دأبت ايران منذ سنين على تطوير خبراتها وقدراتها النووية، ويزعم هذا البلد أنه إنما يعكف على بناء برنامج نووي مدني وأنه ليست لديه طموحات لتطوير قنبلة نووية، لكن القوى النووية الرئيسية مثل الولاياتالمتحدة وبريطانيا، وفرنسا، إضافة إلى "إسرائيل" والأممالمتحدة ترى أن برنامج ايران النووي للأغراض المدنية يواري وراءه رغبة دفينة في تطوير أسلحة نووية، هذا وقد امضى المعسكران شهوراً طويلة من الجدل المحتدم والنقاش حول هذه المسألة، لكنه مع مجيء نجاد الى الرئاسة يبدو أن الأمور تتجه بصورة حتمية نحو الحسم النهائي الذي يحمل في طياته زعزعة استقرار المنطقة المضطربة أصلاً. \r\n \r\n وفي أسوأ الأحوال ربما تواجه ايران ضربة عسكرية تسددها لها "اسرائيل"، أو غزواً أمريكياً من الشمال عبر اذربيجان. \r\n \r\n وفي بؤرة هذا النزاع تكمن الصلة المعقدة بين الطاقة النووية والأسلحة النووية، فالبرامج النووية المدنية عليها تغتذي في الحقيقة البرامج العسكرية ووراءها تختبئ، فحالما يتمكن بلد ما من تخصيب اليورانيوم من أجل الطاقة النووية يصبح قاب قوسين أو أدنى من تطوير اسلحة نووية عمادها اليورانيوم. وكل بلد طوّر برنامج أسلحة نووية إنما ولج هذا الميدان عبر تطوير برنامج نووي مدني، ومن ثم عبر القنطرة الى البرنامج النووي العسكري. \r\n \r\n وفي غضون أيام من فوزه في السباق الرئاسي أفصح نجاد عن نواياه في متابعة برنامج ايران النووي المدني، حيث قال في مؤتمر صحافي: "الطاقة النووية هي الإنجاز العلمي للأمة والوطن الايراني، فهذه الطاقة هي للأمة الايرانية، وبكل تأكيد فإن تقدم بلد ما لا يمكن اعاقته .. والتنمية والتطوير العلمي والطبي والتقني لبلدنا ضرورة ملحة"، ويقول مسؤولون ايرانيون الآن إن بلادهم تريد بناء 20 مجمعاً للطاقة النووية. \r\n \r\n وحذر الرئيس الجديد الغرب من ان ينتهج ويسلك مسلك القوى الاستعمارية القديمة، وقال نجاد متحدثا إلى التلفزيون الايراني: "لايزال الغرب يفكر بعقلية السادة ملاّك الأراضي قبل قرن من الزمان، وما كان الاقطاعيون سادة الأراضي يتوقعون من الأقنان من فلاحيهم سوى الإنصات لكلماتهم والإذعان لإيعازاتهم، لكن عهد اتخاذ القرارات أحادية الجانب قد ولى إلى غير رجعة، فبلدنا لم يعد يقبل بالعلاقات المفروضة على الأمة فرضاً". \r\n \r\n غير أن "العلاقات المفروضة" هي بالضبط ما تسعى الولاياتالمتحدة وحلفاؤها إليه وتحاول إقحامه، فالولاياتالمتحدة، وقد كبّلت المقاومة أيديها في العراق، أفسحت المجال أمام ما يعرف ب "الثلاثة الأوروبيين" الكبار، وهم بريطانيا وفرنسا وألمانيا، بالمضي قدماً في مساعيها لوقف ايران والحؤول دون تطويرها لبرنامج تسلحها النووي، غير أن الولاياتالمتحدة لا تزال تمسك بخيوط اللعبة وتحركها. \r\n \r\n إلا أن الكثيرين، سواء في ايران أو في الغرب يعتقدون ان الموقفين الأوروبي والأمريكي منافقان، ففي ذات الوقت الذي تسعى فيه الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي إلى وقف نشاطات ايران في هذا السبيل وكفّها عن تطوير قدراتها النووية، فإن