وكذلك فقد زعم اليابانيون المفعمون بالروح الحربية بأن قانون «البوشيدو» المغالي في القومية (الذي يضبط سلوك المحاربين بقواعد أخلاقية صارمة) سيرجح كفتهم على كفة الجنود الأميركيين «المنحلّين». وخلال الحرب الباردة، تنبأ الاشتراكيون المتعصبون لمبادئهم بأن الاتحاد السوفييتي سوف يتعاظم أكثر فأكثر، بقدر تحقيقه رؤية كارل ماركس ل «الانسان الجديد» الذي ولد من رماد الرأسمالية. \r\n \r\n \r\n وفي عهد الرئيس جيمي كارتر أيام «التوعك الوطني»، كان يفترض بأن الصناعات اليابانية المدعومة من الحكومة ستجعلنا عبيد أجور لسوني وتويوتا، حتى انهيار الأسواق المالية الآسيوية. واليوم هناك جيل جديد من المتشائمين يحذر من ان العصر المقبل سيكون عصر الاتحاد الأوروبي، الذي يتمتع بفوائض تجارية كبيرة وميزانية دفاع صغيرة ويورو قوي. \r\n \r\n \r\n هل ستتمكن أوروبا تدريجياً من إزاحة الولاياتالمتحدة لتتربع محلها على عرش التفوق العالمي، علماً بأن أوروبا أكبر من أميركا حجماً، وأكثر سكاناً، وشبابها أكثر تعليماً من شبابنا؟ أم ان المحور الآسيوي الذي يضم ملياري نسمة في الهند والصين هو الذي سيزيح أميركا عن عرشها؟ \r\n \r\n \r\n بعض المؤشرات بعيدة المدى هنا: في الوطن تبدو مقلقة حقاً. فالعجز في الميزانية عاد مرّة أخرى للارتفاع بصورة حادة. وديوننا التجارية هائلة. الدولار ضعيف. الأميركيون الماديون يشترون كميات أكبر من السلع الاستهلاكية أكثر مما تسمح إمكانياتهم العالمية وكل هذا بالاعتماد على الأموال المستدانة من آسيا التي يمكن سحبها عند أول إشارة تحذير، ومعظم سفن الشحن الضخمة القادمة من الصين واليابان وكوريا الجنوبية، والتي تفرغ حمولتها في كاليفورنيا تعود إلى آسيا فارغة من الصادرات الأميركية. \r\n \r\n \r\n لكن مثل هذا التشاؤم سابق لأوانه. فثمة مؤشرات أخرى في صالحنا، أهمها ان أسعار الفائدة لا تزال ثابتة ومعدلات النمو الاقتصادي الحقيقي قوية، ومعدلات البطالة والتضخم متدنية. وفي الوقت ذاته يواجه منافسونا أزمات اجتماعية خاصة بهم تلوح في الأفق. فالأوروبيون مقبلون على أزمة ديموغرافية. \r\n \r\n \r\n مع تقلص الحجم السكاني لمجتمعاتهم الهرمة وزيادة اعتمادهم على الأقليات المسلمة المهاجرة كما أنهم لن يستطيعوا الاستمرار في الوفاء بتعهداتهم الاجتماعية بملايين المواطنين فوق سن ال 55، وتخشى العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من بنية فوقية مناهضة للديمقراطية تضع ضوابط على كل شيء وصولاً إلى تحديد الحجم الملائم والمعايير القياسية للموز والتفاح وربما البصل. \r\n \r\n \r\n وفيما تتبنى الصين والهند الأسواق الحرة، فانهما تشبهان الآن في خشونتهما ما كانت عليه أميركا حوالي عام 1870. حيث تؤدي التفاوتات الضخمة في الثروات، غير الخاضعة لضوابط أو ضرائب صارمة، إلى تآكل ثقة الجماهير باقتصاد بلدهم. وسيتعين على حكوماتهم التعامل مع نشاط الاتحادات العمالية، والحركة البيئية وحقوق