إنها المرة الأولى التي تصل فيها ظاهرة الشباب المتطرف اليائس المستعد لإزهاق روحه بهدف القتل العشوائي لعشرات الأبرياء الى الشواطئ البريطانية‚ ورغم ان هذه الظاهرة متفشية منذ سنوات في منطقة الشرق الاوسط خاصة في اسرائيل‚ والآن بصورة يومية في العراق مسببة الكثير من القتل والدمار الذي يفوق كثيرا ما عانته لندن خلال الايام الماضية‚ إلا ان الصدمة كانت كبيرة بالنسبة لبريطانيا الآمنة المنظمة‚ وإن صدقت شكوك الشرطة فان الوضع العادي لهؤلاء الصبية ومولدهم في بريطانيا وحملهم لجنسيتها وانحدارهم من اسر آسيوية تنعم بالراحة والاستقرار يثير الكثير من القلق ومؤشرات الخطر‚ ولكن هل غيرت هذه الهجمات الارهابية طبيعة استجابة الشعب البريطاني؟ لقد كانت استجابة سكان لندن وتجاوبهم مع هذه الكارثة على قدر كبير من الروعة والتعقل‚ فلقد التزمت الجهات الامنية والحكومية بدرجة عالية من الهدوء والثبات بعيدا عن التوتر والرعب وانصرفوا الى اداء واجباتهم بشكل اذهل العالم‚ لقد كان هنالك حزن عميق عل القتلى‚ وتعاطف كبير مع اصدقائهم واسرهم وهنالك دعم ومؤازرة متواصلة للجرحى السبعمائة ولكن في نفس الوقت كان هنالك اصرار واضح بعدم تكثيف الامن بصورة تخدش حريات الحركة الاساسية او الترابط الاجتماعي‚ وهي الاهداف الرئيسية التي قصد الارهابيون تدميرها‚ ان منع الانتحاريين اكثر صعوبة من منع الذين يزرعون قنابلهم ويهربون لتقوم هي بتنفيذ اهدافهم التخريبية في اليوم التالي‚ كما ان الارهاب الانتحاري يفتقر الى الحل السياسي الواضح وهو بذلك يختلف كثيرا عن حملات الجيش الجمهوري الايرلندي الارهابية‚ وعن حملات ايتا الباسكية في اسبانيا‚ كما اننا لا يمكن ان نحيط انفسنا بجدار كما حاولت اسرائيل او ان نضع اجهزة كشف المعادن على كل باص او قطار او عند مدخل كل نفق لان هنالك حدودا واضحة لحماية مثل هذه الاهداف السهلة لا يمكن ان نتخطاها‚ وقد تكون الاستخبارات الجيدة جزءا من الحل‚ ولكن حتى الاستخبارات الجيدة لها محدوديتها‚ واقرب مثال لذلك ان المتهمين الاربعة بهذه التفجيرات لم يتم رصدهم او تمييزهم في اي موقع من مواقع المراقبة الامنية‚ لذلك اعتقد ان الاجابة الاهم والاكثر فاعلية يجب ان تأتي من داخل المجتمعات التي ينتمي اليها الارهابيون انفسهم‚ \r\n \r\n وفي هذه الحالة نفترض الجالية الاسلامية الواسعة بجميع الاجزاء المكونة لها‚ باكستانيون كانوا أم من شمال افريقيا‚ من الشرق الاوسط أو من اي منطقة أخرى‚ لقد كانت ردة فعل هذه الجاليات مثيرة للدهشة والاعجاب‚ وكانت مواجهتهم لظاهرة التطرف الاسلامي في المساجد والمدارس بكل الحزم والاصرار شيئا رائعا‚ لقد تحدث القادة الاسلاميون بكل وضوح عن الشر المندس في صفوفهم‚ واكدوا بكل صراحة انه لن يكون محتملا في المستقبل ومع ذلك فهم يواجهون ايضا مشكلة كبيرة‚ \r\n \r\n فالأجيال الناشئة التي يمكن ان يخرج منها مثل هؤلاء الانتحاريين جاءت من عالم يختلف عن عالم آبائهم فهم لا يعرفون سوى القليل عن اوطان اسلافهم‚ وهم لا يشعرون بأي نوع من الانتماء الى هذه الاوطان‚ \r\n \r\n لقد نشأ الكثير من هذا الجيل في احياء الاقليات في المدن الصناعية في سكوتلندا‚ شمال انجلترا او الاجزاء الوسطى من بريطانيا ومع ذلك فهم لا يحسون بمشاعر الانتماء لبلاد استقرارهم الجديدة‚ وهم بالتالي جيل ضائع‚ اضف لهذه العوامل السحر الجاذب لما يسمى بالاسلامية الدولية أو سمها القاعدة أو ما شابهها التي ظهرت كماركة عالمية دون الاحساس بالمجتمع او المسؤولية مبدلة الترابط الاجتماعي بالإخلاص والانحياز التام للتعصب‚ شبيهة في ايديولوجيتها بالماكدونالدية لا وجه لها ولا جذور اضافة إلى ان مؤثراتها التحريضية تحمل السمة الدولية‚ فيمكن ان تحدث الاثارة من خلال الحرب في العراق أو إسرائيل أو أفغانستان‚ في تفجيرات لندن استهدف الارهاب اكثر الاهداف سهولة نظام المواصلات واكثرها تنوعا عرقيا‚ إذ لا يوجد في لندن مكان آخر يمكن ان تختلط فيه الاعراق والثقافات بمثل هذه الإلفة‚ ولهذا السبب نهضت كل الجماعات والاقليات العرقية وتوحدت في ادانة هذه التفجيرات‚ \r\n \r\n في السنوات الاخيرة بدأ الحديث عن النجاح البريطاني النسبي في دمج الاقليات المهاجرة سواء أكانوا مسلمين‚ هندوسا‚ من جنوب آسيا أو من افريقيا في المجتمع البريطاني مقارنة بالمعاناة التي تواجهها دول اوروبية اخرى مثل فرنسا وهولندا من جراء الحوادث العنصرية‚ وقد جاءت الاحداث الاخيرة لتجعلنا نعيد النظر في تلك الفرضيات التي افترضناها‚ وكذلك الاضطرابات العرقية الدورية التي باتت تشهدها المدن الشمالية‚ كما ان التحدي الذي يواجهه القادة المسلمون المعتدلون هو اكتشاف العناصر الارهابية المندسة داخل مجتمعاتهم ونبذها وعزلها قبل ان تأتي ردة الفعل من بريطانيا البيضاء والتي يمكن ن تتسبب في كثير من العزل لاجيالهم من الشباب‚ \r\n