دونالد ترامب لا يُخفى شيئًا، ولا يكذب ولا يتجمل، ومشروعه هو تهجير قسرى لمليونى فلسطينى من غزة، وترحيل عنصرى لعشرة ملايين مهاجر من أمريكا، فى مشهد يعيد إلى الأذهان أسوأ صفحات التاريخ الإنسانى، حين كانت الهمجية تقرر مصائر الشعوب بالقوة والقهر. فى غزة أصبح القتل اليومى خبرًا عاديًا، ويقترح ترامب الحل باجتثاث شعب من أرضه، وتهجيره إلى المجهول، وهو حل استعمارى لا علاقة له بالعدالة والسلام، ويكرس الاحتلال ويكافئ القتلة، ويعكس انحيازًا أمريكيًا مطلقًا للآلة العسكرية الإسرائيلية. ما يحدث فى غزة ليس دفاعًا عن النفس كما تزعم إسرائيل، بل إبادة ممنهجة تباركها واشنطن، وتغض عنها الطرف عواصم القرار الدولى، أطفال تحت الأنقاض، ومستشفيات تتحول إلى مقابر، ومدن تُمحى من الوجود، وتسقط تحت الأقدام كل الشعارات الكاذبة عن الحرية وحقوق الإنسان. الداخل الأمريكى ليس شأننا، ولكن المشهد لا يختلف كثيرًا، وقوات ترامب تطارد المهاجرين فى الشوارع، بهدف ترحيل من وُلدوا على الأرض الأمريكية، ومن عملوا لسنوات فى مصانعها وحقولها، ومن بنوا اقتصادها بأيديهم، ميليشيات مسلحة تنفذ الأوامر، والحكومة تُبارك القمع باسم «استعادة النظام». أصبح هؤلاء المهاجرون جزءًا من نسيج المجتمع الأمريكى، وتزوج معظمهم وأنجبوا أطفالًا صاروا رجالًا وعاشوا الحلم الأمريكى، واليوم يتحولون إلى أهداف سياسية، فى خطاب يعيد إنتاج العنصرية. سياسات لا تحركها سوى شهوة السلطة واعتناق خطاب الكراهية، وبدلًا من معالجة جذور الفوضى والعنف، يختار شيطنة الضعفاء واستدعاء الفوضى إلى شوارع المدن الأمريكية، ليدفع الجميع الثمن من أمنهم واستقرارهم وإنسانيتهم، وبينما يرفض الفلسطينيون مغادرة أرضهم رغم القتل والجوع، يحاول المهاجرون التشبث بحلم اُستخدم طويلًا لتجميل الوجه الأمريكى فى الخارج. ليست القضية فلسطينية فقط، ولا مهاجرين فقط، إنها أزمة ضمير أمريكى، وأزمة نظام عالمى يكافئ الجريمة بالصمت، ويمنح الشرعية للباطل، وترامب لا يمزق فقط نسيج أمريكا الداخلى، بل يدفع بالعالم نحو زمن جديد من الفوضى المنظمة، حيث تسود شريعة الغاب، وينهار كل ما تبقى من منظومة القيم الإنسانية. الفلسطينيون لن يتركوا أرضهم، والمهاجرون لن يرحلوا فى صمت، والقرارات الظالمة تقود أمريكا إلى مكان لا يشبهها، ومصير لا يليق بدولة طالما ادعت قيادة العالم. التاريخ لا يرحم وصورة أمريكا تتهاوى، لا بفعل أعدائها التقليديين، بل نتيجة مباشرة لسياسات تتعمد تجاهل القانون الدولى، وتصرّ على فرض الهيمنة بدلًا من إعلاء مبادئ العدالة. لم يعد كثيرون يصدقون الخطاب الأمريكى عن الحرية والديمقراطية، بعدما تحوّل إلى غطاء هش لسياسات التدخل والازدواجية، والسقوط ليس عسكريًا أو اقتصاديًا، بل أخلاقيًا وإنسانيًا، وتصنعه قرارات تصر على أن القوة أصدق من الحق.. أمريكا تهدم صورتها بيديها، وتخسر احترام العالم بقراراتها.