وقال بيرنز انها خطوة مطلوبة للوصول إلى دولة قوية أكثر تماسكا ,وأضاف بأنه في الوقت الذي يقوم فيه قادة البلقان بزيارتهم لواشنطن لإحياء الذكرى السنوية العاشرة لاتفاق دايتون الذي وضع نهاية للحرب الأهلية هناك يجب أن يكون هناك تعهد مؤكد للقيام بمثل هذه الإصلاحات ,وقال بيرنز أن اتفاق دايتون قام بمهمته في الماضي وأوفى بالغرض أما الآن فالتطور أصبح واجبا .وهنا يتضح ان بيرنز لم يسمع المثل القائل ( دع الفتنة نائمة ) , فعلى أفضل التقديرات يمكن القول بأنه اقتراح يفتقر للحكمة وبأسوأ التقديرات يمكن أن يؤدي هذا الاقتراح إلى إعادة إشعال الحرب الأهلية البوسنية من جديد .ويجدر القول هنا أن اتفاقات دايتون حقا لم تصل إلى درجة الكمال .فالبوسنة تتكون من جمهورية صرب البوسنة والاتحاد الإسلامي الكرواتي وكل منهم يتمتع بقدر عال من الحكم الذاتي ويتصلا اتصالا طفيفا بحكومة مركزية ضعيفة .وتكمن القوة الحقيقية في هذين الكيانين بل ويتمتع الممثل الدولي المدعوم من حلف الناتو بقوة أكبر.وبعد مرور عقد من الزمان على اتفاقات دايتون فلا تزال البوسنة وبشكل كبير دولة مزعومة أبعد ما تكون عن معنى الدولة العرقية ويعتمد اقتصادها بشكل كبير على الدعم الدولي وعلى انفاقات الموظفين والمسئولين العسكريين المتواجدين بغزارة هناك ,أما بالنسبة للناتج المحلي البوسني فنصفه يتكون من المدخلات الدولية. \r\n والحقيقة هي أن البوسنة الآن ليست بالدولة القابلة للحياة اليوم بشكل أكثر مما كانت عليه وقت التوقيع على اتفاقات دايتون ولكن تجدر الإشارة إلى أن تلك الاتفاقات كانت لها ميزة كبيرة حيث أنهت الحرب الأهلية التي كانت مشتعلة هناك وحصدت عشرات الآلاف من الأرواح ,ويأتي الاقتراح الأميركي الجديد هذا ليهدد بنسف في تلك الإنجازات .والسبب الذي جعل اتفاقات دايتون تحافظ على استمرار السلام هو حصول صرب البوسنة على قدر كبير من الحكم الذاتي حيث كانت مخاوفهم تنصب على هيمنة المجتمع المسلم ,وهو القطاع الأكبر هناك ,على مقاليد الأمور في الدولة وكان هذا هو السبب الأولي الذي دفعهم لشن الحرب من أجل الاستقلال خلال بدايات التسعينات ,وبينما يتزمر بعضهم اعتراضا على بعض جوانب اتفاقات دايتون ,وخاصة السلطات التي أعطيت للممثل الأعلى بادي اشداون ,إلا ان السخط لم يصل بهم الى حد استئناف الصراع المسلح .ومن هنا نرى أن رغبة واشنطن في وجود رئيس واحد للبوسنة وإقامة حكومة مركزية بوسنية أكثر تماسكا وأكثر قوة يضع تهديدا واضحا للصرب حيث يرون أن تلك المركزية تمثل تهديدا صريحا للحكم الذاتي الذي تمتعوا به طيلة عقد من الزمان .وما لم يقدر المسئولون الأميركيون على فهمه هو ان كل الأطراف في البوسنة يرون أن أي مكسب يستطيع ان يحققه طرف ما يعد خسارة للطرف الأخر. وبما ان المسلمين هم القطاع الأكبر فان مسألة المركزية هذه تجعل أوراق اللعبة في أيديهم وتكون الفرصة مواتية لهم للهيمنة على الدولة ,وهذا المنظور سيجعل الصرب (والكروات الأقل عددا ) في بؤرة الحرمان على حد سواء .وبدلا من محاولة تكوين دولة موحدة تفتقر إلى مقوماتها ينبغي أن تسلك واشنطن الاتجاه المعاكس .وبالفعل فاتفاقات دايتون هي حلول مؤقتة ,وحيث أن البوسنة لم ولن تكن دولة قابلة للحياة ,فانه يجب اعتبار اتفاقات دايتون مجرد بداية لتقسيمها إلى ثلاث كيانات .بحيث تصبح كل من جمهورية صرب البوسنة والجزء الإسلامي من الاتحاد دولتين مستقلتين تتمتعان باعتراف المجتمع الدولي ,أما الجزء الكرواتي من الاتحاد فيجب أن يسمح له بالانضمام إلى دولة كرواتيا .فالتقسيم هو الأمل الوحيد لحل نهائي صحيح للمشكلة البوسنية .وإذا لم يستطع صانعو السياسة الأميركيين اتخاذ مثل هذه الخطوة الجريئة فعليهم على الأقل الإبقاء على اتفاقات دايتون لفترة أطول ,والشيء الوحيد الذي يجب تجنبه هو إحياء الصراعات العرقية من أجل القوة من جديد .غير أن واشنطن ,وبشكل تراجيدي ,تبدوا مستعدة لاتخاذ تلك الخطوة . \r\n تيد غالين \r\n نائب رئيس مركز دراسات السياسة الخارجية والدفاع بمعهد كاتو \r\n خدمة لوس انجلوس تايمز والواشنطن بوست خاص ب ( الوطن)