وتخطط وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة في اليابان الآن إلى الإعلان عن خطة موجزة لاستراتيجية الطاقة بعد شهر وسوف تطلب إنشاء لجنة استشارية للقيام بمراجعتها وصياغتها بالشكل النهائي لعرضها في حزيران/ يونيو المقبل على رئاسة الحكومة ويستدل من المسودة التي وضعتها الوزارة باسم «استراتيجية الطاقة القومية الجديدة» أنها من المتوقع أن تطالب بما يلي: 1 - تخفيض اعتماد اليابان على النفط بمعدل 40% حتى عام 2030 وضمان الحصول على مصادر الطاقة من الخارج عن طريق تعزيز وجود وقوة شركات الطاقة اليابانية. ومن الواضح أن الخطة التي ستتبعها الحكومة اليابانية لتأمين الضمانات المطلوبة لأمن الطاقة ستدفعها إلى إطلاق مرحلة جديدة في سياسة الاعتماد على الطاقة النووية. وتبين منذ وقت قريب أن الحكومة كشفت عن خطة لبناء مفاعل نووي بقيمة تريليون ين ياباني أي 7،8 مليار دولار وإنشاء شركات طاقة محلية وسوف يجري أول تدقيق في عملية الاستفادة من البلوتونيوم في الشهر المقبل. وفي تطور لافت ومهم ستندمج أكبر شركتي نفط يابانيتين هما شركة (اينبيكس وتاكيكو للنفط) رقم 1 ورقم 3 في عمليات مشتركة في نيسان/ ابريل المقبل ضمن شراكة في مناقصة ضخمة على مستوى العالم لتأمين قدرة هائلة في ضمان استمرار التزود بالنفط. ويبدو أن هذه التحركات اليابانية لتأمين أوسع للطاقة تترافق مع القلق الياباني تجاه قدرة اليابان على ضمان التزود بالنفط من أجل تحريك قدرة اقتصادية متزايدة، خصوصاً وأنها تمثل ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم. فاليابان تلاحظ أن أسعار النفط الخام توقفت عند 60 دولاراً للبرميل الواحد في أسواق العالم وهذا السعر مثير للقلق رغم أنه أقل من السعر الذي بلغه برميل النفط في آب/ أغسطس 2005 وهو 70 دولاراً. فكلما استمرت أسعار النفط على هذا القدر العنيد من الأسعار ازدادت وتكثفت عملية المنافسة على احتياطي النفط في العالم وخصوصاً المنافسة التي تمثلها رغبة الصين والهند بالحصول على أكبر نسبة من النفط في السوق لتلبية حاجاتهما المتزايدة من هذه المصادر. وقد تحولت المصادر الجديدة للطاقة إلى مصادر جديدة لتوترات محتملة ونزاعات متوقعة مثلما جرى حين وقع نزاع في شرقي آسيا على الغاز بين طوكيو وبكين في المياه المتنازع عليها بينهما في بحر الصين الشرقي. ومن المعروف أن اليابان تستورد معظم النفط الذي تحتاجه ويأتي 90% من هذا النفط من الشرق الأوسط المشتعل بالنزاعات. وكان من المحتم أن يحمل ارتفاع أسعار النفط في عام 2005 أخطاراً كبيرة على اقتصاد اليابان. وبسبب أزمة النفط عام 1973 وحظر النفط العربي الذي ولدها، شهد الاقتصاد الياباني لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية انخفاضاً في نسبة النمو الاقتصادي الذي انطلقت نحوه اليابان في الستينات واستمرت حتى ذلك العام 1974. وكانت اليابان قد أنقذت نفسها بعد ذلك من أزمتي نفط كبيرتين عن طريق الجهود التي بذلتها في الابتكارات التكنولوجية. وما زال الشعب الياباني يتذكر تلك الأزمات ويطلق عليها اسم «الهزات النفطية».. وفي يومنا هذا يعتبر اقتصاد اليابان فعالاً من ناحية تعامله مع الطاقة واستثماره لها بالشكل الأفضل. وتشير التقديرات الراهنة إلى أن الأمة اليابانية تحتاج الآن إلى 55 كيلو ليتر من النفط الخام لتحقيق «نتاج شامل» بقيمة 100 مليون ين في حين أنها كانت تحتاج إلى 106 كيلو ليتر لتحقيق النتيجة نفسها في عام 1980. وأصبح لدى اليابان الآن مقادير