اذ بفضل دفع اللحظة الاخيرة من قبل وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس وقع مسلمو وكروات وصرب البوسنة على اتفاق في واشنطن لتعديل دستورهم. كما بدأت البوسنة ايضا محادثات في بروكسل بشأن الانضمام للاتحاد الاوروبي وهو ما يدعو الى مزيد من النشاط والتحرك عبر الاطلسي. \r\n وفي الوقت الذي لم يتم فيه الانتهاء من شرب نخب هذه المناسبة حري بنا ان نستدعي الحقيقة بشأن هذا البلد الذي لايزال مقسما وهو انه في الوقت الذي يشترك فيه البوسنيون في حلم ماذا تعني (اوروبا) فانهم لايشتركون في فكرة او مفهوم ماذا تعني البوسنة. \r\n بعد عقد من اتفاقات دايتون للسلام تم اجراء 8 انتخابات وتم اقرار عشرات القوانين وعودة مئات الالاف من اللاجئين. ومع ذلك وعلى الرغم من الادعاءات المتفائلة من كل دبلوماسي تقريبا ناضل من اجل نفخ الحياة في مؤسسات هذا البلد في فترة ما بعد الحرب فان البوسنة لم تغادر الزاوية بعد وتصبح دولة مندمجة متماسكة دون رعاية او حراسة دولية. \r\n والسبب واضح وهو ان الحرب انتهت لكن الصراع الذي فجرها لم ينته. فعلى الرغم من مضي سنوات من الدفع الدولي لاتزال الحقيقة هي ان الصرب الذين يتمسكون بكيانهم الذي يطلقون عليه جمهورية صربسكا يفضلون الاحتفاظ بسيادتهم الظاهرية بدلا من التخلي عن السيطرة لصالح المؤسسات التي يهيمن عليها المسلمون في سراييفو. \r\n بدلا من الاعتراف بهذه الحقيقة يلقي النقاد بلائمة التقدم الباهت في البوسنة على المجتمع الدولي متهمين ان ممثله الاعلى في سراييفو قد اصبح حاكم مستعمرات جديد. \r\n حسب هذا الرأي يكمن نقص الوظائف والفرص. وليس الصراعات البلقانية على الاقليم والهوية. فهذا هو الذي يجر البوسنة الى الوراء. فانهاء الحماية ومعاملة البوسنة كدولة انتقالية نمطية، كما يذكر النقاد, والبوسنيون يمكن ان يخدم وينمي طريقهم الى الانسجام وعضوية الاتحاد الاوروبي في النهاية. \r\n بالنسبة للاوروبيين القلقين من تبعة ادارة البوسنة وللاميركيين الذين يريدون الصيد السمين فان هذا الاحتجاج له وجاهة سطحية. ولسوء الحظ فانها خاطئة في الغالب. اذ تقريبا فان كل قانون تم فرضه من خلال الممثلين الاعلى المتعاقبين كان هو الملاذ الاخير الذي كان في العادة يفرض عليه جراء تصلب الصرب. \r\n في الواقع فان المحادثات الاخيرة بشأن عضوية الاتحاد الاوروبي والتي تمثل معلما بارزا غدت ممكنة فقط بعد تصعيد الضغط الدولي (لاسيما الاميركي) على الصرب لاصلاح اعمالهم المتعلقة بالشرطة. حيث يرفض الصرب بشكل متصلب ليس التعاون مع شرطة الجيران فقط بل انهم لايزالون معادين للاستثمار من جانب الكروات والمسلمين الذي يمكن ان يوفر فرص عمل مطلوبة بشدة في كيانهم الذي يعاني من الكساد. \r\n ان الدرس من هذا الصراع الذي امتد الى عقد من الزمن حتى تم تنفيذ اتفاق دايتون هو ان السيادة الوطنية لاتزال لها الأهمية الاسمى. وربما يكون الدافع والاهمية لشن هذ الحرب الشرسة قد انتهيا لكن الفكرة لشنها، الرغبة في الهيمنة العرقية، لاتزال باقية. وكذلك الخطر من اندلاع عنف متزايد ولو على مستويات اقل حال انسحاب الاتحاد الاوروبي او قوات حلف شمال الاطلسي (ناتو). \r\n اولئك الذين يشجعون الانضمام للاتحاد الاوروبي بوصفه دواء لكل علل واوجاع هذا البلد قد فات عليهم هذه النقطة الحيوية. وفي الواقع فسوء الفهم الكبير بشأن عضوية الاتحاد الاوروبي هو في انه يمكن ان يلغي بشكل او اخر الحدود والقضايا العرقية التي تجعلهم حساسين بشكل كبير. وان كان الامر ليس كذلك. فعملية الانضمام للاتحاد الاوروبي توفر قاعدة للنظام والاصلاح المؤسسي لكن ذلك لن يقضي على العواطف او مشاعر النزعة الوطنية المتشددة. وكل من صرب البوسنة والكروات والمسلمين يريدون ان يستقلوا الطريق الى بروكسل غير ان الكثير منهم يفضل السير على حدة. \r\n ان الاختبار الحقيقي لارادة البوسنة لا يأتي من تبني ال34 فصلا وال80 ألف ورقة من الوثيقة التي توضح متطلبات العضوية الاوروبية بل في المراجعة الكلية والشاملة لدستور دايتون العتيق. بل ان هناك ماهو اكثر من هذه الاصلاحات التي يحتاجها الصرب والكروات والمسلمون في البوسنة بشكل متفاوت ويتمثل ذلك في ميثاق حقيقي للمشاركة في السلطة داخل حدودهم الدولية المشتركة. وما لديهم في الوقت الحالي هو نظام غير قادر على العمل يشجع فقط صرب البوسنة على التعلق بقلعتهم المنفصلة والنفور من تخويل المؤسسات المركزية صلاحية حقيقية. \r\n الاتفاق الدستوري في واشنطن هو خطة هامة للامام لكنه يبقى مجرد خطوة. وقد تم ترك العناصر المهمة فيه مفتوحة الى مارس المقبل وحتى لو انهوا ذلك في ذلك الوقت فان التنفيذ سوف يستغرق سنوات. وفي غضون ذلك سيكون هناك فرص متزايدة امام الصرب للنكوص عن التزاماتهم عندما يبدأ الوجود الدولي هناك في التناقص والانتهاء. \r\n ان عشر سنوات هي وقت كاف بالنسبة لواشنطن وشركائها الاوروبيين ليتعلموا ان الاتفاقيات في البلقان ليست نهاية بل مجرد بداية لعملية طويلة. ويجب ان يستمر العمل الجاد من خلال انخراط اميركي كبير وممثل اوروبي في سراييفو يحتفظ بصلاحيات حقيقية كبيرة. دون اي من ذلك فان الامال بالنسبة لاربعة ملايين بوسني سوف تخيب وسوف يظل هذا البلد مشروعا وليس دولة قابلة للحياة لعقد اخر مقبل على الاقل. \r\n ادوارد جوزيف \r\n امضى اكثر من عقد من الزمن في البلقان مع الجيش الاميركي والامم المتحدة منظمة الامن والتعاون في اوروبا ومجموعة الازمة الدولية \r\n خدمة انترناشيونال هيرالد تريبيون نيويورك تايمز خاص ب(الوطن).