\r\n لقد رسم بوش صورة اوضح عن القدرات المتزايدة للقوات الامنية العراقية وعن اهدافه الخاصة وكان مصيبا في رفضه تحديد جدول زمني للانسحاب بقوله ان ذلك سيعتمد على الظروف في العراق ولكن بقيامه بذلك تخلى عن التنفيس الاكثر حدة لانعدام الصلة بين الاوصاف الوردية وما هو متوافر على ارض الواقع‚\r\n بدت رواية بوش في بعض الاحيان من خيال بالاسود والابيض وليس من الحقيقة المعقدة وهذا فأل سيىء لأنه برغم كل اخطائه الا ان جوهر سياسة بوش - فك الارتباط ولكن ليس قبل اعطاء حكومة عراقية منتخبة فرصة معقولة لكي تنجح - صحيح ولن يفوز بأي دعم لتلك السياسة الا اذا تعامل مع المصاعب المقبلة بطريقة قابلة للتصديق‚ وهذا يجب ان يبدأ بالاجابة عن اهم سؤالين ضاغطين: متى تستطيع القوات الاميركية ان تعود فعليا الى وطنها؟ وكان جواب بوش عندما تكون القوات العراقية قادرة على القيام بالمهمة بنفسها‚ \r\n وهذه اجابة معقولة ووصفها بالتفضيل والتقدم الذي تم احرازه اعطى توازنا مع التقارير السوداوية القادمة من الجبهة ولكن بوش تجاهل بساطة المشاكل الفاقعة وتحديدا في طبيعة القوات العراقية التي ستتولى القيام بالمهمة‚ فعلى الارض على سبيل المثال توجد تقارير مقلقة ومثيرة للمشاكل من جراء انضمام عناصر الميليشيات الطائفية للقوات الامنية كغطاء على اجندتها الخاصة وانها تمارس نفس اسلوب التعذيب الذي اتبعه نظام صدام‚ وهنا يبرز خطر نشوب حرب اهلية بسبب الميليشيات المتنافسة وربما تكون مسلحة وتتلقى التدريب من قبل الولايات المتحدة‚ \r\n بدت تعليقات الرئيس الاميركي على التقدم الذي تحقق في القوات العراقية وكأنه يمهد الارضية لتخفيض حجم القوات الاميركية ولكنه لم يحدد معيارا او هدفا لتلك القوات‚ \r\n كيف سيكون النجاح حقيقة؟ قال بوش انه لن يقبل اي شيء اقل من «الانتصار التام» في العراق‚ وهناك وثيقة صدرت عن البيت الابيض في نفس الوقت تقريبا تحدد الانتصار على المدى الطويل في عراق سلمي متحد ومستقر وآمن ومتكامل جيدا مع المجتمع الدولي وشريك كامل في الحرب العالمية على الارهاب‚ \r\n هذه الصورة جذابة لكن من الواضح انها تحتاج الى عقود‚ وفي خطابه كان بوش اقل طوباوية ولكنه مع ذلك توقع استمرار العنف في العراق لسنوات كثيرة وقال ان النصر سيأتي عندما لا يعود الارهابيون والصداميون يهددون ديمقراطية العراق او جعل العراق ملاذا آمنا للارهاب‚ \r\n لكن الهدف الاكثر واقعية سيكون عراقا مستقرا نسبيا وليس مأوى للارهابيين وحتى هذا الهدف يشكل تحديا ليس بسيطا فدخول اميركا العراق قام على اساس معلومات استخبارية خاطئة وخروجها من العراق يجب ألا يكون مشروطا بفكرة خاطئة حول ما الذي يمكن تحقيقه‚ \r\n فمن دون اي تساؤل هذه هي النقطة المركزية في حرب العراق‚ فالرأي العام تحول ضدها ومعظم الاميركيين الآن يعتبرون القرار بالذهاب للحرب كان خاطئا والذي تبين انه خطأ فعليا وصانعو القانون من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي يصغون الى ناخبيهم ويتطلعون الى الانتخاب للكونغرس العام القادم ويتحدثون عما يحتاج الامر له لكي نجلب قواتنا الى وطنها‚ \r\n ربما يفكر الرئيس أنه يستطيع ان يستغل البيت الابيض كميكروفون ضخم لتهدئة تلك المخاوف والحقائق السوداوية في العراق او ربما أصبح بوش معزولا جدا لدرجة اصبح يصدق فيها فهلواته السياسية‚ \r\n ففي كلتا الحالتين لن تنجح هذه السياسة ولكنه سينجح فقط اذا انخرط ثانية بمصداقية في التفاعل مع الاغلبية المتزايدة التي فقدت ثقتها بسياساته الحربية وهذا يتطلب اكثر من مجرد زعيم للهتافين‚ \r\n ولو ان الرئيس بوش اختار ان يكون حصيفا وأمينا في خطابه في الاكاديمية البحرية لأضاف جملة واحدة لخطابه «كم هي رائعة الأمور الجارية في العراق» فتلك الجملة تعني ان عضو مجلس النواب جاك ميرتا مصيب في دعوته لسحب القوات الأميركية من العراق خلال أشهر السنة القادمة وترك قوة تدخل سريع في احدى دول الخليج المجاورة‚ ولو اختار الرئيس بوش ان يكون حصيفا وامينا لكان قد قال بصراحة ان هيلاري كلينتون كانت مصيبة في دعوتها إلى خطة لسحب القوات الأميركية من العراق العام