بعد عشر سنوات من قيام صرب البوسنة تحت قيادة الجنرال راتكو ملاديتش بقتل 7000 مسلم هناك, وجدت نفسي عائدا إلى ذلك الوادي الذي حاق به شر صرب البوسنة كفرد من أفراد الوفد الأميركي الرسمي الذي يمثل الرئيس بوش والشعب الأميركي. لقد مشينا عبر الحقول الموحلة, تحت سماء ملبدة بالغيوم, ورأينا حشدا كبيرا من العائلات التي كانت تنعي أكثر من 600 شخص من أحبائها, لم يخفف من حزنها وكراهيتها الشخصية لأولئك الذين فعلوا هذا مرور عقد من الزمان. \r\n ولكن في سربرينيتسا, كان هناك تقدم منذ زيارتي الأخيرة, من خمس سنوات مضت. فوقتها عاد 10% فقط من العائلات المسلمة إلى ديارهم, وكانوا يعيشون في خوف دائم وسط الصرب البالغ عددهم 12.000 فرد. أما اليوم فقد عاد 4.000 مسلم, وغادر ثلث الصرب بالفعل. وهذا مذهل ويبدو المزيد من ذلك أكيدا إذا بقى المجتمع الدولي ولاسيما الولاياتالمتحدة, أكبر دولة محترمة في البلقان معنيا بالأمر مشاركا فيه. \r\n لقد تحسنت الأمور أكثر في بقية أو سائر البوسنة. وفوق ذلك كله هناك سلام وليس ببساطة هدنة أو وقفا لإطلاق النار, وهذه الحرب لن تستأنف. كما أن البوسنة لم تصبح دولتين منفصلتين كما كان قد تنبأ كثير من نقاد اتفاقية دايتون للسلام. وعلى الرغم من أن كثيرين (بمن فيهم من في البانجون) قد تنبأوا بمنطقة منزوعة السلاح مثل مابين الكوريتين بين الصرب والمسلمين, إلا أنه ليست هنا كحواجز بين المنطقتين, وهناك روابط وعلاقات اقتصادية وسياسية بين المجموعات العرقية. وقد عاد أكثر من مليون لاجئ إلى ديارهم, وكثير منهم, مثل أولئك الذين في سربرينيتسا, إلى مناطق هم فيها أقلية. وبدأ كل من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلنطي الناتو محادثات يمكن أن تؤدي إلى اتفاقات شراكة بين الوسنة وبروكسل. \r\n ولذا هناك أخبار جيدة من البوسنة ولكن ليست كافية تقريبا، فمنذ البداية كان تنفيذ اتفاق دايتون للسلام غير جرئ على نحو كاف. وكان أهم فشل هو عدم إلقاء القبض على أكبر مجرمي حرب مطلوبين للعدالة في أوروبا, وهما رادوفان كارادجيتش وراتكو ملاديتش. \r\n لقد كانت الولاياتالمتحدة كارهة وممتعضة من عام 1991 إلى عام 1995 للتصرف أو التدخل في البوسنة. ولكن بعد مذبحة سربرينيتسا, أدرك الرئيس بيل كلينتون على الرغم من أن الشعب الأميركي قد لا يحب ذلك, أن الولاياتالمتحدة لا يمكن حينها أن تتجنب التدخل هناك. ومن ثم بدا السياسة الدبلوماسية والعسكرية التي أفضت إلى اتفاقات دايتون وإلى السلام في البوسنة, وبعدها بأربع سنوات, إلى تحرير ألبان كوسوفو من اضطهاد وقمع سلوبودان ميلوسيفيتش. \r\n لقد قرر كلينتون وقتها إرسال 20.000 جندي أميركي إلى البوسنة كجزء من فرقة حفظ السلام تحت قيادة حلف شمال الأطلنطي الناتو لفرض تطبيق اتفاق دايتون, وقد تطلبت تلك الخطوة شجاعة سياسية. \r\n لقد كان ذلك أهم عمل من أعمال كلينتون فيما يتعلق بأوروبا وهو العمل الذي عارضه مبدئيا وقتها معظم مستشاريه السياسيين. \r\n والسؤال المطروح الآن هو: هل كانت البوسنة تستحق التدخل؟ مع اقترابنا من الذكرى السنوية العاشرة لاتفاق دايتون, لاينبغي أن يكون هناك أي جدال. فلو لم نكن قد تدخلنا متأخرا ولكن على نحو حاسم لكانت كارثة قد حدثت لها عواقبها ومغباتها الخطيرة على أمننا القومي وعلى الحرب على الإرهاب. لقد أعادت اتفاقات دايتون التأكيد على الدور القيادي الأميركي في أوروبا بعد فترة تدهور وفوضى وتشويش. ولكن المهمة لم تنته بعد, ومن المشجع أن نرى الرئيس بوش والفريق الجديد في الخارجية الأميركية يعيدان الالتزام من جديد, كما فعلا في الأسبوع الماضي في سربرينيتسا. \r\n \r\n ريتشارد هولبروك \r\n المهندس الرئيسي لاتفاق دايتون للسلام \r\n خدمة واشنطن بوست خاص ب(الوطن)