\r\n واستناداً إلي تحليل قياس التراجع الاقتصادي الذي قام به شيللر وزميله جون كامبل من جامعة هارفارد، توقع شيللر في عام 1996 أن تشكل سندات ال ( ) سفذالخمسمائة استثماراً سيئاً طيلة العقد التالي. ولقد زعم أن القيمة الحقيقية لسندات ال( ) سفذ( الخمسمائة سوف تتدهور خلال العقد الذي ينتهي بحلول شهر يناير 2006 وحتي بإضافة أرباح السندات، فإن تقديره للعائدات المرجحة المعدلة وفقاً للتضخم، والتي سيحصلها المستثمرون من حملة سندات ال)سفذ( الخمسمائة، كان صفراً وهذا التقدير بالطبع أقل كثيراً من نسبة ال 6% سنوياً تقريباً التي كنا نتوقعها للعائد السنوي الحقيقي، باعتبارها النسبة المثالية لسوق الأوراق المالية الأمريكية.\r\n كانت حجج شيللر قوية إلي الحد الذي دفع ألان جرينسبان إلي إلقاء خطبته الشهيرة حول ''الوفرة الطائشة'' في المعهد الأمريكي للتجارة في شهر ديسمبر عام 1996 ولا أستطيع أن أنكر أن حججه قد أقنعتني أنا أيضاً. \r\n لكن شيللر لم يكن مصيباً. وما لم تنهار سوق الأوراق المالية الأمريكية قبل نهاية شهر يناير فهذا يعني أنها استمرت طيلة العقد الماضي في تقديم عائدات أعلي قليلاً من المتوسطات التاريخية وبالطبع كانت تلك العائدات أعلي كثيراً من الصفر. بل لقد نجح أولئك الذين استثمروا أموالهم ثم أعادوا استثمارها في سوق الأوراق المالية الأمريكية طيلة العقد الماضي في مضاعفة أموالهم تقريباً، حتي إذا ما وضعنا عامل التضخم في الحسبان. \r\n ولكن ما السبب وراء الخطأ الذي وقع فيه شيللر نستطيع أن نشير إلي ثلاثة عوامل، وننسب إلي كل منها ثلث الفضل في العائد السنوي الحقيقي الذي بلغ 6% بدلاً من صفر طيلة العقد الماضي: \r\n ف التطورات التقنية الحديثة التي يرجع إليها الفضل في ''الاقتصاد الجديد'' الحقيقي، والذي أدي إلي التعجيل بنمو إنتاجية الشركات الأمريكية. \r\n ف التحولات التي طرأت علي توزيع الدخل فأبعدته عن العمالة وقربته إلي رأس المال، الأمر الذي أدي إلي تعزيز أرباح الشركات كنصيب في الإنتاج. \r\n ف اتساع حيز المجازفة من جانب المستثمرين في سوق الأوراق المالية، وهو ما أدي فيما يبدو إلي رفع معدلات مكاسب السعر علي الأمد البعيد بنحو 20%. \r\n لم يكن أي من هذه العوامل واضحاً في عام 1996 (علي الرغم من وجود بعض المؤشرات الدالة علي العامل الأول، وبعض الإلماحات إلي العامل الثالث، والتي أدركها الأذكياء أو المحظوظين آنذاك). في عام 1996 كان الرهان علي تحليل التراجع الذي قدمه شيللر سلوكاً معقولاً، بل وربما كان تصرفاً ذكياً آنذاك. لكنه كان أيضاً تصرفاً في غاية المجازفة، كما أدرك كل من تبني استراتيجية مجموعة السندات التي تضمنها تحليل شيللر. \r\n كل ذلك لا يقلل من أهمية السؤال الذي طرحه شيللر. ما الذي يجعل أسواق البورصة في كل أنحاء العالم عرضة للإصابة بنوبات من ''الوفرة الطائشة'' و''التشاؤم المفرط'' لماذا يحجم المستثمرون المتعقلون المطلعون عن اتخاذ المزيد من الخطوات للمراهنة علي القواعد الأساسية وضد حماسة الجمهور غير المطلع \r\n نستطيع أن نستخلص سببين من تجربة العقد الماضي. يتلخص الأول إذا ما سلمنا بأن تحليل التراجع الذي قدمه لنا شيللر منذ عقد من الزمان قد نجح في تحديد القواعد الأساسية بعيدة الأمد في أن الرهان علي القواعد الأساسية البعيدة الأمد أمر يحمل في طياته مجازفة خطيرة. فخلال عقد من الزمان قد يطرأ من الأحداث الطيبة ما يكفي لإفلاس المضاربين علي الهبوط، حتي ولو كانوا مدعومين بعض الشيء، حين تبدو أسعار السندات في ارتفاع؛ وقد يطرأ من الأحداث السيئة ما يكفي لإفلاس المضاربين علي الصعود، حتي ولو كانوا مدعومين بعض الشيء، حين تبدو أسعار السندات في انخفاض. \r\n وعلي هذا، فحتي في ظل الأوضاع المتطرفة مثل الارتفاع الحاد لفقاعة شركات النقل في أواخر عام 1999 وأوائل عام 2000 يكون من الصعب للغاية حتي بالنسبة لأولئك الذين يظنون أنهم يعرفون ما هي القيم الأساسية أن يجازفوا بمبالغ ضخمة علي الأمد البعيد. بل إن الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لهؤلاء الذين يزعمون أنهم يدركون هذا، والذين يرغبون في الدخول في مجازفات مناقضة للتوقعات السائدة علي الأمد البعيد، بهدف إقناع الآخرين بائتمانهم علي أموالهم. \r\n لو كان من السهل أن نخترق حجب الزمن والجهل، فبات بوسعنا أن نحكم علي القيم الأساسية بعيدة الأمد بقدر كبير من الثقة، لكان من السهل والآمن أن ندخل في مجازفات ضخمة مناقضة للتوقعات السائدة علي الأمد البعيد، استناداً إلي القواعد الأساسية، ولكان من شأن الأموال الذكية في هذه الحالة أن تهدئ من حماسة واندفاع الجمهور غير المطلع سواء كان ذلك الحماس إيجابياً أو سلبياً. \r\n ولكن بطبيعة الحال ليس بوسعنا أن نتغلب علي عقبة المجهول علي الأمد البعيد. وكما أجاب جيه. بي. مورجان حين طُلِب منه أن يتكهن بأسعار الأسهم فقال: ''سوف تكون متذبذبة''. \r\n