من النفط الاحتياطي الذي يكفي ل170 يوماً. ولا شك أن وجود ين قوي يؤدي إلى تحقيق استيراد رخيص للنفط سيلعب دوراً مهماً في امتصاص آثار ارتفاع أسعار النفط الحادة. ويذكر أن اليابان شهدت عام 1980 أزمة حين بلغ سعر برميل النفط 40 دولاراً وكان الدولار الأميركي يساوي 202 إلى 264 يناً، لكن الدولار الآن يساوي 106 ينات وهذا ما يخفف أزمة ارتفاع أسعار النفط نسبياً. وأصبح من المؤكد الآن أن اقتصاد اليابان أكثر ملاءمة أمام أي ارتفاع لأسعار النفط بالمقارنة مع وضعه السابق في أزمة السبعينات. لكن هذا كله لا يعني أن اليابان يمكن أن تشعر بالسلامة والطمأنينة على المدى المتوسط أو المدى الطويل في موضوع تأمين النفط وضمان استمراره بالشكل المناسب. فبالإضافة إلى تعرض سلعة النفط لقوانين التجارة ولحالات الطقس في وصوله، لا تزال أسعار النفط مرتفعة وسوف تستمر على وضعها الراهن في عام 2006 وما بعده بسبب عوامل بنيوية لا يمكن تغييرها بين ليلة وضحاها. ومن بين هذه العوامل هناك الارتفاع الحاد بالطلب على النفط في آسيا الذي تقوده الصين والهند أكبر تجمع لسكان الكرة الأرضية، وهناك عامل يتعلق بطاقة إنتاج النفط المحددة والمحدودة نسبياً لدول منظمة (أوبيك). وتتوقع وكالة الطاقة الدولية (آي إي أ IEA) أن يرتفع الطلب على الطاقة (النفط) ب60% في عام 2030 عما هو عليه في هذا العام. وهناك توقع بأن ينخفض إنتاج النفط في 2010 أو في بداية 2040 بموجب أكثر التنبؤات تفاؤلاً. ولذلك تشير خطة استراتيجية النفط اليابانية الجديدة إلى ضرورة زيادة الجهود الرامية إلى توفير الاستخدام في الطاقة وإلى تطوير تقنيات تتيح توفير الطاقة من أجل تخفيض معدل استهلاك الطاقة بنسبة 30% حتى عام 2030 لكي تضمن البلاد استقرار تزودها بالنفط في ظل المنافسة التي ستشتد على مصادر النفط. وكانت اليابان قد نجحت خلال العقود الثلاثة الماضية في تخفيض اعتمادها على النفط بنسبة مهمة وسوف تواصل سياستها هذه عبر خطط جديدة تعتمد فيها على تعزيز استخدام الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية والطاقة التي تتولد عن الرياح. \r\n \r\n \r\n زيادة الاهتمام بالطاقة النووية \r\n \r\n من الملاحظ أن الخطة الجديدة ستعتمد على الدعوة إلى زيادة النسبة المئوية التي تتوفر لليابان من مصادر الطاقة النووية لتغطية الاحتياجات من الكهرباء وقد تصل هذه النسبة إلى 4% في عام 2030. وكانت «لجنة الطاقة النووية» اليابانية وهي أعلى هيئة في الحكومة قد تبنت خطة لصيانة البرنامج النووي ومنشآته لتوليد الطاقة واستخلاص البلوتونيوم من أجل الوقود النووي وتأمين وجوده للمستقبل. ويذكر أن مفاعل (مونجو) الذي أجبرت هيئة الطاقة النووية اليابانية على إغلاقه في عام 1994 بسبب تسرب الصوديوم منه سيعود للعمل من جديد بموجب خطة واسعة لتحديثه واستخدامه لتزويد الطاقة. وبالإضافة إلى ذلك، كشفت الوكالة اليابانية للمصادر الطبيعية والطاقة في الشهر الماضي عن نيتها بناء مفاعل ومنشأة نووية حتى عام 2030 بكلفة تريليون ين للحلول محل المفاعل مونجو. وسوف يجري استخدام المفاعل الجديد كمفاعل نموذجي لمدة عشر سنوات ثم يتم بعد ذلك استخدامه للأغراض التجارية والحلول محل مفاعلات «الماء الثقيل» في 2050. وإلى جانب هذه الخطط، كشفت الوكالة المذكورة عن وجود خطة لبناء منشأة حتى عام 2045 لإنتاج خليط يورانيوم - بلوتونيوم يسمى «وقود الأوكسيد» (موكس) (Mox) من أجل استخدامه في مفاعل سريع الانتاج لأن المفاعل المماثل له والموجود