\r\n منذ أصبح هيو جينتاو رئيساً في عام 2003، ظل يحذر مراراً وتكراراً من أن اقتصاد الصين يتصاعد علي نحو مفرط، ولقد أتت تحركات حكومته مؤخراً متفقة مع هذا التصور، فرفعت أسعار الفائدة في شهر أكتوبر الماضي، وفرضت ضريبة جديدة علي مبيعات المساكن في يونيو، ورفعت قيمة اليوان في يوليو. \r\n \r\n لكن المزاعم التي تقول إن اقتصاد الصين يتصاعد علي نحو مفرط لا تعتمد علي ملاحظة ورصد دلائل التضخم. فعلي الرغم من أن مؤشر أسعار المستهلك ارتفع بنسبة 5.3% في العام المالي الذي انتهي في يوليو 2004، إلا أن ذلك كان راجعاً بصورة أساسية إلي ارتفاع حاد في أسعار السلع الغذائية؛ أما فيما قبل، ومنذ حدث ذلك فقد كانت نسبة التضخم ضئيلة. \r\n \r\n كما أن هذه المزاعم لا تعتمد علي سوق الأوراق المالية الصينية، والتي كانت بصورة عامة تتبع مساراً منحدراً طيلة الأعوام القليلة الماضية. \r\n \r\n ولكن بدلاً من ذلك، فإن هؤلاء الذين يزعمون أن الاقتصاد الصيني يتصاعد علي نحو مفرط يستشهدون بارتفاع معدلات الاستثمار في المنشآت الصناعية والمعدات والعقارات، والتي بلغت 43% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2004. ومن وجهة النظر هذه، فإن الصين كانت تستثمر أكثر مما ينبغي، فتبالغ في بناء المصانع، وتبالغ في استيراد المعدات، وتبالغ في بناء المساكن الجديدة. \r\n \r\n ولكن هل يتسني لاقتصاد ناشئ أن يستثمر أكثر مما ينبغي؟ ألا يعني الاستثمار تحسين حياة الناس وظروفهم المعيشية؟ الحقيقة أنه كلما زادت أعداد المصانع والمعدات والآلات التي تملكها دولة ما، وكلما حرصت تلك الدولة علي إحلال المصانع والمعدات الحديثة في مكان المصانع والمعدات القديمة، كلما كانت قوتها العاملة أكثر إنتاجية. وكلما بنت تلك الدولة المزيد من المساكن، كلما ارتقت بالحياة الخاصة لمواطنيها. \r\n \r\n تؤكد بعض الدراسات أن النمو الاقتصادي مرتبط بالاستثمار في الآلات والمصانع. ففي عام 1992 أثبت برادفورد ديلونج من جامعة كاليفورنيا في بيركلي ولورنس سومرز الذي يشغل الآن منصب رئيس جامعة هارفارد، في بحث مشهور لهما، أن الدول التي تتمتع بمعدلات استثمار أعلي، وبصورة خاصة في المعدات، قد شهدت نمواً اقتصادياً أعلي بصورة ثابتة تاريخياً. ومن بين الأمثلة التي ساقها الباحثان أن نصيب العامل من الناتج المحلي الإجمالي في اليابان قد تجاوز الثلاثة أضعاف مقارنة بنظيره في الأرجنتين في الفترة من عام 1960 وحتي عام 1985، وذلك لأن اليابان علي عكس الأرجنتين كانت تستثمر بكثافة في الآلات والمعدات الجديدة. \r\n \r\n نستطيع أن نقول باختصار إن الدولة كلما زادت من معدلات إنشاء المعدات الجديدة والبنية الأساسية كلما زادت أدوات العمل التي يستطيع عمالها استخدامها، وكلما زاد استثمار الدولة في المعدات كلما زاد اطلاعها علي آخر ما أنتجته التكنولوجيا الحديثة فيكون اطلاعها هذا فعالاً حيث يتم من خلال الخبرة العملية. \r\n \r\n ومن هنا فقد يبدو أن الصين لا تخطئ حين تستمر في شراء المعدات الجديدة، وبناء المصانع الجديدة، وإنشاء الطرق والجسور الجديدة بأقصي سرعة ممكنة. فكلما أسرعت كان ذلك أفضل، حتي يستمتع ما يقرب من المليار نسمة الذين لم يستفيدوا طبقاً للمعاير العالمية بالرخاء حتي الآن، بتحقيق هذه الغاية أثناء حياتهم. \r\n \r\n ومع ذلك