كان حشد بشري كبير من الرومانيين باستقبال الرئيس الأميركي. كانت السماء تمطر وكان الى جانبه الرئيس الروماني «ايون الليسكو»، الذي كانت تعلو وجهه ابتسامة خفيفة، وهو ينظر الى هذا الشريك الأميركي الآتي من تكساس والذي قبل دمج رومانيا في اطار الحلف الاطلسي، ولم يكن يبدو على وجه الرئيس الأميركي اي انفعال، وهو يقف الى جانب ذلك الشيوعي السابق الذي شارك بفعالية في المؤامرة التي انهت نظام شاوشيسكو عام 1989. \r\n \r\n \r\n كان بوش ينظر الى السماء، سماء بوخارست الممطرة، والتي ارتسم فيها قوس قزح.. في تلك اللحظة بالذات دعا الرئيس الأميركي الجماهير المحتشدة للنظر الى السماء مثله كي تشهد المنظر نفسه الذي اعتبره بمثابة اشارة لمباركة دخول رومانيا الى بنى الحلف الاطلسي. \r\n \r\n \r\n لقد اعرب الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش في بوخارست عن تأييده الكبير لانضمام رومانيا الى «محور الخير» والتزامها في الحرب ضد الارهاب. وذلك بعد ان تخلصت قبل سنوات من المرحلة التوتاليتارية التي عانى الشعب الروماني كثيرا خلالها \r\n \r\n \r\n كان الرئيس بوش يعبر عن افكاره بلغة بسيطة ومن دون ان يأخذ باعتباره واقع أن مضيفه ايون الليسكو كان شيوعياً سابقاً ولا يخفي ذلك. لقد كانت بهجة جورج دبليو بوش مثيرة للاطمئنان ببساطتها على الرغم من انه ليس خطيباً مفوها كماهو معروف. وقد قال في خطابه: «لقد قامت رومانيا بسفر تاريخي. وبدلا من الحقد اخترتم التسامح. \r\n \r\n \r\n ثم اضاف مشيراً الى المهمة التي رأى أنه ينبغي على الرومانيين القيام بها: «ان رومانيا، ومن اجل مستقبل السلام الذي نبنيه، ستعزز خطانا على طريق جديد، انها ستكون بمثابة جسر الى روسيا جديدة. وكما قلت البارحة للرئيس فلاديمير بوتين فإن روسيا التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من اوروبا ليست بحاجة الى منطقة عازلة من اجل فصلها عن القارة. إن اميركا ورومانيا صديقتان للشعب الروسي والأمر نفسه بالنسبة للحلف الأطلسي. \r\n \r\n \r\n صفق الرومانيون طويلاً لخطاب الصداقة هذا مع روسيا، وما كان مهما ان يقبلوا مثل هذا الخطاب في الامس. إن تلك الزيارة السريعة التي قام بها رئيس الولاياتالمتحدة للعاصمة الرومانية بوخارست استمرت الزيارة أربع ساعات فقط واسلوبه وخطابه وظهور قوس قزح في السماء عندما كان يلقي بخطابه ثم اعتباره بمثابة مؤشرات على «قصة نجاح» جورج دبليو بوش. \r\n \r\n \r\n كما أظهرت تلك الزيارة ايضاً تمتعه ب «واقعية سياسية» على خلفية دعوته لأخلاق كونية لا يمكن ان يرفضها سوى الاشرار والارهابيين والدول التي تدعمهم او تحميهم. ثم ان تلك الزيارة وبكل تفاصيلها أظهرت بوضوح الآليات التي تفرض فيها الادارة الأميركية الحالية بقيادة جورج دبليو بوش نفسها على الدول الحليفة، او على الزبائن الجدد. \r\n \r\n \r\n الحداد والغضب \r\n \r\n \r\n هناك عدة وقائع محددة تساعد على فهم المنطق الذي يحكم آليات عمل الرئاسة الأميركية ان الرئيس جورج دبليو بوش يريد أن تمثل الادارة الجمهورية الراهنة قيم العالم الغربي باعتبارها تجسيده الحقيقي والريادي واللغة التي يتم استخدامها تقوم على الاقتناع بوجود حقيقة كونية تتجاوز المكان والزمان، وهذه الحقيقة هي تأكيد القوة الأميركية وحيث ينبغي على الآخرين ان يتابعوا الجهود من أجل ان يحققوا الازدهار على الأقل، هكذا يقوم الرئيس جورج دبليو بوش قائمة بالدول الصغيرة او الهشة، مثل البانيا ومقدونيا ثم يسدي النصائح لها. \r\n \r\n \r\n ولا يتردد في الوقت نفسه بإن يقدم توصيفاته للعالم الذي نعيش فيه فيوزع التشجيع او اشكال النقد لقوى مثل الصين او روسيا. والتوجيهات التي يقدمها قد تكون اخلاقية او سياسية او اقتصادية. ثم ان الخطاب الانتصاري الذي يردده جورج بوش «الابن» هو خطاب لم يتفوه به جورج بوش الأب، عندما كان يدفع بمهارة غورباتشوف نحو الخسارة في خريف عام 1989 وكان ايضاً يبني اوروبا لفترة ما بعد الشيوعية مع أفق توحيد المانيا داخل اطار الحلف الاطلسي. لقد كان جورج بوش الأب مقلاً في الكلام اكثر من ابنه. \r\n \r\n \r\n ان النزعة التبشيرية الواثقة التي يتسم بها الخطاب الأميركي واقتناع بوش الابن وفريقه بإنهم اصحاب هذه النزعة وما تتضمنه من حقيقة كونية لا تعبران عن مقولات جديدة، ذلك إن الرئيس الأميركي الديمقراطي الاسبق ويلسون كان يريد اقامة نظام دولي عام 1919، وكان الرئيس ترومان قد طرح فكرة «الاحاطة» بالاتحاد السوفييتي وصد الشر الشيوعي عام 1947. \r\n \r\n \r\n الجديد، اذن، لدى جورج دبليو بوش ليست العودة الى المباديء العامة للخير وانما بالأحرى الانتقال الى الهجوم والتحرك الوقائي، إذ لم يعد الردع كافياً وانما ينبغي بالأحرى انهاء الخصوم. أي الانتقال الى العمل. ان جورج دبليو بوش يجد موقعه في اطار الحداد والغضب في الوقت نفسه. لكن «الغضب اقوي من الحداد». ومن أجل فهم ما قاله الرئيس بوش في بوخارست وقبل ذلك بعدة أيام في براغ اثناء قمة الحلف الاطلسي في نوفمبر 2002 حيث تم بحث ترشيح عدة بلدان جديدة من وسط أوروبا، انما يتطلب من دون شك العودة الى صدمة 11 سبتمبر ,2001. \r\n \r\n \r\n هكذا غدا جورج دبليو بوش قائد الحرب الجديدة ضد الارهاب فالولاياتالمتحدة اصيبت في ارضها من قبل ارهابيين قدموا من الخارج. ولقد كانت هناك اعمال ارهابية استهدفت الولاياتالمتحدة قبل 11 سبتمبر 2001 ومنذ نهاية الحرب الباردة في ايران ولبنان والصومال ومناطق اخرى من العالم وحيث بدا ذلك مسيئاً لشرف اميركا ولمصالحها. لكن ان يتم ضرب مقر وزارة الدفاع البنتاغون اي المركز الحيوي للدفاع الأميركي في واشنطن وبرجي مركز التجارة الدولي في نيويورك، رمز الوفرة والانتعاش الرأسمالي، انما يعني هذا حدث لا سبق له. \r\n \r\n \r\n الرئيس