والحقيقة أن الولاياتالمتحدة قد مرت بظروف تكاد تكون مماثلة لتلك في السابق مع اليابان فترة الثمانينيات . واليابان ليست مثل الصين على أية حال ولكن الغالب الأعظم مما نشهده من القلق وارتفاع الاصوات بالأحاديث الملتهبة حول الصين اليوم يتردد أصداؤه فيما كنا نسمعه عن اليابان . ومن ثم نرى أنه من الجدير الأخذ في الاعتبار أن نراجع حجم الخطأ الذي ارتكبه الاميركيون في تقييمهم للموقف الياباني في ذلك الوقت كي لا نكرر الأخطاء نفسها مع الصين . \r\n كنت قد ذهبت إلى طوكيو للعمل كمراسل لصحيفة ( كريستيان ساينس مونيتور) وذلك في سبتمبر 1985 أي قبل أيام قليلة من توقيع اتفاق بلازا الذي كان يمثل محاولة لتصحيح العجز التجاري الأميركي الهائل مع اليابان وألمانيا وذلك من خلال إعادة تقييم الين وخفض قيمة الدولار . \r\n وكان تأثير تلك الخطوة على مواجهة العجز التجاري محدودا للغاية. بيد أنه وما بين عشية وضحاها ظهر أن الفائض الهائل في رأس المال لدى اليابان قد تراكم من خلال المدخرات والصادرات عند تقييمها بالدولار . وشهدت أسواق الأسهم والملكيات الثابتة ازدهارا كبيرا مستفيدة من سهولة الحصول على رؤوس الاموال ، كما انطلقت الشركات اليابانية في فورة كبيرة نحو شراء الشركات الأميركية البارزة مثل (روكفيلر سنتر) و( بيبل بيتش) و(كولومبيا بيكتشر) \r\n وساهم الإعلام الأميركي في إزكاء هذا السعر حيث تناقلت أخبارا عن ارتفاع أسعار قطع الأراضي في حي غينزا بالعاصمة طوكيو بما يفوق الأسعار السائدة في مانهاتن. ونشرت المجلات على أغلفتها ترويجا لسيطرة اليابان على هوليود ، وانتشرت الكتب التي تتحدث عن أسرار تفوق اليابان في إدارة الأعمال . \r\n وفي الوقت نفسه كانت الولاياتالمتحدة تنحدر في هاوية من التشككات والفتور في النشاط الاقتصادي وأعلن وقتها توقف صناعة السيارات تماما ومن ورائها جاءت صناعة الإلكترونيات . ومع تزايد العجز التجاري تصاعدت حدة الغضب الأميركي ورفع سياسيون وقادة أحزاب داخل الكونغرس مطارقهم وهشموا بها السيارات وأجهزة التلفاز اليابانية . \r\n وتعالت الأصوات التي اخذت تردد ما جاء في أحد الكتب بأن اليابان ليست ديموقراطية لكنها دولة لحزب واحد تنعدم فيها أصوات المعارضة . وأصبحت عمليات إدارة وتوجيه الاقتصاد الياباني خاضعة لسلطة الدولة ، كما أصبح رجال الأعمال اليابانيون من محاربي الساموراي الذين نقلوا العسكرية إلى معركة الاقتصاد والأسواق. \r\n وكانت هناك معاهدة أمنية تربط اليابانوالولاياتالمتحدة بيد أن هذا التحالف كان أجوفا كما أشار البعض إلى ذلك ، وذهب نفر إلى القول باحتمال نشوب حرب بين الولاياتالمتحدةواليابان وتحدث آخرون في السي آي إيه عن أن الدولتين في طريقهما للاصطدام \r\n وعندما غادرت طوكيو في أوائل التسعينيات كانت فكرة أن اليابان ستكون القوة العظمى القادمة قد ترسخت غير أنه عقب ذلك بعدة أشهر ظهرت المعجزة اليابانية على أنها كانت مجرد فقاعة وانفجرت . وأعقب ذلك عقد من الركود حيث أدت الديون المعدومة إلى خنق النظام المصرفي . وأصبح الاقتصاد الياباني أثرا بعد عين . \r\n واليوم تشهد اليابان عودة معتدلة بيد أنها لا تبدو كقوة محتملة منافسة أمام هيمنة الولاياتالمتحدة غير أن الصين قد جاءت اليوم لتحتل تلك المكانة السابقة في تصور الأميركيين. \r\n وكما حدث مع اليابان فالأخطار التي يمثلها التنافس الصيني حقيقية ، ومن ثم هناك حاجة مماثلة إلى ضرورة فرض سياسة الأسواق المفتوحة وحماية حقوق المنتجات والعمال الأميركيين إلى جانب فرض اللوائح الدولية مثل حماية حقوق الملكية الفكرية. \r\n والصين بقوتها اليوم ليست أكثر من اليابان بالأمس ، وعليها أن تعمل على استيعاب نصف مليار من القرويين الذين يعانون من وطأة الفقر، وعليها كذلك إصلاح النظام المصرفي الخاضع لإدارة الدولة وأن تقوم بابتكار التقنية بدلا من سرقتها . ونجد أن سوق الملكيات الثابتة ليس سوى فقاعة من ابتكارها ، وفي النهاية ستشهد الصين تحولا عنيفا من حكم الحزب الشيوعي إلى النظام الديمقراطي . \r\n وفي المرة القادمة التي تسمع فيها أن الصين سوف تفرض هيمنتها على العالم يجب أن نتذكر درس اليابان . \r\n دانيال شنايدر \r\n كاتب عمود متخصص في الشئون الخارجية بصحيفة سان خوس ميركيري نيوز