جاءت إلى مخيلتي هذه الذكريات حينما سمعت عن المظاهرات في جنوب قيرغزستان الشهر الماضي وهى المظاهرات التي اندلعت بسبب التلاعب في نتائج الانتخابات البرلمانية . شعرت بالقلق ولكن الناس معتادون على التلاعب في نتائج الانتخابات ولم يكن يخطر ببالي أن مثل هذه المظاهرات سوف تسفر عن شئ . \r\n في 24 مارس كنت جالسة أمام جهاز الحاسب الآلي أراقب الأنباء وأتحدث إلى أصدقائي محاولة معرفة ماذا يفعل المتظاهرون في العاصمة بشكيك . في النهاية ذهبت إلى النوم وبعد أربع ساعات دق جرس الهاتف وعلمت أن الرئيس غادر قيرغزستان . لم أصدق ما حدث فقد كانت فقط أربع ساعات التي فصلتني عن آخر الأنباء وتأكدت أن فترة حكم عسكر أكاييف التي امتدت لخمسة عشر عاما قد ولت إلى غير رجعة فجأة وبدون مقدمات . \r\n كان الشعب مسرورا ومنتشيا بوضع نهاية لهذا الحكم المتسلط ولكن بدأت تظهر على الساحة أعمال سلب ونهب ومذابح وكان ذلك بمثابة كابوس بالنسبة لي . \r\n الناس في كثير من أنحاء العالم تنظر إلى الثورات على أنها الطريق الذي سيقودهم إلى الديموقراطية والعيش في أمن وأمان ورخاء ولكن الوضع مختلف في قيرغيزستان حيث لم يتحدث أحد من الزعماء الجدد عن الديموقراطية . منذ عام 1991 م الذي شهد سقوط الاتحاد السوفييتي وحتى عام 1995 م ونحن لدينا ديموقراطية خاصة بنا . كان الرئيس أكاييف في ذلك الوقت رومانسيا وكان يقول عن نفسه: إنه ديموقراطي ولكن من الصعب أن يتم تطبيق الديموقراطية في بلد مثل قيرغيزستان التي تعد من بين التركة العتيقة التي خلفها الاتحاد السوفييتي سابقا . كان من المُقرر أن تنتهي ولاية أكاييف الرئاسية في عام 1995 م ولكن بالنسبة له ولأسرته لم يكن من الممكن ضمان مستقبل مشرق وهم خارج السلطة . بدأت زوجه وابنه وابنته في مد نفوذهم إلى دوائر كثيرة في قيرغيزستان وفي النهاية انضم إليه زوج الابنة . \r\n في عام 1995 م بدأنا نعاني من الكبت وتكميم أفواه الصحفيين وقمع حرية التعبير عن الرأي . أصبح الوضع سيئا في عام 2000 م في الانتخابات الرئاسية . تمكنت أسرة الرئيس من شراء ذمم الصحفيين وأصبح لزوجة ابنه أكاييف تأثير واسع على وسائل الإعلام . \r\n بعد الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية في الشهر الماضي شعرت بإحباط شديد في البرلمان أصبح يضم 69 نائبا برلمانيا موال لأكاييف وستة نواب فقط يمثلون المعارضة . كان الناس في بلادنا يتوقعون أن يتم التلاعب في نتائج الانتخابات ولكن لم يكن أحد يتصور أن يصل بهم التمادي في الغي والاستهتار بمقدرات الشعب إلى هذه الدرجة وكان ذلك بمثابة انطلاق الشرارة الأولى للاضطرابات . \r\n لقد تحقق للمعارضة نصف ما تحلم به وهو التخلص من الرئيس ولكن بقى البرلمان وهو برلمان مُنتخب وقد كنا في ذلك الوقت في طور إجراء تغيير في النظام الحكومي حيث كان سيتم منح البرلمان صلاحيات أوسع على حساب صلاحيات الرئيس . الوضع الذي نحن فيه الآن ومستقبلا هو رئيس من المعارضة لا يشعر بالإرتياح للبرلمان المُنتخب الذي يدين بالولاء إلى الرئيس السابق عسكر أكاييف . \r\n أنا أتوقع أن تكون هناك مواجهة شرسة بين الرئيس والبرلمان ولكن بأي حال من الأحوال لن تفضي هذه المواجهة إلى تحقيق الديموقراطية في قيرغيزستان . \r\n \r\n \r\n خدمة ال(واشنطن بوست )- خاص ب(الوطن ). \r\n