الذي اختفى \r\n \r\n \r\n كان ينبغي ان يكون الرد على مستوى الصدمة التي احسها الرأي العام الأميركي وقسم كبير من الرأي العام العالمي.. لقد بلغ عدد ضحايا برجي مركز التجارة الدولي في نيويورك حوالي ثلاثة آلاف شخص من مدنيين ورجال اطفاء. ولنطرح اذن فرضية ان جورج دبليو بوش لم يكن ينتظر مثل هذه المأساة ولم يكن قد تهيأ بالفعل للقيام بدور من يتحمل على كتفيه مسئولية قصاص الجناة. وهو الذي كان قد قال لأحد الصحافيين اثناء الحملة الانتخابية الرئاسية: «انني لن أزعم لعب دور ذلك الذي كان قد امضى ساعات طويلة في مجال القضايا الدولية.. أنا ما أنا عليه». \r\n \r\n \r\n هذه الجملة «أنا ما أنا عليه» ظهرت دلالاتها بالتدريج بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001، ففي اللحظات التي اعقبت تلك الانفجارات على واشنطنونيويورك «اختفى الرئيس لعدة ساعات»، فقد كان مختبئاً ومحروساً حسب وصايا نائبه ديك شيني. ثم عاد للظهور من جديد ليعلن مثل شريف في احد افلام رعاة البقر ان مطاردة الاعداء وتحديد «ثمن لرأس كل منهم»، اصبح بمثابة اولوية اميركية.. وقد قال في خطابه الذي ألقاه بعيد تفجيرات 11 سبتمبر: «اسعدتم مساء ايها المواطنون.. \r\n \r\n \r\n إن نمط حياتنا وحريتنا تعرضا اليوم للضرب عبر سلسلة من الاعمال الارهابية القاتلة التي استهدفتنا عمداً. كان الضحايا في الطائرات وفي المكاتب. وكانوا من السكرتيرات ورجال الاعمال والعسكريين واعضاء في الحكومة الفيدرالية، امهات وآباء، اصدقاء وجيران.. لقد فقد الآلاف حياتهم بفعل اعمال ارهابية مقيتة». \r\n \r\n \r\n ثم اضاف: «إن صور الطائرات وهي تضرب المباني والنيران التي تشتعل والبنى الهائلة التي تنهار ملأتنا بحزن عميق رهيب وبغضب هاديء وحازم. لقد استهدفت هذه الاعمال دفع امتنا الى الخوف والفوضى والانزواء. لكنها فشلت في ذلك فبلادنا قوية». هكذا اذن تركز الحديث على قوة الولاياتالمتحدة الأميركية وتضامنها وفعاليتها.. وقد ركز على حسن عمل الحكومة والمؤسسات عندما حدد القول: «ان مؤسساتنا المالية تبقى قوية ويبقى الاقتصاد الأميركي مفتوحاً كذلك للاعمال التجارية». وأنهى الرئيس جورج دبليو بوش ذلك الخطاب بالدعوة للصلاة ثم قوله: «انني لا اخشى اي شر، لانكم قربي». \r\n \r\n \r\n ان الرئيس بوش قد حدد اذن انطلاقاً من 11 سبتمبر 2001 منهجاً باسم الدفاع عن نمط الحياة الأميركية وعن «الخير» و«العدالة».. مع ذلك لم يكن هذا النهج بعيداً جداً عماً كان قد أعلنه عندما القى خطاب توليه رسمياً المنصب الرئاسي بتاريخ 20 يناير 2001، ففي ذلك اليوم تحدث الرئيس الذي كان قد تم انتخابه بصعوبة وبفارق قليل من الاصوات عن منافسه آنذاك «آل جور» عن التاريخ الطويل للولايات المتحدة الأميركية وموقفها من الحرية وتأكيدها على «الدفاع» وليس على «الفتح».. \r\n \r\n \r\n لقد اعاد قول ما كان قد جاء ذات يوم على لسان توماس جيفرسون» عند اعلان الاستقلال عندما قال: «ان ملاكاً يرشد خطانا في انواء العاصفة». ولم يكن مفهوم التحدي غائباً عن خطاب جورج دبليو بوش حيث وجهه ضد المسئولين عن تكاثر اسلحة الدمار الشامل: قال: «اننا سوف نواجه اسلحة الدمار الشامل (..) واننا سوف ندافع عن حلفائنا وعن مصالحنا. \r\n \r\n \r\n فإذا كانت تفجيرات 11 سبتمبر 2001 قد زادت بالتأكيد من «الحداد والغضب الاميركيين فإن السياسة المصممة لولايات المتحدة كانت قد ارتسمت ملامحها الأولى منذ عدة اشهر. كان على الرئيس جورج دبليو بوش ان يبعد عنه صورة كونه مجرد الابن البكر للرئيس السابق جورج بوش الاب، ومنذ البداية صاغ الابن رسالة وجهها للاميركيين فور وصوله الى البيت الابيض وجاء فيها: \r\n \r\n \r\n «اننا سوف نبني دفاعنا ابعد من التحدي». لكن الأميركيين لم يسمعوا جيداً هذه الرسالة في شهر يناير 2001 فبوش لم يكن محبوباً ولم يكن ذا صدقية.. ذلك ان صورة الرئيس ابن الرئيس قد استمرت.. وحتى بعد الأيام الأولى التي اعقبت 11 سبتمبر ,2001. وتثببت «بصريا» يوم 14 سبتمبر اثناء الاحتفال الذي جرى في الكاتدرائية الدولية في واشنطن في ذلك اليوم كان الرئيس جورج دبليو بوش، جالساً الى جوار زوجته لارا التي كان جورج بوش الاب يجلس بجانبها وعلى يمينه زوجته بربارة بوش. \r\n \r\n \r\n «كانت صورة غريبة فالاب والابن يتشابهان الى حد كبير مع فارق ان جبهة الأب اعلى . وكان بوش الأب ينظر بثبات باتجاه المنصة وقد امسك بيد ابنه الذي كان يزم شفتيه وهو مقطب الجبين. كان ذلك الوجه متجهماً ومشدوداً. والى جانب بربارة بوش كان يجلس الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون الذي كان يميل بقامته نحو الأمام وكأنه في حالة تأمل.. وكان من ميزة كلينتون قدرته على التعبير عن الألم في تعابير وجهه على عكس جورج دبليو بوش. \r\n \r\n \r\n في ذلك اليوم تحدث جورج دبليو بوش للجمهور وكانت كلماته الأولى هي اعلان الحرب عندما قال: «إن الولاياتالمتحدة الأميركية تقود حرباً شاملة ضد الارهاب» وأضاف: «اننا لا نفرق بين الارهابيين وبين اولئك الذين يأوونهم او يقدمون المساعدة لهم». كانت الصيغة قوية، لكن الصوت كان ضعيفاً و«كأن اقوال بوش كانت تتجاوزه». \r\n \r\n \r\n وقد حدد الرئيس آنذاك «مجال الحرب» في افغانستان ضد طالبان وتنظيم «القاعدة» لكنه اضاف: «هذا ليس ميدان المعركة الوحيد التي سنخوضها ضد الارهابيين. إن آلاف الارهابيين المدربين لايزالون ينتظمون في خلايا بأميركا الشمالية واميركا الجنوبية وأوروبا وافريقيا والشرق الاوسط وعبر آسيا. كان الرئيس بوش يريد ان يؤكد على الزعامة الأميركية الجديدة في العالم.. وهذا ما عبر عنه بصراحة عندما قال: «اننا وعبر الحملة التي نقودها ضد الارهاب بصدد علاقات دولية جديدة منتجة مع اعادة تحديد العلاقات القائمة من اجل مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين». \r\n \r\n \r\n ان الموضوعات التي تطرق لها جورج دبليو بوش يوم 14 سبتمبر تكررت في الاحاديث والخطابات اللاحقة.. لكن الاسلوب لم يتغير، اذ ظل مباشراً وفظاً ومؤكداً على زعامة الولاياتالمتحدة في عالم اعادت هي نفسها صياغته. وفي المؤتمر الصحافي «الاعتيادي» الأول الذي تم عقده بعد 11 سبتمبر 2001 كان في البيت الابيض في 11 اكتوبر، وتحدث فيه الرئيس بوش عن «سيناريو مطاردة الارهابيين وعن رهانات اشمل واعم وبحيث يرى الآخرون كيف تتم قيادة الحروب الجديدة في القرن الحادي والعشرين. \r\n \r\n \r\n ولقد فرق الرئيس بوضوح بين جيل الاباء، جيل والده الذي قاتل في الحرب العالمية الثانية، وجيل الابناء، اي جيله، المرتبط بالتكنولوجيات الجديدة ومنتجات ثورة المعلوماتية. كان الرئيس بوش يريد ان يميز بين سلوكه وسلوك والده وبأنه سوف يذهب ابعد حيث اكد قوله وسوف نتقدم بهدوء ولكن بثقة نحو تضييق الخناق على الشبكات الارهابية حيثما تواجدت. وإنه لمن الجوهري معرفة ذلك. \r\n \r\n \r\n كان الرئيس جورج دبليو بوش يتحدث بهدوء في ذلك المؤتمر الصحافي حيث اعلن عن توسيع مسئوليات اجهزة الاستخبارات، وقال في معرض الاجابة عن سؤال طرحه احد الصحفيين حول العراق وامكانية توسيع رقعة الحرب ضد الارهاب كي تطال هذه البلاد، قال: \r\n \r\n \r\n «إن المبدأ الذي عرضه امام الشعب الأميركي والكونغرس لا ينص على اننا لن نتابع محاكمة الارهابيين بصورة افرادية لانهم اشرار ويقتلون الناس فحسب، ولكننا سوف نحاسب ايضاً الحكومات التي تأويهم والتي تمولهم وتحميهم وتغذيهم»، واضاف: «لقد ذكرت العراق. ومن غير المشكوك فيه بأن الرئيس العراقي رجل شرير. اذ كان قد استخدم الغازات القاتلة ضد شعبه.. ونحن نعرف بانه يطور اسلحة الدمار الشامل.. وبالتالي سوف نراقبه بعناية فائقة. \r\n \r\n \r\n وجهان \r\n \r\n \r\n ان من يسمع بوش الآن ويراه كان يصاب بالدهشة لانه كان يعبر عن وجهين. اذ كان يعطي الانطباع للوهلة الأولى بأنه باهت وساذج، لكنه كان يقدم ايضاً دقة كبيرة في وصف الافعال التي سيقوم بها مباشرة او مستقبلاً، إن هذه الشخصية الهادئة اعلنت في الواقع عن سياسة تحمل في طياتها كل المخاطر. وما كان قد اعلنه قولاً تبعه بالافعال بعد عدة اشهر. \r\n \r\n \r\n وبدا انه ليس هناك ما يمكن ان يحرف بوش عن الهدف الذي يحدده. فمثلاً نجد ان وسائل الاعلام وقسماً من اعضاء الكونغرس كانوا قد نددوا بعدم فعالية اجهزة الاستخبارات التي لم تستطع الكشف عن التحضير لتفجيرات 11 سبتمبر 2001، وطالب الجميع بتشكيل لجنة تحقيق. \r\n \r\n \r\n لكن هذا كله لم يمنع جورج دبليو بوش من متابعة الرقابة يوماً بيوم على العراق والتحضير للحرب. وعلى الرغم من العواصف الاعلامية التي اثيرت فإن جورج دبليو بوش قد احتفظ بالمسئولين عن اجهزة الاستخبارات اي جورج تينيت