ضاعت العظمة الفنية أمام محاولة درامية غير موفقة لتقديم الشخصية بصفات إنسانية سلبية سؤال صغير جدًا أبدأ به مقالى.. هى مصر فيها كام أم كلثوم بل العالم كله فيه كام أم كلثوم؟.. هى أم كلثوم واحدة أسطورة ذات موهبة جبارة منَّ الله بها على مصر، لم ولن تتكرر إلى أن يشاء الله.. لم تكن صوت الطرب فقط وإنما كانت صوت الوطن فى لحظاته الأصعب.. فإذا كان الأمر هكذا كيف تجرأ صناع فيلم «الست» على تقديم هذه المسخرة بزعم أنها قصة حياة كوكب الشرق.. ما قدموه لنا ليس فيلمًا ولكنه مهزلة بكل معنى الكلمة واغتيال صريح للأسطورة.. تدنٍّ فى كل شيء، فبجانب الصورة المظلمة والموسيقى التصويرية الهوليودية كان الفيلم يزخر بالمشاهد المسمومة التى تتسلل للمشاهد ببطء لترسّخ لديه صورة مشوهة عن أم كلثوم كفيلة بهدم الأسطورة وتحويلها إلى مجرد امرأة كئيبة تحمل من النقائص والعقد والمطامع والانتهازية ونفاق السلطة وكسر الخواطر والتلاعب بمشاعر الرجال وكل ما تتخيله من نقائص أخرى جرى حشرها فيما يقرب من ثلاث ساعات، فما هو الهدف؟.. هل هو هدم الأسطورة وتصغيرها فى العيون والتقليل من قيمتها التى حفظها لها الزمن عبر قرن من الزمان.. إن فطنة الجماهير وعزوفهم عن مشاهدة هذه المسخرة وما بها من محاولات الاغتيال المعنوى كان صفعة قوية على وجوه صناع الفيلم وأبلغ رد عليهم، ولم تفلح البوستات والفيديوهات التى بثها بعض النقاد الفنيين على صفحات التواصل الاجتماعى للترويج للفيلم وللتغطية على الجريمة وخاصة أن رائحة «الشاى بالياسمين» كانت تفوح من أفواههم.. لقد كسر الفيلم الصورة الذهنية للأيقونة التى رسخت فى وجدان الأجيال رمزًا للقوة والشموخ والتفانى الفنى والوطنى.. وبرغم إنتاجه الضخم إلا أنه قدم للمشاهد واقعًا قاسيًا من خلال مجموعة من المشاهد المقتطفة، هدفها الوحيد هو تجريد الست من وقارها، لقد ضاعت العظمة الفنية أمام محاولة درامية غير موفقة لتقديم الشخصية بصفات إنسانية سلبية، منها حدة الطبع المفرطة والهوس بجمع الثروة على أساس أن المال كان بالنسبة لها ذا أولوية مطلقة، لدرجة أنها كانت حريصة على تقاضى أجرها قبل أن تصعد للغناء ولا تثق فى هذا الشأن فى أى مخلوق حتى ولو كان أقرب الناس إليها.. وثمة أسئلة أخرى عزيزى القارئ، هل كانت أم كلثوم كما ظهرت فى الفيلم مدخنة شرهة للسجائر؟ وهل غنت رائعتها «مصر التى فى خاطرى» تحت التهديد؟.. وهل كانت أغنيتها «وحقك أنت المنى والطلب» للحمار أم كانت كما كتبها الشاعر لله عز وجل؟.. هل فازت أم كلثوم بمقعد نقيب الموسيقيين بتهديد أعضاء النقابة بقطع العيش أم بمكانتها الرفيعة كسيدة الغناء العربى؟.. أين تفاصيل صعودها إلى القمة وأين رفقاء رحلتها الفنية الطويلة والذين صنعوا لها أعذب الكلمات والألحان؟.. أما عن منى زكى والتى مثلت دور أم كلثوم فحدّث عزيزى القارئ ولا حرج.. يدوب ركبوا لها اللغد ولبسوها النظارة السوداء ومسّكوها المنديل وقالوا لها الباقى عليكى فكان الاستهبال اللى على أصله تطجين فى الكلام وسوقية وعجرفة وعصبية وقلة ذوق واستظراف فى غير محله والظهور فى حالة دائمة من الإكتئاب والوهن والسوداوية وكأنها شخصية فاقدة للروح المعنوية وكارهة للحياة وكذلك صاحبة لسان مدب ومتسلطة وانتهازية ووصولية ومكروهة من الأهل والعازفين.. امرأة مادية متسلطة منافقة وأبوها شخص انتهازى يتاجر بصوت ابنته وأهم حاجة عنده الفلوس.. لا يمكن فهم هذه الاستفزازات الفنية إلا كمحاولة لتشويه الرمز والبحث عن الإثارة الرخيصة، والسؤال الذى يفرض نفسه، لماذا شوهتم صورة أم كلثوم ولّا هى جت معاكم كده.. مفيش أى إيجابيات لأم كلثوم تجيبوها فى الفيلم بدل الضرب والطحن فيها طوال ثلاث ساعات.. أردتم تقديم صورة فنية وإنسانية لها فجردتموها من فنها ومن إنسانيتها ومن تاريخها.. والله بعقد الهاء لو الأمر بيدى لقدمت صناع الفيلم للمحاكمة العاجلة.. ما قل ودل: الأقربون طعناتهم أخطر، فهى تأتى من مسافات قصيرة.