\r\n وافق مجلس الأمن الدولي أخيراً على تجميد أرصدة وأموال المشتبه بهم في ارتكاب تلك الجرائم، إضافة إلى موافقته على فرض حظر على سفرهم وتنقلهم، وصولاً إلى إحالتهم للمحاكمة أمام محكمة الجزاء الدولية. وقد كان هذا القرار الأخير بالذات، نتاجاً لمفاوضات شاقة ومضنية، بين كل من إدارة بوش التي لا تزال تحمل على محكمة الجزاء الدولية، وأطراف أخرى من الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، ترى أن محكمة الجزاء الدولية، هي الطريق الأقصر والأسرع لإقامة العدل وإنصاف ضحايا تلك المجازر البشرية الوحشية. يشار أيضاً إلى أن مجلس الأمن الدولي، يستحق التقدير والثناء، على تجاوزه خلافاته الايديولوجية ووضعها جانباً فيما اتخذه من قرارات، لخصناها أعلاه. \r\n \r\n لكن وعلى رغم أهمية هذه القرارات، إلا أنها تثير بالضرورة السؤال التالي: من ذا الذي يتولى مسؤولية تسليم المشتبه بهم إلى المحكمة الدولية؟ لن يكون هذا الطرف حكومة السودان الحالية، المتحالفة مع العرب ومليشيات الجنجويد، التي ارتكبت هذه الفظائع بحق المواطنين في الإقليم، على رغم كونهم مسلمين. فالنظام الحاكم في الخرطوم، بقيادة الفريق عمر حسن أحمد البشير، يعد الأكثر إثارة للاستياء على وجه الأرض اليوم. ذلك أنه المسؤول الأول عن جرائم القتل الجماعي التي ارتكبت، ليس في إقليم دارفور بغرب السودان فحسب، إنما الجرائم نفسها التي ارتكبت في الجنوب أيضاً، حيث يسود هناك المسيحيون والوثنيون. ومع أن مجلس الأمن الدولي قرر إرسال 10.700 جندي لمهام حفظ السلام في جنوب السودان، إلا أن السؤال يظل قائماً حول من سيتولى مهمة حفظ السلام في دارفور، حتى وإن أثبتت تلك القوات الدولية، أهليتها في حفظ الأمن والسلام في الجنوب –على الرغم من أن شواهد التاريخ لا تؤيد هذا الافتراض-. \r\n \r\n ففي الوقت الراهن، لا يوجد في دارفور سوى نحو ألفي جندي من جنود حفظ السلام التابعين للاتحاد الإفريقي، مع العلم بأن مساحة هذا الإقليم، تعادل مساحة بلد أوروبي بكامله مثل فرنسا! كما أن هذه القوات ليست مخولة بمنع وقوع جرائم الاغتصاب وممارسة النهب والسرقة، ولا حتى جرائم القتل. ولا تتعدى صلاحيات القوات المذكورة، حدود مراقبة وقف عبثي لا معنى له لإطلاق النار في الإقليم، كان قد جرى الإعلان عنه وفق اتفاق تم التوقيع عليه العام الماضي، بين مجموعتين من المجموعات المتمردة في دارفور وحكومة الخرطوم. \r\n \r\n إذن يبقى السؤال على جديته وإلحاحه: من سيوقف القتل هناك؟ وفي ظني أن هذا السؤال، سوف يؤرق كل من خفق قلبه للجرائم والفظائع التي ارتكبت هناك، وراعه ما حدث فقال لنفسه على الأقل\" آه يا رب.. لن يتكرر هذا ثانية\". فالعبارة ذاتها ظلت تتكرر وتنسخ نفسها كما هي، في كل مرة ترتكب فيها جرائم قتل جماعي في بلد ما من بلدان العالم. فقد تكررت بحذافيرها، على إثر جرائم الهولوكوست التي تعرض لها اليهود على يد النازيين، وتكررت كذلك إثر حقول القتل الجماعي في كمبوديا، ثم إثر فظائع الإبادة الجماعية التي ارتكبت في رواندا، وأخيراً في دارفور. وهكذا سيكرر العالم تلعثمه وتأتأته... وهو ينطق بالعبارة ذاتها، دون أن يفعل شيئاً أكثر من مجرد التعبير عن الدهشة والصدمة الإنسانية السلبية في آن! وإن كان هناك استثناء واحد في تاريخنا المعاصر القريب لهذه السلبية، فهو ما جرى في كل من كوسوفا والبوسنة، اللتين كان من حسن حظهما، أنهما جارتان ملاصقتان لأوروبا الغربية. أما بقية الفظائع التي ارتكبت في الأنحاء الأخرى من العالم، فقد كان حظها ومصيرها، التعبير العاطل عن نبل الضمير الإنساني، والتجريم اللفظي الآجل لما حدث! \r\n \r\n وليس من سبيل لإنقاذ دارفور وأهلها، إلا بإرسال قوة عسكرية كبيرة ومؤهلة للقيام بواجب حماية المواطنين، ووقف الجرائم التي لا تزال ترتكب بحقهم. ولكن من أسف أن دولاً أعضاء في مجلس الأمن الدولي، من بينها فرنسا والصين وروسيا، حالت دون اتخاذ قرار بالتدخل العسكري في الإقليم، لا لشيء سوى إيثارها للعلاقات والمصالح التجارية التي تربط بينها والسودان. ولكن هذا لا يحول أمام الدول الأخرى المتحضرة، أن تعمل بعيداً عن مؤسسات الأممالمتحدة، مثلما فعلت من قبل في كوسوفا. ولكن المشكلة أن الدولة الوحيدة المؤهلة عسكرياً للقيام بهذا الدور، هي الولاياتالمتحدة الأميركية، التي أنهكت عسكرياً في كل من أفغانستان والعراق. وعليه فإنه لا بد للاتحاد الأوروبي من أن يتقدم للعب هذا الدور. والاعتبارات التي ترشح الاتحاد الأوروبي كثيرة وعديدة. غير أن الاتحاد الأوروبي آثر أن ينفق أمواله على بذخ ورفاهية مواطنيه، بدلاً من إنفاقها على تطوير وتعزيز قوته العسكرية، بما يكفي لتأهيلها لفتح منافذ الأمل، والقيام بواجب إنساني ملح كهذا. فعلى الرغم من أن للدول الأوروبية الأعضاء في حلف \"الناتو\" من القوات العسكرية البرية، ما يفوق عدد القوات البرية الأميركية، إلا أن نسبة 6 في المئة فحسب من هذه القوات، هي التي يمكن نشرها في مناطق العمليات الدولية في الوقت الحالي. من يوقف الحرب إذن؟ ذاك هو سؤال الضمير الإنساني، الأكثر إلحاحاً وجدية الآن. \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n