد أو وجل". وإذا بدأ الأكراد عمليتهم المتوقعة على نطاق واسع للاستيلاء على كركوك وحقول النفط العراقية الشمالية، فسوف يشعل ذلك فتيل تصعيد عظيم للحرب الأهلية في العراق. \r\n \r\n إن بوش لا يعترف بهذا الواقع. والبنتاجون يكتفي بالتلميح اليه، على الرغم من ان الجنرالات يعلمون بما يجري. غير أن بوادر معرفة بحقائق الواقع في العراق قد بدأت تظهر داخل الطبقة السياسية، ففي الأسبوع الماضي، زار بغداد، جيمس ايه. بيكر ولي هاملتون، وهما سياسيان من الطراز الأول، مطلعان على بواطن الأمور، ويقودان قوة مهمات سرّيّة بشأن العراق، تُدعى (مجموعة دراسة العراق)، وفي بغداد تناولا جرعة ثقيلة من الواقعية (حسب مصادري الخاصة). وتتضمن قوة بيكر الضاربة التي كتبتُ عنها في مجلة "واشنطن مونثلي" نجوماً من طراز رفيع، بينهم روبرت م. جيتس، فيرنون جوردان ووليام بيري. وبعد العودة من بغداد، عقدت مجموعة النخبة التي يقودها بيكر، والتي تضم عشرات الخبراء بشؤون العراق، اجتماعاً للنظر في مسودة خطة للخروج من العراق، على طريقة جاك مورتا، أو بدلاً من ذلك، البقاء مدة 12 شهراً آخر، ثم إنهاء الخروج على كل حال. وتتزايد الاحتمالات، بأن ذلك سيكون ، بعد الانتخابات، الخيار الصارم الذي يُفرَض على البيت الأبيض من قِبَل النخبة السياسية في واشنطن، وبفعل الهبوط الشديد في الدعم الشعبي للحرب، وبفعل الحركة المتنامية المناوئة للحرب. \r\n \r\n \r\n \r\n * مؤلف كتاب "لعبة الشيطان"، محرر مشارك في مجلة "ذي نيشن". والنص من موقع (توم بين). \r\n