ولكن خلال السنة والنصف الماضية وقفت الشعوب في وجه حكامها على شكل انتفاضات‚ \r\n \r\n حدث هذا في جورجيا في نوفمبر 2003 وفي اوكرانيا بعدها بعام والآن في قيرغيزستان‚ فالشعوب لم تعد تطيق الانتظار والاخذ بالوسائل السلمية للتخلص من حكامها بل خرجت الى الشوارع لتفرض ارادتها‚ والاكثر اثارة للدهشة هو سرعة سقوط تلك الحكومات عندما واجهت المحتجين الذين كانوا يطالبون بأن يحترم هؤلاء القادة وعودهم التي قطعوها على انفسهم بعد خلاص دولهم من نير العبودية السوفياتية وعلى رأسها ضمان ممارسة حرية التعبير وانتخابات حرة وغد افضل‚ وهي امور فشل هؤلاء الحكام في تحقيقها‚ \r\n \r\n يقول الكسندر رونديلي رئيس المؤسسة الجورجية للدراسات الاستراتيجية والدولية «ان الشعب يشعر بالتعب في كل مكان»‚ ويقول رونديلي ان الانتفاضتين في جورجيا وأوكرانيا اظهرتا للناس الشيء الممكن الذي يمكن ان يفعلوه‚ واضاف «لقد بدا للناس مدى سهولة الامر وهم يراقبون ما يحصل في دول اخرى على شاشات التليفزيون»‚ \r\n \r\n الرئيس عسكر اكاييف حكم قيرغيزستان لمدة 15 عاما متواصلة اي منذ استقلالها ولم يجد امامه في النهاية سوى الهرب من العاصمة بشكيك بعد ان هاجت الجماهير ضد التجاوزات الكثيرة التي حصلت في الانتخابات البرلمانية الاخيرة واقتحمت المباني الحكومية وفجأة تبخرت قوات الامن‚ \r\n \r\n وعلى غرار شيفرنادزة في جورجيا وكوتشما في اوكرانيا اعتقد اكاييف ان بامكان سلطة الدولة فرض الديمقراطية بالطريقة التي تراها وتناسبها لصالح بعض المرشحين المختارين‚ \r\n \r\n البرلمان في تركمستان اعلن عن تعيين الرئيس سبامورات نيازوف رئيسا مدى الحياة‚ والرئيس الكساندر لوشنكو اشرف على تنظيم استفتاء يسمح له بترشيح نفسه للرئاسة الى الابد‚ \r\n \r\n ويبدو عموما ان الثورات الديمقراطية في جورجيا وأوكرانيا لها تأثير مستفز ومحفز لكي يتم تقليدها في آسيا الوسطى‚ فقد خرج الآلاف الى الشوارع في جمهورية قيرغيزستان للاحتجاج على المخالفات التي حصلت في التصويت في الانتخابات التي جرت في الشهر الماضي‚ \r\n \r\n فالرئيس اكاييف اضطر للتراجع الى خطوط دفاعية ثم الفرار لاحقا حيث فقدت قوات الشرطة التابعة له السيطرة على الوضع في المراكز الجنوبية ثم الشمالية لاحقا‚ \r\n \r\n وفي الوقت الذي وعد فيه الرئيس الهارب بعدم استخدام القوة ضد المتظاهرين الا انه وضع اللوم على قوى خارجية في اثارة القلاقل في بلاده‚ وبالرغم من وجود بعض الشبه في بدايات التذمر وتأمل الكثيرين في هذه الجمهورية في تحقيق النجاح على غرار ما تم في احتجاجات الشوارع في كييف وتبليسي الا ان الوضع هنا يختلف‚ فالمعارضة القيرغيزستانية متشرذمة وتنقسم البلاد من الناحية العرقية والسياسية بين الشمال والجنوب‚ \r\n \r\n قيرغيزستان مجرد بلد صغير وفقير ولكنه مهم من الناحية الاستراتيجية كونه يقع الى الشمال الغربي على الحدود الصينية وتوجد به قواعد عسكرية مهمة لكل من الولاياتالمتحدة وروسيا‚ وقد لعبت قيرغيزستان دورا مهما للغاية خلال العمليات التي كانت تشن ضد افغانستان قبل الاحتلال الاميركي لها‚ \r\n \r\n الآن يجري اعادة بناء افغانستان وهذا لن يؤدي بالتأكيد الى دفع موسكو لتخفيف نفوذها كون الاميركيين موجودين في هذا البلد والدول المجاورة‚ \r\n \r\n وهناك خطر حقيقي من ان تعمل كلتا الدولتين على التدخل في هذا الوضع الفوضوي الخطير‚ \r\n \r\n كان اكاييف من اكثر القادة تسامحا تجاه المعارضة في فترة ما بعد الحكم السوفياتي وهو في ذلك يتفوق على اسلام كاديموف في اوزبكستان على سبيل المثال‚ ولكن هذا الزعيم للاسف اصبح يميل اكثر فأكثر للاستبداد في السنوات الاخيرة‚ وكانت آخر الانتخابات البرلمانية قد شابها الكثير من التجاوزات كما يقول المراقبون التابعون لمنظمة الامن والتعاون في اوروبا‚ والعديدون من اسرة اكاييف انتخبوا في البرلمان على يد الناخبين في العاصمة بشكيك‚ وغني عن القول ان قاعدة المعارضة الشعبيين «هزموا» على نحو او آخر‚ \r\n \r\n وأحد العوامل المهمة في السخط الذي يسود في الجنوب هو فقدان الوظائف والاعمال في المصانع السوفياتية التي اغلقت في مدينة أوش‚ \r\n \r\n وعلى الرئيس اكاييف ان يقر بفشل الانتخابات البرلمانية الاخيرة وقبول اعادة تنظيم الانتخابات في المناطق التي تمت بها التجاوزات على نطاق واسع‚ \r\n \r\n وكان من المفترض ان تنتهي فترة رئاسته في الخريف القادم وافضل خدمة كان يمكن ان يقدمها لبلاده هي العمل على احداث نقل سلمي للسلطة للنظام الجديد الذي سيختاره الشعب‚ وهذا يعني تنظيم انتخابات رئاسية عادلة‚ \r\n \r\n اما بالنسبة لموسكو وواشنطن وبكين فان اكبر خدمة يمكن ان تقدمها لهذا البلد هي التراجع وعدم التدخل في شؤونه لرؤية كيف ستستقر الاوضاع دون تدخل اجنبي‚ \r\n