في روكاشو من المقرر أن ينهي عملياته في عام 2045 ولا بد من إيجاد بديل له في ذلك العام. وتتحدث الخطط التي كشف عنها في هذا الشهر عن أن 11 شركة كهرباء يابانية ستستهلك 5،6 طن من البلوتونيوم سنوياً في المنشآت النووية بعد استكمال مشروع ضخم لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية قريباً. ووضع اتحاد شركات الطاقة الكهربائية خططاً لاستخدام البلوتونيوم في 16 إلى 18 منشأة توليد كهرباء حتى نهاية عام 2010، وذكرت الشركات اليابانية أنها تخطط في البداية إلى استخدام البلوتونيوم المستورد من الخارج من بريطانيا وفرنسا وسوف تستعيض عنه بالبلوتونيوم الذي سينتج في اليابان في عام 2012. ومن المقرر أن تحرص الشركات اليابانية على إعطاء أرقام دقيقة حول استهلاك هذا البلوتونيوم للأغراض السلمية المدنية لإقناع الشعب الياباني بأنه لا يستخدم لأغراض عسكرية نووية. وتنوي هذه الشركات الحصول على 6،1 طن من البلوتونيوم لاستخدامه في مفاعل (روكاشو) في نهاية عام 2006. ويذكر أن اليابان قادرة على إنتاج وقود نووي من منشأة تستهلك 4 أطنان بلوتونيوم سنوياً، علماً أن شركات الكهرباء اليابانية ترسل 30 طناً من البلوتونيوم إلى بريطانيا وفرنسا لمعالجتها في هذين البلدين واستخدامها في ما بعد في اليابان في المنشآت التي تولد الكهرباء. وعلى الرغم من أن اليابان تلقت ضربة بأسلحة نووية في الحرب العالمية الثانية على يد الولاياتالمتحدة، إلا أنها دولة لا تؤيد انتشار السلاح النووي وقد وقعت على اتفاقيته ومع ذلك تسمح لها وكالة الطاقة الدولية النووية بتخصيب اليورانيوم وإنتاج الوقود النووي لأغراض سلمية ومدنية. \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n الاهتمام بالمزيد من نفط هينومارو الياباني: \r\n \r\n من المتوقع أن تدعو استراتيجية الطاقة القومية الجديدة إلى زيادة معدل إنتاج نفط هينومارو أو النفط الذي يعالج في اليابان ويستورد عادة من منتجين يابانيين محليين. فالمطلوب أن تصبح نسبة 40% من حاجات النفط محلية حتى عام 2030 بدلاً من 15% في الوقت الراهن. ومن أجل تحقيق هذا الهدف تؤكد الاستراتيجية الجديدة على ضرورة تعزيز قدرة الشركات اليابانية المحلية على التنافس مع الشركات الأجنبية. ولذلك تصبح فكرة اندماج شركتي النفط اليابانيتين الكبيرتين (اينبيكس) و(تايكوكو) في نيسان/ ابريل المقبل خطوة متقدمة في هذا الاتجاه. ولا شك أن شركة (ميتي Meti) اليابانية التي تملك 36% من أسهم (اينبيكس) قد لعبت دوراً مهماً في الزواج بين الشركتين من أجل مواجهة التحديات المقبلة مع شركات النفط الأجنبية الضخمة في أسواق النفط. فكلما ازداد الطلب على المصادر العالمية للنفط ازدادت حدة التنافس بين شركات النفط الضخمة في كل أنحاء العالم، واليابان تجد أن أكبر دولتين تنافسانها على هذه السلعة الاستراتيجية في العالم هي الصين والهند. فالصين تحولت إلى أكبر مستورد للنفط الخام منذ عام 1993 وأصبحت ثاني أكبر دولة مستهلكة للنفط بعد الولاياتالمتحدة في عام 2003، وتحولت اليابان إلى ثالث دولة بعدها. والصين تعتمد الآن في تلبية حاجاتها النفطية على استيراد ما يزيد على 40% من الخارج أما الهند فتعتمد على استيراد 70% من الخارج. وتكمن الخطورة في حقيقة أن هذه النسبة ستزداد كثيراً في المستقبل وكانت الصين قد أثارت انتباه سوق النفط العالمي بطمعها الشديد في الصيف الماضي عندما قامت شركة النفط الصينية الخارجية كنولو بمحاولة الفوز بعرض للنفط والغاز من شركة أونوكول