غير أن تلك لم تكن سوى بداية فحسب، بحكم أن الجزء الغالب من الإقليم ظل عرضة دائماً لنشوب أحداث العنف المتفرقة هنا وهناك، مما أسفر عن تشريد ما يزيد على مليون مواطن من سكان الإقليم ولجوئهم إلى المعسكرات. وبفضل جهود الإغاثة الإنسانية الكبيرة التي قامت بها الأممالمتحدة، فقد انخفض عدد الموتى جراء الجوع أو المرض بنسبة كبيرة وملحوظة. ووقتها كان هناك اتفاق ساري المفعول لوقف إطلاق النار، لابد من الاعتراف الآن بأنه جرى انتهاكه وخرقه. وفي الجانب الآخر كانت تتواصل محادثات السلام بين الحكومة السودانية وحركات تمرد دارفور في العاصمة النيجيرية أبوجا بحضور ممثلين عن الاتحاد الإفريقي، على أمل أن تتوصل الحركات والحكومة لإبرام اتفاق سلام فيما بينهما نهاية عام .2005 وفي الوقت ذاته كانت هناك بعض المؤشرات الإيجابية الأخرى، لعل من أهمها إحالة الوضع الجاري في الإقليم من قبل مجلس الأمن الدولي إلى المحكمة الجنائية الدولية، مصحوباً بقرار داعم اتخذه مجلس الأمن، نص من حيث المبدأ على فرض عقوبات محددة على الأفراد المسؤولين عن الفظائع الوحشية التي شهدها الإقليم خلال العامين الماضيين. \r\n وكان أملي أن أكتب تقريراً إيجابياً عن النتائج التي أفضت إليها كل هذه الجهود، أؤكد فيه على أنها أثمرت سلاماً واستقراراً، وأن الإقليم ماض باتجاه استرداد أمنه وعافيته. ولكن المؤسف أن العكس تماماً هو الصحيح. فلا يزال مواطنو الإقليم في الجزء الغالب منه، يقتلون ويتعرضون للاغتصاب الوحشي ويطردون ويشردون من ديارهم بالآلاف. ذلك أن عدد المشردين من ديارهم قد بلغ اليوم نحو مليوني مواطن، في حين ظلت تعتمد ثلاثة ملايين أخرى -أي ما يعادل نصف سكان الإقليم- على المعونات الدولية في الجانب الغذائي وغيره من ضرورات الحياة وأساسياتها. بل الأخطر من ذلك، أن أجزاء واسعة من الإقليم أضحت أكثر اضطرابا، بحيث لا يستطيع عمال الإغاثة الدولية الوصول إليها. أما محادثات السلام بين الطرفين، فهي أبعد ما تكون عن التوصل إلى اتفاق أو نتيجة إيجابية. ومما يزيد الأوضاع تعقيداً أن دائرة القتال موشكة على الاتساع والانتقال إلى الجارة تشاد. وعلى رغم أزمة التمويل المزمنة التي يعانيها الاتحاد الإفريقي، فإن قواته المرابطة في دارفور، قد أحسنت صنيعاً هناك. ففي ظل وجودها يشعر المواطنون بالطمأنينة والأمن. إلا أن المشكلة أن عدد هذه القوات من الضآلة بحيث يتعذر عليها أصلاً تغطية مساحة شاسعة تعادل تقريباً مساحة ولاية تكساس الأميركية، مع العلم بأن تلك القوات تتألف من قوة حماية قوامها 5 آلاف جندي، تساندهم قوة إضافية مؤلفة من ألفي فرد من قوات الشرطة والمراقبين العسكريين. وتعوز هذه القوات المعدات العسكرية اللازمة، والتفويض العسكري الواسع الذي يمكنها من حماية المواطنين المدنيين وفرض ومراقبة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الذي كثيراً ما يجري انتهاكه سواء من قبل متمردي الإقليم أو من قبل مليشيات الجنجويد والقوات الرسمية السودانية. \r\n وفي الثاني عشر من شهر يناير الجاري، قرر الاتحاد الإفريقي تجديد مدة صلاحية التفويض الممنوح لهذه القوات حتى الحادي والثلاثين من شهر مارس المقبل، متبوعاً بتأييد الاتحاد لمبدأ إحالة هذه المهمة إلى الأممالمتحدة خلال العام الجاري. ولا يزال النقاش جارياً حول توقيت عملية نقل المهمة هذه، بما في ذلك المناقشات التي جرت في القمة