\r\n وسواء أكان الوضع في ظل وجود قوات حفظ السلام أم بدونها، فإن الذي رأيناه هناك، ليس سوى مقدمة وبداية، لكارثة طويلة الأمد، يتوقع لها أن تخلف أزمة سياسية لم تحل، مما يعني استمرار الحروب والمواجهات، وتنامي أعداد المدنيين الفارين من مناطق النزاع، الأمر الذي يتطلب تقديم مساعدات إنسانية كبيرة لا حد لها من جانب المجتمع الدولي. يلاحظ أن مساعدات بهذا الحجم والاستمرارية، سوف تكون مطلوبة لمنطقة تعادل مساحتها مساحة دولة أوروبية بحجم فرنسا! \r\n \r\n ومما لا شك فيه أن الاستجابة الإنسانية الدولية للكارثة، بقيادة الولاياتالمتحدة الأميركية، ساعدت في إنقاذ حياة الكثير من المواطنين، ولا بد من استمرارها، على رغم تكلفتها الباهظة. ففي الوقت الحالي، يوجد ما يصل إلى 500 من عمال الإغاثة الدوليين، يسندهم ويدعمهم، عشرة أمثالهم تقريبا من الموظفين المحليين في \"دارفور\". وقد لقيت في السفر والتنقل معهم خلال نهاية الأسبوع الماضي، إلهاما يصعب توفره لدى من يتابعون الأحداث عن بعد، لا سيما بالنسبة للعالم الخارجي، الذي سيشق عليه كثيرا مجرد تخيل الصعوبات والخطورة اللتين يعمل في ظلهما عمال الإغاثة هؤلاء. غير أن حجم المساعدات المتوفرة حاليا، لا يزال أقل من المطلوب فعليا بكثير. \r\n \r\n ومن المؤسف أن يأتي أداء الحكومات العربية الغنية بالنفط، الأسوأ والأدنى مرتبة، بين المساعدات الدولية والإقليمية المقدمة لمواطني ذلك الإقليم المنكوب. ذلك أن مساعدات هذه الدول تحديدا، تكاد تكون صفرا. غير أن التصدي للبعد الإنساني لمشكلة اللاجئين هذه، مع طرح جذورها ومسبباتها، يكون أشبه بوضع ضمادة صغيرة، على جرح كبير نازف بغزارة. ينطبق هذا، على تعاملنا مع أي أزمة إنسانية شبيهة. أما هنا في \"دارفور\"، فإن الأسباب الكامنة وراء هذه المعاناة الإنسانية معقدة جدا، غير أن تداعياتها، تظل واضحة للعيان أمام كل من يود أن يراها. فقد اضطر للهرب مئات الآلاف من المنتمين عرقيا للمجموعات الإفريقية في الإقليم من بيوتهم، هربا من غارات مليشيات \"الجنجويد\"، المؤلفة من القبائل العربية في غالبيتها، وهي المليشيات التي تتلقى دعما وتشجيعا من بعض العناصر في الحكومة السودانية، على الرغم من الإنكار الرسمي المستمر لهذه الحقيقة. وربما كان هدف الحكومة المركزية من تشجيعها ودعمها ل\"الجنجويد\"، واضحا ومكشوفا نوعا ما. ذلك أنها تريد تفريغ القرى المستقرة من مواطنيها وسكانها، وخلق أكبر عدد ممكن من المعسكرات والمخيمات المؤقتة التي تفتقر للاستقرار، رامية بذلك إلى إزالة بنية القرية \"الدارفورية\" نفسها، أملا في التخلص من القاعدة الاجتماعية التي تقوم عليها حركتا التمرد النشطتان في الإقليم، على الحكومة المركزية في الخرطوم. أما حركتا التمرد المقصودتان، فهما الحركة الشعبية لتحرير السودان، وحركة العدل والمساواة. ومن المثير للدهشة والمفاجأة، أن الحركتين كلتيهما، منظمتان تنظيما عاليا، وتتلقيان دعما من الجارة الشرقية إريتريا. مع ملاحظة أن هذه الأخيرة وعلى رغم صغر حجمها، إلا أنها ومنذ استقلالها في عام 1993، أبدت مشاعر عدوانية تجاه جاراتها، إذ سبق أن خاضت حربين كارثيتين ضد أثيوبيا. وتستطيع كلتا الحركتين، إيجاد ملاذات آمنة لهما في قلب الصحراء التشادية، المجاورة للسودان من جهة الغرب. \r\n \r\n أما القضايا التي يثيرها المتمردون، فتكاد تكون هي نفسها التي تثيرها كافة حركات التمرد. فهنا أيضا، تثار قائمة طويلة بالمظالم التاريخية الواقعة على الإقليم من قبل حكومة مركزية، تمرست على تجاهل أهل الإقليم وفقرهم، وتركهم بعيدا في نأيهم الجغرافي والاقتصادي، عن ركب التقدم والتنمية. وفي حديث جمع بيننا واثنين من أبرز ممثلي الحركتين، علمنا منهم أنهم يطمحون إلى الحصول على حصة أكبر من المخصصة حاليا، للتنمية والخدمات في الإقليم، علاوة على طمعهم في الحصول على المزيد من الحكم الذاتي، بل وحاجتهم إلى التمتع بنوع جديد من الحكم الفيدرالي. وعلى رغم ما قيل عن كل هذه الجوانب، إلا أنه لم يرد أي ذكر في حديثهم لرغبة في الانفصال أو الاستقلال عن بقية أنحاء السودان. \r\n \r\n من المفاجأة بمكان، أن يبذل الاتحاد الأفريقي، أكبر جهد دولي، ماثل للعيان الآن، بغية وقف الحرب الدائرة في الإقليم. ويخوض هذا الاتحاد أول اختبار لوجوده على الأرض، منذ أن حل محل منظمة الوحدة الأفريقية الكسيحة، في عام 2000. وقد عقد \"أوليسجن أوباسانجو\" رئيس الاتحاد- الرئيس النيجيري في الوقت ذاته- جلسات مفاوضات في نيجيريا، ضمت كافة الأطراف في هذه الدراما المأساوية، شاركت فيها كل من تشاد وإريتريا وليبيا، علاوة على ممثلين لكلتا لحركتي التمرد كلتيهما في الإقليم. \r\n \r\n لكن وعلى أية حال، فقد لقيت هذه المحادثات، دعما ضئيلا جدا من الغرب عموما، والولاياتالمتحدة الأميركية، وأضحت مهددة في الوقت الحالي بالانهيار. وإن كان ثمة شيء واحد يدعمها ويؤمن استمرارها حاليا، فهو تأثير شخصية الرئيس النيجيري \"أوباسانجو\"، بصفته زعيما لأكبر دولة أفريقية من حيث التعداد السكاني، ولكونه رئيسا في الوقت ذاته للاتحاد الأفريقي. كما دعا \"أوباسانجو\" كذلك، لزيادة عدد قوات الحماية والمراقبة، الموجودة حاليا في \"دارفور\". يذكر أن عدد القوات الحالية هو حوالي 300 فرد لا أكثر. ولا ريب أن هذه تعد خطوة إيجابية، نحو وجود المزيد من قوات حفظ السلام في الإقليم. غير أن من المتوقع أن تعترض عليها الحكومة السودانية بشدة، مثلما فعلت في المرات السابقة. \r\n \r\n ومهما يكن، فإن دارفور تبقى أزمة إنسانية، تسبب في إضرام نارها، القادة السياسيون. وفيما لم تتحرك كل من الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة، على جناح السرعة في دعمهما لجهود الاتحاد الأفريقي، فإن الشيء الوحيد المتوقع، هو أن يزداد ضحايا هذه المأساة بين المدنيين العزل في الإقليم. \r\n \r\n جون كورزين \r\n \r\n سناتور ديمقراطي من ولاية نيوجيرسي \r\n \r\n رتشارد هولبروك \r\n \r\n سفير أميركي سابق لدى الأممالمتحدة \"زار دارفور مؤخرا\" \r\n \r\n ينشر بترتيب مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n