القادم بعد الانتخابات البرلمانية العراقية في 15 ديسمبر الحالي‚ \r\n لكن الرئيس لم يفعل أيا من الخيارين لانه لم يكن حصيفا ولا أمينا حول الوضع في مكان يصر على جعله التزاما عسكريا مفتوحا‚ \r\n لقد كانت السيناتور هيلاري كلينتون هي التي حددت القضية بالضبط حسب الطريقة التي كشفت بوش في آخر محاولاته للخداع‚ ففي ظل سنوات من التأكيدات بان الحرب باتت على وشك الانتهاء وان الثوار يلفظون انفاسهم الأخيرة فإن ادارة بوش‚ إما غير امينة مع الشعب الأميركي أو انها لا تعرف شيئا عما يجري في العراق‚ \r\n وقد قدمت هيلاري كلينتون تصورها الخاص لتوصية ميرتا ولكنها تختلف عنها من حيث الجدول الزمني وغموضها المتعمد حول ما اذا كانت القوة التي ستترك ستكون داخل العراق أو على مقربة من الحدود العراقية‚ \r\n أما كلماتها الرئيسية «اعتقد باننا وصلنا إلى نقطة حرجة بحلول انتخابات 15 ديسمبر»‚ فاذا كانت ناجحة فانها سوف تتيح لنا البدء في اعادة جنودنا إلى وطنهم في العام القادم مع ترك قوة صغيرة في مناطق أكثر أمنا مع جهود استخبارية كبيرة وقدرات هجومية سريعة‚ \r\n والسؤال الذي لم يتمكن بوش من الاجابة عنه هو ما الذي يستدعي وجود 160 ألف جندي أميركي في العراق؟ \r\n لكن بوش قدم لخصومه مبررات لانتقاده دون ان يعي ذلك‚ وجاء ذلك بشكل خاص في حديثه عن تدريب العراقيين في الدافع عن انفسهم من الثورة التي رغم انها عنيفة الا انها بالمقارنة صغيرة وغير قادرة على السيطرة الكاملة على اي جزء من العراق بما في ذلك المناطق العربية السنية‚ \r\n بما ان بوش نفسه يعترف بأن هذه القوة ليست ضخمة ولا معقدة وتشمل وجود إرهابيين ومدافع رشاشة وقنابل صاروخية تطلق من على الكتف وبعض مدافع الهاون فان هذه ليست حربا تكنولوجية متقدمة وانما العكس من ذلك‚ ويقف ضد هذه الثورة كما اعترف بوش اعداد كبيرة من الجنود المدربين‚ ولا يحتاج إلا إلى شهرين لتدريب كتيبة من الجنود العراقيين وحوالي 3000 شرطي‚ ومن الواضح ان المشكلة تكمن في الاعداد‚ فعلى مدى عام حتى لو كانت البداية من الصفر‚ وهذا ليس هو الوضع فان هذا سوف ينتج قوة عسكرية تتضاءل أمامها أعداد الثوار‚ \r\n من الواضح ان المشكلة الحقيقية تتعلق بالارادة السياسية والاستراتيجية فما لم يتكلم عنه بوش كان العبء الملقى على عاتق القوات الأميركية والذي لا يبدي قادة العراق استعدادا لتحمله أو انهم غير قادرين على تحمله‚ وهذا هو السبب الذي يجعل العديد من الخبراء يعتقدون بأن اشعال النار تحت العراقيين‚ على سبيل المثال بتحديد جدول زمني للانسحاب سوف يوفر حافزا للدفاع عن انفسهم والشروع في بناء بلادهم‚ \r\n فبدلا من ذلك‚ يبدو ان القوات الكردية والشيعية ماضية بترك الأميركيين يحملون عبئا من المفترض ان تتحمله هذه القوات‚ وليس من حق بوش نيل التأييد لحرب مفتوحة تضع الأميركيين في دور الجنود المرتزقة‚ \r\n أما الموضوع الآخر الذي آثر بوش تجنبه فهو دور الميليشيات في المجتمع العراقي‚ فميليشيات الأكراد في الشمال وميليشيات الشيعة في الجنوب هي التي تتولى المهمة الأمنية‚ ويسمع الأميركيون تقارير متزايدة عن وحدات تطوق وتمارس أعمال القتل والاغتيالات للخصوم باعداد كبيرة‚ ففي الظل هناك شيء قريب جدا من الحرب الاهلية الصامتة في العراق‚ \r\n فليس هناك شك في أمن الأكراد وأمن الشيعية وانما الشكوك به هو عدم وجود ارادة لاستعمال القوة لقمع الثورة في اوساط العرب السنة وفي بغداد وقدرة السنة على تنظيم انفسهم‚ \r\n بدلا من الحفاظ على المسار إلى المجهول فان الفرصة المتاحة الآن للاميركيين للاعتراف بانه ستكون للعراق حكومة منتخبة وعشرات الآلاف من البالغين المسلحين الذين يحتاجون لاتخاذ الخطوة التالية‚ \r\n الموضوع الأخير الذي تطرق إليه بوش في خطابه هو أثر الاحتلال الأميركي في تعزيز واستمرارية الثورة‚ واجتذاب إرهابيين اجانب وهذا موضوع يواجهه احيانا الكثيرون من رجال بوش ومن بينهم دونالد رامسفيلد وهو الموضوع الخاص بدعوة ميرتا الجريئة للانسحاب‚ فمن اجل أميركا تحتاج أميركا لان تبدأ في النزول لكي يتمكن العراقيون من الوقوف ولكن بوش فعل العكس تماما‚ \r\n