هو ملياردير أمريكي تحولت قصته إلى واحدة من أكبر الفضائح الأخلاقية والسياسية في القرن الحادي والعشرين وطالت شخصيات في شتى أنحاء العالم. وأدى الإفراج عن ملفات جيفري إبستين مؤخرا إلى موجة من الجدل السياسي والقانوني والاجتماعي الواسع، حيث كشفت الوثائق عن تفاصيل جديدة حول علاقاته بشخصيات نافذة عالميًا، وسط انتقادات حادة لطريقة تعامل إدارة ترامب مع عملية النشر وإخفاء بعض البيانات. وقد تستمر تداعيات هذه القضية وربما يصل صداها لعالمنا العربي. تضمنت الوثائق أكثر من 300 جيجابايت من البيانات والصور من عقارات إبستين، وشهادات لعملاء ال FBI حول كيفية تجنيد إبستين لفتيات صغيرات، تتراوح أعمارهن بين 14 و17 عامًا، وهن أطفال قصر في نظر القانون وتم استغلالهن بشكل متكرر. وأظهرت الوثائق والصور المسربة آلاف الصفحات التي ضمت أسماء شهيرة في مجالات السياسة، والأعمال، والفن، ومن أبرزهم بيل كلينتون الذي ظهر فيما لا يقل عن 24 صورة مع إبستين، وواجهت إدارته السابقة تدقيقًا حول "صفقة الإقرار بالذنب" المثيرة للجدل في عام 2008. إضافة إلى الأمير أندرو الذي تكرر اسمه في السجلات المتعلقة بمنازل إبستين وطائراته، مما زاد من الضغوط القانونية عليه حتى بعد ابتعاده عن المهام الرسمية السياسية. وتضمنت الملفات أيضا صورًا أو إشارات لمشاهير مثل مايكل جاكسون، ميك جاغر، ريتشارد برانسون، والممثل كيفين سبيسي، بالإضافة إلى رجال أعمال مثل إيلون ماسك، ولاري سومرز الذي أعلن تنحيه عن التزاماته العامة لاحقًا، إلى جانب بيل جيتس الذي سببت له هذه القضية طلاقه من زوجته وشريكته ميليندا جيتس. كما ضمت القائمة أسماء عربية وخاصة خليجية بارزة في مجال السياسة والأعمال ولكن مرتبطة بشبكة "العلاقات العامة" واللقاءات الرسمية أو التجارية التي كان إبستين يستخدمها لإضفاء شرعية على مكانته الدولية، دون وجود أدلة جنائية تربطهم بجرائمه. وأظهرت تقارير وزارة العدل أن معظم الأسماء العربية والمسلمة وردت في سياق محاولات إبستين ليكون "وسيطًا" بين الشرق والغرب، خاصة في مجالات الاستثمار التكنولوجي والعقاري والموانىء. وأضافت تقارير وزارة العدل في نوفمبر وديسمبر 2025 أنه لا يوجد دليل يربط هؤلاء الرجال بالأنشطة غير القانونية أو الاتجار بالجنس الذي كان يمارسه إبستين في جزيرته أو منازله وكيف أن إبستين كان يستخدم أسماء هؤلاء النافذين ك"واجهة" لإقناع ضحايا آخرين أو شخصيات غربية بقوته ونفوذه العالمي. كما ورد أيضا في الملفات المنشورة مؤخرا بشكل أكبر حول دور إبستين ك"قناة خلفية" لرجال أعمال وسياسيين إسرائيليين (مثل إيهود باراك) في تعاملاتهم مع دول مختلفة، بما في ذلك محاولات فتح قنوات مع شخصيات عربية. وبتصفح "قوائم الطيران" (Flight Logs) المشبوهة لجزيرة إبستين لم يتم تسجيل حضور لأسماء عربية سواء رجال أعمال أو سياسيين ضمن الدوائر اللصيقة التي شاركت في الحفلات سيئة السمعة في تلك الجزيرة التي يملكها إبستين. وقد أثار الإفراج عن الملفات أزمة داخل واشنطن، لأنها جاءت منقوصة بسبب تظليل بعض المعلومات باللون الأسود مما دفع الديمقراطيين وبعض الجمهوريين إلى توجيه انتقادات لإدارة ترامب؛ وقالوا إن الحذف المكثف يثير شكوكًا حول محاولة حماية ترامب نفسه من أي تفاصيل محرجة. وهدد مشرعون مثل رو خانا وتوماس ماسي بمقاضاة أو عزل وزيرة العدل بام بوندي لعدم امتثال الوزارة بالكامل ل"قانون شفافية ملفات إبستين"، وهو القانون الذي صدر خصيصا من أجل الحصول على إفراج عن بيانات هذه القضية. وبررت وزارة العدل حجبها العديد من البيانات "لحماية هويات أكثر من 1200 ضحية وأفراد عائلاتهم". لكن البعض يردد في الولاياتالمتحدة أن الحجب بسبب احتمالات تورط الرئيس نفسه في هذه القضية. وهكذا، وبدلًا من إغلاق القضية، أدى نشر وثائق محذوفة جزئيًا إلى انتعاش نظرية المؤامرة وتغذية الشكوك حول "قائمة عملاء" لم تُنشر بالكامل أو احتمال تورط جهات استخباراتية. وقد ارتبطت موجة الإفراج عن الملفات بحالة من الحزن بعد أنباء عن وفاة الضحية الأبرز فرجينيا جيوفري منتحرة في أبريل 2025. وهناك علامات استفهام وشكوك حول إذا ما كانت الوفاة طبيعية، شأنها في ذلك شأن وفاة إبستين نفسه قبل ذلك والذي عثر عليه "ميتا شنقا" في زنزانته بمركز الحجز الفيدرالي في مانهاتن بتاريخ 10 أغسطس 2019، بينما كان ينتظر المحاكمة في التهم الفدرالية التي وجهت له وتتعلق بالاتجار بالجنس مع قاصرات. وازدهرت بعد ذلك ايضا نظرية المؤامرة وشكك البعض في رواية الانتحار نظرًا لتعطل كاميرات المراقبة في ذلك الوقت وفشل الحراس في فحصه بانتظام، مما أدى لظهور فرضيات حول "اغتياله" لحماية شخصيات نافذة في شبكته. في يوليو 2025، أصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) لقطات كاميرات المراقبة لدعم استنتاج الانتحار. ولعله من المفارقات التي نتعلم منها دروسا في فهم بعض الشخصيات العامة والمشهورة هو لجوء قلة إلى ما يسمى بتبييض السمعة أي العمل الخيري والمشاركة المجتمعية مقابل أنشطة اجرامية ومخالفة للقانون والأخلاق وتكون هي مصدر الثروة الخلفي. وهذه كانت مفارقة في حياة إبستين الذي كان يُعرف عنه في الأوساط العامة بأنه ممول سخي للأبحاث العلمية وصديق لشخصيات بارزة في مجال العلوم والتكنولوجيا مثل جيتس وماسك. وفي الوقت نفسه، كانت حياته الخاصة تتضمن جانبًا مظلمًا يتعلق بأنشطته غير القانونية وجرائم شنيعة في حق الإنسانية مثل الاتجار بالبشر وتشغيل شبكات دعارة. ولعل الأيام المقبلة تحمل في طياتها المزيد من الأسرار التي قد تكون بمثابة عاصفة رأس السنة والكريسماس وقد لا يظهر بابا نويل بهدايا العام الجديد مطلقا بعد أن جاء بها مبكرا هذا العام جيفري إبستين!