بالنسبة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية و«روبيرت موللر بالنسبة لمكتب التحقيقات الفيدرالي. \r\n \r\n \r\n هكذا وبمنتهى الهدوء قام جورج دبليو بوش بنسج خيوط المبدأ الاستراتيجي الأميركي الجديد وارسى اسس رقابة تدريجية على المجتمع الأميركي مما يمس بالتأكيد بالحريات المدنية.. وبهدوء ايضاً وضع بوش حداً لنقاشات كانت قد بدأت منذ عام 1994 وقام بتحويل بنى الحلف الاطلسي ووضع الأوروبيين في مكانهم، بحيث يتم تأييد أية سياسة خارجية او دفاعية اوروبية اذا تماشيتا مع ما تقرره الولايات التحدة الأميركية وفي اطار الحلف الاطلسي. \r\n \r\n \r\n والسؤال هو: هل حولت أحداث 11 سبتمبر بشدة هذا الرجل الذي كان مبغضوه ووسائل الاعلام قد رسموا صورة كاريكاتيرية له اثناء الحملة الانتخابية الرئاسية وحتى خلال الاسابيع الأولى من رئاسية. ولنتذكر كيف كان قد بدا وكأنه مهرج وساذج وغير دقيق في مواجهة منافسه الديمقراطي اثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة، آل غور، الحيوي والمتزن والحازم. \r\n \r\n \r\n بل لم يتردد بعض الصحفيين في وصف بوش الابن بانه مصاب بأمراض نفسية لم تتم معالجتها. وتحدث آخرون عن اضطرابات عصبية يعاني منها. وأعلن البروفسور جوبنيك عن اضطرابات موروثة على الصعيد العضوي، كما شاعت عدة دعابات كان موضوعها المرشح ثم الرئيس الأميركي الجديد جورج دبليو بوش. لكن هذا كله توقف بعد 11 سبتمبر 2001 ولم يعد هناك من يرصد الاخطاء اللغوية في احاديث الرئيس مثل استخدامه للفعل بصيغة المفرد بينما الفاعل بصيغة الجمع او العكس. \r\n \r\n \r\n على العكس وبتاريخ 17 سبتمبر 2002 انجز الرئيس الاميركي مقدمة من صفحتين ووقع العديد من الخطابات التي كان قد القاها بين 14 سبتمبر 2001 والأول من يونيو 2002 والتي تم جمعها فيما بعد تحت عنوان: «الاستراتيجية القومية لأمن الولاياتالمتحدة المتحدة الأميركية. هذه وثيقة مهمة جداً حيث ضمت الخطابات التي ألقاها جورج بوش في برلين بتاريخ 23 مايو 2002 وفي المكسيك بتاريخ 22 سبتمبر 2002 وكذلك خطابات نيويوركوواشنطن. \r\n \r\n \r\n ولم يتم تقديم هذه الخطابات حسب تسلسلها الزمني مما كان يرمي الى التأكيد على وجود رؤية للعالم قدمها الرئيس جورج دبليو بوش فيما هو أبعد من مجرد سياق مرتبط بظرف او بحدث معين. ويبدأ ملف الخطابات هذا وينتهي ايضاً بالخطاب الرئيسي الذي كان قد ألقاه في «الاكاديمية العسكرية» بنيويورك وحيث اعلن بوش عن «نهاية الحداد» وفتح آفاق جديدة أمام الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n \r\n هكذا اعلنت الوثيقة عن بداية مرحلة الحرب الوقائية أمام الاخطاء المحدقة بعد نهاية الحرب الباردة ومفهوم الردع. وبنفس الوقت تم التأكيد على ارجحية النموذج الأميركي. كانت الكلمات الأولى التي تلفظ بها جورج دبليو بوش هي التالية: «في سياق متابعة