\r\n انها بالتأكيد ليست غير ملامة. أولاً: أن تسلحها النووي سوف يوجه صفعة رئيسية لنظام عدم انتشار التسلح الدولي المهترئ أصلاً. ثانياً: باعتبارها عضواً موقعاً على معاهدة عدم انتشار السلاح النووي، فإنها تكون متورطة في ممارسة خدعة ضخمة. ثالثاً: الولاياتالمتحدة تصنف من يمتلك القوة النووية أو من يحتمل امتلاكها إلى دول مسؤولة وأخرى غير مسؤولة، وحيث أن إيران في نظر أمريكا اسوأ "الدول المارقة"، وبالتالي فإنها ستكون غير مسؤولة بجدارة وامتياز. ولم يكن هناك أبداً تعريف محدد "للدولة المارقة"، ولكن سماتها النموذجية تتمثل في القمع الداخلي، ومعاداة أمريكا وكراهيتها أيديولوجياً، وجمعها بين طبيعة عدوانية وقوة عسكرية لا تتناسب مع تلك الطبيعة، وبالتالي فإنها تشكل خطراً مطرداً واستثنائياً للنظام القائم إقليمياً أو دولياً. \r\n \r\n ومع ذلك طبقاً للمعايير النووية المحددة فإن "إسرائيل"، وليست إيران، هي مقترفة الخطيئة الأصلية في الشرق الأوسط. ومنع انتشار التسلح النووي يجب أن يكون عالمياً أو لا يكون على الإطلاق، ويتوجب أن يكون متسقاً مع المنطق الصريح والعادل المتمثل في أنه إذا أصبح أحد الأطراف، في منطقة تتسم باحتمالية الصراع، قوة نووية، فإنه لا يتوقع من أعداء ذلك الطرف ألا يصبحوا كذلك أيضاً، وبغض النظر عن الوقت الذي حدث فيه ذلك، فإن "إسرائيل" بانتهاكها ذلك المبدأ، تتحمل مسؤولية ثقيلة على كل ما حدث بعد ذاك. وكذلك طالما أن خداع إيران يستخدم ويستغل ضدها، فيجب أيضاً ألا يكون هناك وضع خاص أو تشريع يستثني "إسرائيل" في هذا المجال. \r\n \r\n والصحيح أن معاهدة منع انتشار التسلح النووي لم تكن قد أطلقت آنذاك، وبالتالي فإن أمريكا وحدها هي التي تعرضت للخداع من جانب "إسرائيل" وقد بدأ الخداع بتأكيدها للولايات المتحدة ان المنشأة السرية في ديمونة كانت مصنع أقمشة، ثم قالت فيما بعد أنها محطة ضخ، ثم أصبحت "منشأة لتحلية المياه" مباشرة بعد ان أعلنت جولدا مائير التي كانت تشغل منصب وزير الخارجية وقتذاك عن "قلق "إسرائيل" واهتمامها الخاص بإزالة مخاطر الأسلحة النووية وتجنيب الانسانية بلاءها". وفي مذكرة داخلية حذرت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية عام ،1963 من ان القدرة النووية، بتعزيزها الكبير شعور "إسرائيل" بالأمن، تجعلها أقل نزوعاً للتصالح مع العرب، إذ إنها سوف تستغل "مزاياها السيكولوجية الجديدة" ل "تخويفهم وإكراههم بالتهديد". \r\n \r\n وهو ما يشير من ناحية أخرى ثالثة إلى ابتذال "إسرائيل" لهذا الخيار وإساءة استخدامها له بصورة غير مسؤولة. \r\n \r\n ولطالما ظلّت تبرره على الدوام باعتباره "خيار شمشون" الخاص بها، وأنه ملاذها الأخير في مواجهة جيران ينزعون إلى تدميرها، وليس ثمة مثل هذا الآن، ولكن لو كان هذا ماثلاً في زمن من الأزمان أو سيبرز مرّة أخرى مستقبلاً فالسؤال هو لماذا؟ \r\n \r\n والشطر الأكبر من الإجابة يكمن في أنها وبكل المقاييس عدا العداوة للولايات المتحدة قد تصرّفت بصفتها "دولة مارقة"، لقد انبثقت إلى الوجود بصفتها الممزق الأكبر لنظام الشرق الأوسط الراسخ والمستقر وذلك من خلال ممارستها العنف والتطهير العرقي للفلسطينيين الذين أقامت دولتها على أرضهم. ولا يمكن لهذه الدولة الاستيطانية أن تحوز شرعية حقيقية، كما لا يمكن لها أن تندمج وتتناغم مع نظام جديد ما زال في طور التكوين إلا بإعادة الحقوق إلى أهلها ومعالجة ما ارتكبته من انتهاكات سواء في خضم عمليات إقامتها أو ما تلا ذلك من توسع واستحواذ واستيلاء. \r\n \r\n وهذا في صميمه هو جوهر "العملية السلمية" الدائمة. \r\n \r\n وللعالم تعريف شامل موسع للتسوية التي تجثم في نهاية تلك العملية. فهو لا يشتمل على ذاك التحرر الكامل