ثم تخلت عنه بعد مقاومة أميركية وفرت لشركة شيفرون الأميركية الفوز به. لكن الصين لا تزال تمتلك مستودعات نفطية أجنبية حصلت عليها في عروض قبل عام أو عامين من سوق النفط، وتمكنت الصين من السيطرة على بعض الشركات النفطية التي تتخذ من كندا مقراً لها مثل شركة (بيترو قازاخستان) التي تعمل في قازاخستان نفسها ومثل شركة أكوادورية للنفط. وتمتلك الصين أيضاً مصالح نفطية على ساحل أنغولا بعد أن تساهلت في تمديد فترة تسديد أنغولا لقرض بقيمة ملياري دولار، ودشنت الصين وقازاخستان خط أنابيب نفطي بطول ألف كيلومتر في الشهر الماضي يصل إلى منشأة (قازاك) غربي الصين. وتمكنت الصين في هذا الأسبوع من شراء 45% من أسهم الشركة النفطية (أكبو) في نيجيريا بقيمة 27،2 ملياري دولار وأبعدت الهند عن النجاح في شرائها. وفي الشهر الماضي وقعت الشركة الصينية للنفط (سي إن بي سي) عقد شراكة مع شركة هندية أخرى وتمكنت الاثنتان من الفوز بمناقصة لإنتاج النفط من سورية والحصول على 38% من حقل نفط (الفرات). ويرى المحللون الاستراتيجيون أن بداية التعاون بين الصين والهند في ميدان تأمين النفط يظهر جلياً في هذه الصفقة التي يحتاجها البلدان من أجل استمرار نموّهما الاقتصادي. ولا تكترث الصين بأي عرقلة قد تواجهها في طريق الحصول على النفط، فهي تحصل على النفط حتى من السودان رغم وجود غضب دولي مما يجري في دارفور السودانية. وظهر في الآونة الأخيرة أن الصين تتحدى الولاياتالمتحدة، فهي دعمت علاقاتها في السنتين الماضيتين مع كوبا وفنزويلا ومع إيران ومع دولة ماينمار وسمحت كوبا للصين بالتنقيب عن النفط قرب سواحل هافانا، وقامت فننزويلا بمنح الصين عقوداً للتنقيب عن النفط واستخراجه منها. ووقعت الصين اتفاقية لشراء النفط والغاز من إيران ولتطوير حقل نفط (يادافاران) في إيران كما وقّعت الهند على صفقة غاز بقيمة 6 مليارات دولار مع إيران ومد خط أنابيب غاز بين إيران والهند عبر الباكستان. ونجحت الصين في تطوير العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية مع دولة ماينمار بخطوة تحدت فيها الولاياتالمتحدة وأوروبا التي فرضت على ماينمار عقوبات. وتسعى الصين إلى ضمان تأمين نفط بشكل مستقر، إضافة إلى الغاز وتتطلع إلى مد خط أنابيب نفط يربط بين ماينمار وكونمينغ داخل الصين في إقليم يونان بقيمة ملياري دولار. كما وقعت الصين في نهاية كانون أول/ ديسمبر 2005 اتفاقية مع كوريا الشمالية من أجل تطوير احتياطيات النفط الكورية الشمالية في الساحل. وفي هذا السياق، ازدادت حدة التنافس على النفط بين الصين واليابان خصوصاً في بحر الصين الشرقي القريب من مياه اليابان التي تدعي حقها فيه. وفي السنة الماضية قررت اليابان بناء أول سفينة ضخمة مصممة لاستطلاع احتياطي النفط داخل أعماق البحار كما قامت اليابان بتخصيص 2،8 مليارات ين إضافي لميزانية الجيش الياباني من أجل تعزيز قدرته والتغلب على الغواصات التي تتجسس على اليابان من البحر. وفي شؤون النفط تميل روسيا القريبة من اليابان إلى تفضيل الصين في إبداء الاهتمام النفطي الروسي بها لأن التحالف الروسي - الصيني بدأ يتخذ مظاهر لم يسبق لها مثيل بين دولتين كانتا متخاصمتين في العهد السوفياتي. وأبدت الصين مرونة كبيرة تجاه نزاع الحدود بينها وبين موسكو لكي تفوز بتحالف اقتصادي وتكنولوجي مع روسيا المتطورة... ولذلك ستبقى اليابان تواجه الصين على أكثر من صعيد وهو ما تسر له الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n \r\n