اهدافنا واجبنا الأول في توضيح اسباب نضالنا اذ ينبغي على الولاياتالمتحدة الأميركية ان تدافع عن الحرية والعدالة ذلك ان هذين المبدأين عادلان ويعترف بهما من قبل جميع الشعوب». \r\n \r\n \r\n شركاء المستقبل \r\n \r\n \r\n لقد حدد الرئيس بوش الشركاء الكبار مستقبلاً لأميركا في روسيا والصين والهند. اما اوروبا فقد تم التعرض لها بعدة كلمات فقط وتحديداً ضمن اطار الحلف الاطلسي. وقد قال الرئيس بتاريخ 20 سبتمبر 2001 امام مجلسي الكونغرس: «لقد حان الوقت لإعادة تأكيد الدور الاساسي للقوة العسكرية الأميركية. علينا ان نبني ونصون دفاعنا فوق اي تحد. واولويتنا الأكثر سمواً هي الدفاع عن الولاياتالمتحدة. ولتأمين ضمان هذا الدفاع بصورة فعلية يتوجب على جهازنا العسكري: \r\n \r\n \r\n تطمين حلفائنا واصدقائنا. \r\n \r\n ردع أية منافسة عسكرية مستقبلية؟ \r\n \r\n \r\n ردع اي تهديد لمصالح الولاياتالمتحدة الأميركية وحلفائها واصدقائها؟ \r\n \r\n \r\n الانهاء التام لأي عدو اذ فشلت اشكال الردع كلها. \r\n \r\n \r\n ان المفارقة كبيرة بين بوش المتردد اثناء الحملة الانتخابية الرئاسية والرجل الذي جعل مبدأه الاساسي هو هيمنة الولاياتالمتحدة على الصعيد العالمي. هناك فرضيتان لشرح ذلك، الأولى هي ان تكون تفجيرات 11 سبتمبر قد حررت، بصورة ما، بوش الابن من ابيه الذي كان قد أدار الحرب الباردة وحرب الخليج 1991. والثانية هي انها وفرت له الفرصة من اجل التمايز عن ادارة بيل كلينون السابقة. \r\n \r\n \r\n لكن مثل هاتين الفرضيتين تبدوان محدودتين جداً. ذلك ان بوش «المتجدد» قد يكون بنفس الوقت نتاجاً لتقليد طويل من التحديات الصعبة التي ينبغي مواجهتها من جهة، وللعلاقة مع دائرة من الاصدقاء والمصالح العسكرية الصناعية التي لا يعود تاريخها إلى 11 سبتمبر ولكن المأساة وفرت الفرصة لهزة مرجوة ومنتظرة من جهة أخرى. \r\n \r\n \r\n لقد بدا جورج دبليو بوش على اقتناع مستمر بإن «الأميركيين طيبون».. وكان قد قال في احدى اجاباته اثناء المؤتمر الصحفي الذي عقده بتاريخ 11 اكتوبر 2001: «علينا ان نقوم بعمل افضل من اجل ان نشرح للناس في الشرق الاوسط مثلاً اننا لا نقوم بحرب ضد الاسلام او المسلمين.. واننا لا ننظر شذراً لأي دين. بل نحن بصدد محاربة الشر». \r\n \r\n \r\n في اليوم نفسه اكد بوش على صداقته لفلاديمير بوتين.. وذلك من منظور تحقيق هدف محدد هو دفع الروس لقبول الانسحاب الأميريكي من المعاهدة الموقعة عام 1972 من قبل نكسون وبريجينيف والتي تنص على الرقابة المزدوجة للاسلحة النووية والبالستية. قال بوش: «لقد قلت لبوتين بإن هذه المعاهدة قد عفا عليها الزمن واصبحت قديمة ولا فائدة لها. واعربت عن أملي بإن ينضم لنا في علاقة استراتيجية جديدة».. لقد اعلن بوش اذن عن نظام دولي جديد وبإنه زعيمه. \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n