لشعب أصلي كما كان العهد في حركة إزالة الاستعمار الأوروبية. بل إن ذلك التعريف الفضفاض أبعد ما يكون عن هذه الأريحيات، إذ هو في لبّه تسوية مذلة تزيد الفلسطينيين المهزومين إرهاقاً على ارهاق وتضاعف ما يلقونه من عنت أضعافاً، ولا تضير "الإسرائيليين". \r\n \r\n غير أن التسوية لا تأتي أبداً، والسر في هذا يعود أساساً إلى ان "إسرائيل" غير مستعدة حتى للقبول بهذه الدرجة من الحل الوسط، ويرجع هذا بدوره إلى كونها لا تجابه في نهاية المطاف خطراً في مقاومتها ومناوأتها لما يريده العالم منها، فهي تشعر بأنها في مأمن وأن مسلكها هذا ليس فيه كبير مجازفة، وتتيح لها قوتها النووية، التي تتوج قوتها العسكرية التقليدية الطاغية المهيمنة حالياً، اتخاذ موقف التحدي هذا. \r\n \r\n ومثل هذا الاستخدام المستهتر غير المسؤول من قبل "إسرائيل" لهذه القوة هو ما كان شيمون بيريز وأبو القوة النووية "الإسرائيلية" عندما قال إن "حيازة نظام أسلحة متفوق سيعني إمكانية استخدامه لأغراض قهرية أي إرغام الطرف الآخر على القبول بمطالب "إسرائيل" السياسية". أو ما عناه الخبير الاستراتيجي "الإسرائيلي" البارز موشيه سنج عندما قال: "لا أريد للمفاوضات "الإسرائيلية" الفلسطينية أن تجري في ظلال قنبلة نووية إيرانية"، وكأنه لم يتوجب على العرب ولم يقهروا على التفاوض تحت ظلال القنبلة النووية "الإسرائيلية" طيلة هذه العقود الأربعة الماضية. \r\n \r\n وثمة دروب ثلاثة يمكن للأزمة أن تسلكها، أولها هو ذلك الذي تصرّ "إسرائيل" عليه ويحقق استدامة أبدية لا يتحداها شيء ل"خطيئتها الأصلية" إذ ليس "العالم" هو من لا يطيق ولا يحتمل إيران النووية، كما دأب الرئيس بوش على الزعم مراراً وتكراراً، بل "العالم" نيابة عن "إسرائيل" وباسمها هو الذي يراها كذلك، ولا يكمن الخطر أبداً في احتمال أن تهاجم إيران "إسرائيل"، إذ ليس هذا هو ما يضفي هذه الدرجة من الخطورة على هذه الأزمة بل إن مهاجمة "إسرائيل" لإيران هي الخطورة الكبرى التي تتهدد هذه الأزمة، أو ثمة الاحتمال الآخر، ألا وهو أن تقوم الولاياتالمتحدة، كي تتدارك هذا الاحتمال وتحبطه ولتقوم بالمهمة بصورة أفضل مما يمكن ل "إسرائيل" أن تصنعه على الاطلاق، بإنجاز هذا العمل بنفسها، وفي الحقيقة فإن سلاح "إسرائيل" النووي، أو بالأحرى حماية هذه القنابل قد أصبح أداة دبلوماسية ضد أكبر مستفيد منها. كان إرث "خطيئة أمريكا الأصلية" ذاتها، ذلك الإذعان منذ البدء على مضض لقيام "إسرائيل" نووية هو الذي تحول بالتالي إلى إقرار ومباركة وتبن غير مشروط لهذا الكيان النووي من قبل الإدارات التي تتعاظم وباطراد مناصرتها ل "إسرائيل" على ما يظهر، فلدينا ها هنا قوة عظمى، حسب ما كتب المحلل الاستراتيجي الأمريكي مارك جافني يقول: "على درجة مغرقة في العماوة والغباء، بحيث تدع دولة أخرى هي "اسرائيل" تتحكم بسياساتها الخارجية وتهيمن عليها، لا سيما في منطقة متفجرة على هذا القدر من الأهمية والخطورة وعلى هذه الدرجة من الاضطراب كالشرق الأوسط". وحذر في دراسة رائعة له من أنه ولأسباب تقنية وجغرافية يمكن لهجوم أمريكي على إيران أن ينتهي بكارثة شبيهة بتلك المذبحة التي حلت بساحة الفيالق العسكرية الرومانية في كاني جنوبي ايطاليا في عام 216 قبل الميلاد على يد جيش القائد القرطاجي هانيبعل، الذي كان أقل من الجيوش الرومانية بكثير عدداً وعدة. وما هذا إلا لأنه في أحد حقول التقنية العسكرية، وهو الصواريخ المضادة للسفن، سبقت روسيا أمريكا وتقدمت عليها بأشواط. ويمكن لحيازة إيران لصواريخ "ثري ام 82 موسكيت" المخيفة أن تحول الخليج العربي الى مصيدة هلاك تدمر الأسطول الأمريكي، وتجعل مياهه الضحلة المحصورة التي تعيق المناورة تصطبغ باللون الأحمر وتخضب بالدم