الأقليات وظاهرة توعك الضواحي. \r\n \r\n \r\n وهي كلها من تبعات المجتمع حديث الثراء التي تم تشخيصها ومعالجتها من قبل الولاياتالمتحدة. وثمة طريقة أفضل لتقييم صحتنا النسبية وهي طريقة تجريبية بسيطة تتطلب منا فقط ان ننظر ونسمع لما يدور حولنا، وأنا شخصياً أقضي ثلاثة أيام في الأسبوع في مدينة بالو آلتو الراقية المحيطة بحرم جامعة ستانفورد، وفي الأيام الأربعة الأخرى. \r\n \r\n \r\n أقيم في مزرعة بإحدى أفقر المناطق الريفية بكاليفورنيا، وقد يصاب المرء بالاكتئاب من نتائج الإحصائيات الرسمية التي تفيد بأن سكان مدينة بالو ألتو قليلي العدد يتمتعون بمستويات عالية من الثراء والتعليم والرفاهية، في حين أن السكان الكثيرين في المنطقة الريفية التي أقطن فيها لا تتوفر لهم خدمات جيدة كتلك المتوفرة لأبناء بالو ألتو. \r\n \r\n \r\n ومع ذلك، فإن أسعار البيوت الجديدة في الضواحي تكلف 25 في المئة من تكلفتها حول مزرعتي، تماماً كما هي عليه الحال حول جامعة ستانفورد، وهناك آلاف العائلات المهاجرة من الجيلين الأول والثاني تتخاطف هذه البيوت وتملأ كراجاتها بالسيارات الجديدة وإذا كانت العوائل تكسب أقل بكثير في وسط كاليفورنيا فإن أموالهم تذهب إلى مسافات أبعد أيضاً. \r\n \r\n \r\n وجيراني الريفيون المتفائلون ربما لا يتسوقون في المتاجر الراقية ولا يشترون سيارات مرسيدس أو يعيشون قرب المتاحف أو قاعات الأوبرا، لكن وول مارت وسيارات كيا الجديدة وسلسلة من الفعاليات الرياضية والمعارض منخفضة التكلفة، إضافة إلى عدد من الجامعات والكليات العامة كلها أشياء توفر على الأقل مظهراً خارجياً للتكافؤ في نمط الحياة. \r\n \r\n \r\n وحتى وإن كان سكان بالو ألتو يشترون بضائعهم من الأسواق الراقية ويركبون سيارات فخمة فإن نمط معيشتهم في ظاهره ليس أفضل بكثير من نمط معيشة المهاجرين من أواكساكا والبنجاب، الذين تبدو بيوتهم وأجهزة التلفاز لديهم ومواصلاتهم وملابسهم تقريباً بنفس مستوى نظيراتها في بالو ألتو، وهي أفضل بكثير مما هي عليه في معظم الأماكن التي زرتها في أنحاء العالم. \r\n \r\n \r\n وما يفوتنا معرفته في الإحصائيات عن قوة البلد النسبية هو الحيوية والشمولية الاستثنائية للثقافة الأميركية التي تمتلك قدرة خارقة على دمج الأقليات والقادمين الجدد. إن الولاياتالمتحدة تتيح قدراً أكبر من حرية الوصول للمعلومات وتبني قراراتها في معظم الأحيان على أساس الجدارة والاستحقاق لا على أساس المحاباة والقبلية. \r\n \r\n \r\n ونحن أكثر انغماساً في عملية النقد الذاتي ونغذّي في مواطننا الرغبة بالمنافسة البناءة بدلاً من الحسد غير المجدي، إن الدستور الأميركي فريد في صونه للازدهار والأمن والعدالة وهذا ما سيتعلمه الأوروبيون والأمم المتحدة والآسيويون عندما يجربون دساتيرهم الأقل نجاحاً. وبوجه عام، فإن أميركا لا تزال بعافية جيدة، سواء في بالو ألتو أو جنوب فريسنو ولا تزال أقوى بكثير مما يعتقد منتقدوها الدائمون. \r\n \r\n