بريطانيا وأمريكا لا تحركان ساكنا باتجاه تقليص ترسانتيهما من الأسلحة العسكرية النووية، وهي الخطوة التي ينبغي عليهما القيام بها من خلال التزامهما باتفاقية الأممالمتحدة للحد من انتشار الأسلحة النووية، بل بلغ الأمر بالإيرانيين أن عرضوا أن يبعثوا إلى جورج بوش بأسطول من الشاحنات المحمّلة بالفستق الحلبي ان هو أقدم على تفكيك ترسانة أمريكا الضخمة من الأسلحة النووية، وتصف إيران ترسانة واشنطن بأنها تهديد رئيسي بالغ الخطورة للسلم العالمي. \r\n \r\n وضعت الاتفاقية الأممية للحد من انتشار الأسلحة النووية التي وقّع عليها 187 بلداً، وصيغت بنودها للتقدم نحو تحقيق نزع الأسلحة النووية والحيلولة دون حيازة بلدان جديدة للأسلحة النووية أو التقنيات التي تفضي إلى امتلاكها. وعندما وضعت هذه المعاهدة موضع التنفيذ في عام 1970 كانت هناك خمس دول نووية معلنة هي الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي (روسيا حالياً) والصين وبريطانيا وفرنسا، وهذه الدول ملزمة بعدم نقل الأسلحة أو المواد النووية إلى دول غير نووية. ويفترض وفقاً لهذه الاتفاقية ألا تسعى الدول غير النووية ولا تقوم بتطوير أسلحة نووية، غير انه يسمح لها في المقابل بتطوير قدراتها النووية للأغراض السلمية وللحصول على الطاقة. \r\n \r\n لكنّ الاتفاقية، مع أنها لا تزال سارية المفعول ينظر إليها على نطاق واسع على أنها تتداعى وتنهار، فهناك بادئ ذي بدء ثغرات في هذه الاتفاقية، وهناك دول ثلاث هي الهند وباكستان و"إسرائيل" معروف أنها تمتلك أسلحة نووية غير انها لم تنضم قط إلى هذه المعاهدة ولم توقع عليها، كما أن كوريا الجنوبية التي لا تمتلك أسلحة نووية انسحبت هي الأخرى من الاتفاقية تاركة الدول الأخرى في حالة عجز عن السيطرة عليها. \r\n \r\n فإذا ما استقرأنا جوهر الأمور نرى ان بوش آخذ بالتحول إلى شرطي للعالم يريد بسط هيمنته على الصناعة النووية. \r\n \r\n غير أن مما يقوض هذه الثقة أيضاً نفاق الولاياتالمتحدة وبريطانيا. فالبند السادس من معاهدة الأممالمتحدة للحدّ من انتشار الأسلحة النووية ينص على قيام الموقعين على الاتفاقية بخفض ترساناتهم من هذه الأسلحة. ولم يتم في الواقع خفض هذه الترسانات بصورة جذرية. \r\n \r\n تطل علينا الشهر المقبل الذكرى المئوية الستون لإلقاء القنبلة النووية الأولى التي اسقطت على مدينة هيروشيما اليابانية، ولسوف يظل ذاك الحدث جاثماً على ذاكرتنا ليعيد إلى الأذهان الفظاعة الحقيقية للأسلحة النووية، وإذا كان ثمّة سبيل إلى العثور على حل للتهديد النووي فينبغي على الولاياتالمتحدة وبريطانيا أن تشرعا بتقليص ترسانتيهما النوويتين بصورة جذرية. ويقول بيت روش، مستشار جماعة السلام الأخضر للدفاع عن البيئة في بريطانيا: "لا يمكن لبريطانيا وأمريكا ان تظلا سادرتين بعد اليوم في غيّهما وموقفهما الذي يتلخص في عبارة (خذوا بأقوالنا ولا تأخذوا بأفعالنا)". \r\n \r\n \r\n \r\n * كاتب مستقل متخصص في قضايا البيئة والصحة والعولمة، ويشارك في تحرير موقع "سبن ووتش" لرصد التضليل الإعلامي. \r\n