الأمريكي. وتأكيداً على هذا ما فتئت التلميحات الأولى تصدر من أوساط إدارة بوش ذاتها بأنه وبالنظر لما يمكن لإيران أن تحدثه من خراب إقليمي في الحقيقة فإنه لن يكون هناك بالفعل شيء من الناحية الواقعية بيد الولاياتالمتحدة لتقوم به لمنعها من التحول الى دولة نووية. \r\n \r\n ويقودنا هذا الى الدرب الثاني الذي يمكن أن تسلكه الأزمة، حيث تضطر "اسرائيل" الى التخلي عن احتكارها للنووي ويلج الشرق الأوسط في لون من ألوان "توازن رعب" الحرب الباردة. ولربما كان هذا وضعاً مستقراً. ومن الجلي أن الملالي، شأنهم شأن "اسرائيل" ذاتها، سوف يقدمون على استخدام سياسي غير مسؤول لسلاحهم النووي. لكن معظم الخبراء يوافقون على الرأي الذي يذهب إلى ان سعي ايران الحثيث لحيازة الأسلحة النووية هو مثل سعي "اسرائيل" دفاعي في جوهره، وإن لم يكن يتسم في الأساس بصبغة "وجودية" تسكنها الهواجس المتعلقة بالمصير، ولا شيء كان بوسعه اقناعها بالحاجة لرادع غير تقليدي أكثر من ذاك المصير الذي حل ب "الدولة المارقة" الأخرى، عراق صدام، البلد الذي لم تهتز للولايات المتحدة شعرة ولم يختلج لها ضمير وهي تدبر لمهاجمته لأنه لم يكن في الحقيقة يمتلك أياً من أسلحة الدمار الشامل. وفي الحقيقة، حسب ما يقول المؤرخ العسكري "الاسرائيلي" مارتن فان كريفلد، فإنه سيكون من "الجنون المطبق" عدم التوجه لحيازة أسلحة نووية، ولكنه حتى الملالي لا يمكن أن يكونوا من العته الأخرق بحيث يقدمون على استخدام خيار الضربة الأولى لسلاحهم الردعي ضد "اسرائيل"، التي يمكنها أن ترد بضربة تالية مهولة مزلزلة فائقة القدرات. \r\n \r\n وأما الطريق الثالث، وهو تخلي ايران عن طموحاتها النووية فيمكن أن يحظى بأعظم الفرص ليتحقق، دبلوماسياً، إذا ما تمت استمالة ايران واقناعها بأن تنهج هذا النهج، ليس فقط لأن التبادلية وتكافؤ المواقف هو جوهر الحد من انتشار التسلح وفي الصميم من مساعي نزع الأسلحة الننوية، بل لأن الصراع العربي "الاسرائيلي" المفعم بالرمزية في واقع الحال، وبما أورث العرب والمسلمين من شعور بالظلم الفادح الذي يرون أن الغرب أوقعه بهم سيأخذ مساراً آخر يعاد فيه النظر الى ما يعتبره العالمان العربي والاسلامي ازدواجية في المعايير وتخف غلواء العداوة للغرب ثمرة لما سيبدو أنه تغير جذري طرأ على توجهات أمريكا وسياستها تجاه المنطقة وأسلوب تعاملها برمته مع هذا الجزء من العالم. \r\n \r\n ويمكن لهذا أن تكون له من الآثار الحميدة الطيبة ما هو أعظم بما لا يقاس من مجرد الأسلحة النووية. فكما قال المحلل العسكري "الاسرائيلي" المخضرم زئيف شيف: "ثمة سبيل أوحد لتجنب توازن رعب، ألا وهو استغلال ما تبقى من وقت، فيما لا نزال نحتكر النووي ونحتفظ بالتفوق، لإبرام سلام، أولاً مع الشعب الفلسطيني، ثم مع كل شعوب المنطقة. وفي اطار السلام يمكن إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية بالاتفاق على نظام تفتيش متبادل مشترك". لكن بديهيات ومسلمات الفلسفة النووية "الاسرائيلية" تلك هي السبيل الخاطئ. لأن إحلال السلام وإبرام معاهداته، وكما تنبأت مذكرة وكالة الاستخبارات الأمريكية بعيد، لا يتطلب من "اسرائيل" ما يجلبه معه الأمن المطلق من عناد وتصلب، بل يحتاج منها الى روح التوافق الوسطي التي تجيء بها جرعة موزونة وحكيمة من الخوف الأمني، ولربما كانت هذه فكرة مثالية من أفكار اليوتوبيا، لا سيما وأن العالم متشبع اليوم بتصور أن إيران هي شرور الدنيا، إلا أنها خير من هجوم أمريكي ضار شرس يمكن أن يراكم طبقة جديدة سميكة جداً تضاف الى جبل رواسب الكراهية والمشاعر المعادية للغرب بحيث يكون من الميئوس منها تماماً أن تحلم "اسرائيل" مجرد حلم بالحظوة بالقبول في المنطقة والعيش بسلام بين ظهرانيها. \r\n