الإفريقية التي انعقدت في العاصمة السودانية الخرطوم هذا الأسبوع. ها هنا يكون مجلس الأمن قد احتل موقع الصدارة وخطوط الفعل الأمامية. وكما نعلم فقد نص ميثاق الأممالمتحدة على أن تكون المسؤولية الأولى عن حفظ السلام والأمن العالميين لمجلس الأمن الدولي. وفي سبتمبر من العام الماضي، خطت الجمعية العامة للأمم المتحدة خطوة تاريخية غير مسبوقة، وذلك بتصويتها بالإجماع على قرار يقضي بأن تتولى المنظمة الدولية مسؤولية حماية المواطنين من جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب وكافة الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية، إلى جانب تعهد المنظمة باتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة لهذه الحماية عبر مجلس الأمن الدولي، عندما تفشل الحكومات الوطنية في القيام بهذه المهمة. \r\n هذا وقد أصبح تحويل مهمة الاتحاد الإفريقي إلى مهمة حفظ سلام تضطلع بها الأممالمتحدة في إقليم دارفور أمراً لا مناص منه الآن. وأصبح لزاماً على مجلس الأمن الدولي اتخاذ قرار فوري وحازم لنقل هذه المهمة إليه. وليس لأحد أن يتصور أنه في الإمكان حل هذه الأزمة بمجرد إلباس مهمة الاتحاد الإفريقي الحالية مظلة دولية ترتديها قوات الأممالمتحدة. ولابد لأي مهمة جديدة من تفويض قوي وواضح، يمكنها من حماية المواطنين من الخطر الذي يهدد حياتهم، بما في ذلك استخدام القوة إن دعا الأمر، وتوفير الوسائل اللازمة لذلك. وكل هذا يشير إلى ضرورة أن تفوق القوة الدولية قوة الاتحاد الإفريقي الموجودة حالياً من حيث الحجم والعدد، وأن يجري تزويدها بالمعدات والآليات وأن تتمتع بفرصة أوسع للحركة والتنقل. وأضحي واجباً على الدول التي لديها المعدات والمتطلبات العسكرية اللازمة لهذه المهمة، أن تكون على أهبة الاستعداد لنشر ما لديها. \r\n ومن المؤكد أن نشر قوة كهذه، سوف يستغرق من الأممالمتحدة بضعة أشهر، مما يعني ضرورة بقاء وتعزيز القوة التابعة للاتحاد الإفريقي الموجودة في الإقليم حالياً. والسبب بالطبع هو عدم إمكانية السماح بوجود أي فراغ أمني أو إضعاف القوة الموجودة هناك الآن. وفي شهر مايو الماضي، كان الاتحاد الإفريقي والأممالمتحدة قد عقدا اجتماعاً للمانحين في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بقصد جمع الأموال والدعم اللوجستي اللازمين لقوة الاتحاد. كما تقرر عقد اجتماع آخر للمتابعة في شهر فبراير المقبل. وفي غضون ذلك، لابد من استمرار عمليات الإغاثة الإنسانية الكبيرة الموجهة للإقليم، ولابد من متابعة ضخ الأموال الكبيرة التي تتطلبها، حتى يتمكن المجتمع الدولي من توفير متطلبات مواطني الإقليم من مياه الشرب والغذاء وغيرها من المتطلبات الأساسية. \r\n وأخيراً لابد من ممارسة المزيد من الضغوط على كلا الطرفين -فصائل التمرد والحكومة السودانية- لضمان الالتزام بوقف إطلاق النار، وحثهما على المضي قدماً في محادثات أبوجا، مع استشعار المسؤولية الشخصية إزاء النتائج التي تفضي إليها المحادثات. وقبل أن نختتم، فإنه لاشك في أن أقصى ما يمكن أن تحققه أي قوة أجنبية في دارفور، هو توفير أمن مؤقت وعارض لمواطني الإقليم، وأن السبيل الوحيد المفضي لاستتباب الأمن المستقبلي الدائم في الإقليم، ولعودة المواطنين الفارين من ديارهم، هو إبرام اتفاق سياسي بين طرفي النزاع هناك. \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست'' \r\n