يتعين علي أي حكومة أن تحرص علي أن يتخذ الاستثمار مساراً فعّالاً. ففي الصين يُعَد ذلك الابتهاج الواسع النطاق سبباً للانزعاج. ذلك أن بعض نقاط الضعف الإنسانية العامة قد يترتب عليها سلوكيات طائشة أثناء فترة الازدهار الاقتصادي. \r\n \r\n ونستطيع أن نقول ببساطة إن مشكلة الصين تتلخص في أن نموها الاقتصادي كان مثيراً مذهلاً إلي الحد الذي قد يقدح خيال الناس بدرجة مبالغ فيها بعض الشيء. وفي أوقات كهذه يستطيع الناس بسهولة أن يتخيلوا أن سعر شقة في شنغهاي قد يبلغ أرقاماً فلكية خلال عشرة إلي عشرين عاماً، حين تصبح الصين أكثر ازدهاراً من اليوم إلي حد كبير. وإذا ما كان سعرها سيصبح هائلاً خلال عشرة إلي عشرين عاماً فلابد وأن يكون سعرها مرتفعاً اليوم أيضاً. ومع أن أسعار العقارات ما زالت منخفضة في الصين حتي الآن، إلا أن انفعال الناس يجعلهم يندفعون إلي الشراء. \r\n \r\n مما لا شك فيه أن تفكير هؤلاء الناس سليم من الناحية الجوهرية، ولكن حين تصبح العوامل المُحَدِّدة النهائية للقيمة اليوم معتمدة اعتماداً تاماً علي مستقبل بعيد لا نستطيع رؤيته بوضوح، فقد نعجز عن التفكير بشكل واضح أيضاً. \r\n \r\n ونظراً للصعوبة الشديدة في تقدير القيمة الحقيقية للأصول طويلة الأمد، فإن الطبيعة البشرية تميل إلي التركيز علي \"معدل الزيادة\" في أسعارها المرصودة، وإلي السماح لاهتمام الناس بالانصباب علي هذه الأصول مع الزيادة السريعة لقيمتها. وقد يؤدي هذا بالناس إلي ارتكاب أخطاء خطيرة، حين يدفعون لشراء الأصول طويلة الأمد أكثر مما تستحق، بل وحتي حين يفترضون أن الأداء الاقتصادي سوف يظل ممتازاً لمدة طويلة في المستقبل. وقد يبالغون في تمديد استثماراتهم فيسقطون ضحايا للدعاية والترويج، ويندفعون إلي الاستثمار بغير حرص في الأصول الخطأ، ويوجهون الإنتاج إلي مناطق وأنشطة بعينها علي أساس من انفعال لحظي بدلاً من الحسابات الدقيقة للمبادئ الاقتصادية الأساسية. \r\n \r\n ومن هنا فربما كان تعبير \"التصاعد المفرط\" مضللاً. وقد نكون أكثر تحرياً للدقة إذا قلنا إن الاهتمام العام \"يفرط في التركيز\" علي بعض التغيرات الحديثة في الأسعار، أو \"يفرط في قبول\" بعض قيم السوق المرتفعة. وأياً كانت التسمية السليمة لهذا الوضع فهو يمثل مشكلة. \r\n \r\n من حسن الحظ أن الناس يميلون أيضاً إلي الثقة في زعمائهم الوطنيين. ولهذا السبب تتعاظم أهمية عدم استمرار القادة علي صمتهم حين ينمو مناخ المضاربة والتوقعات. فقد يفترض البعض أن الصمت قبول تكتيكي لوجود مسوغ أو مبرر للزيادة السريعة في أسعار الأصول طويلة الأمد. ويتعين علي الزعماء الوطنيين أن يتحدثوا علي الملأ، ولابد وأن تنطبق أفعالهم مع أقوالهم بحيث يدرك عامة الناس أن فقاعة المضاربة ليس من الممكن أن تستمر طويلاً. \r\n \r\n هذا بالتحديد هو ما بدأت حكومة الصين في تنفيذه، ومما يبدو أن فورة العقارات قد بدأت تهدأ. وإذا ما حرصت الحكومة علي متابعة هذه السياسة، فإن التأثيرات المفيدة فيما يتصل بالثقة العامة في أعمال الدولة ومؤسساتها من شأنها أن تساعد علي ضمان نمو اقتصادي مستقر وقابل للاستمرار لأعوام قادمة. \r\n \r\n روبرت جيه. شيللر \r\n \r\n أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة ييل، ومدير مركز بحوث الأوراق المالية الشاملة. \r\n \r\n