وفي الوقت الذي تواصل فيه اللجنة الدولية تلكؤها في إنجاز مهامها خلال الثلاثة أشهر الماضية، واصل إقليم دارفور تمزقه وتشرذمه إلى حقول للموت ورعب الاغتصاب الجماعي والإبادة العرقية. يذكر أن الاتحاد الأوروبي، كان قد أعرب في السادس عشر من شهر سبتمبر الماضي، عن اهتمامه لبرهة، بالمأساة الإنسانية الجارية هناك. ففي ذلك اليوم، أعلن الاتحاد أن \"الممارسات المنسوبة للحكومة السودانية في إقليم دارفور، تصل إلى حد التطهير العرقي\". وهدد وزراء الاتحاد الأوروبي، بفرض عقوبات على السودان، فيما لم تحرز الحكومة تقدما ملموسا على الأرض، في الانصياع لقرارات المجتمع الدولي، الداعية إلى وضع حد لجرائم القتل والإبادة. لكن وعلى رغم نبرة الجدية البادية في لغة ذلك التهديد ومضي ما يقارب الثلاثة أشهر عليه، تظل هناك نتيجتان واضحتان للعين والعيان: أولاهما أن حكومة الخرطوم لم تفعل شيئا واحدا إيجابيا، لوضع حد لتلك الانتهاكات والمذابح الجماعية. وثانيتهما أن مستوى الأداء السلبي نفسه، ينطبق على الاتحاد الأوروبي. \r\n \r\n من المؤسف والمأساوي حقا، أن عبارة \"لن يتكرر حدوث هذا مطلقا\" مع وقوع كل مأساة إنسانية كبيرة في مكان ما من العالم، يعاد تكرارها دائما، وعلى النحو المأساوي ذاته. فوفقا لآخر إحصاءات منظمة الصحة العالمية، لقي ما يزيد على 70 ألفا من النازحين مصرعهم بسبب الحرب الأهلية هناك، منذ شهر مارس من العام الجاري. بل يذهب التقرير الأخير للمنظمة إلى احتمال وفاة 10 آلاف شهريا، في حال عدم وصول المساعدات الإنسانية الكافية لهم في الوقت المناسب. في مقابل هذه الأعداد، ربما كان هناك المئات، بل الآلاف، ممن تعرضوا لجرائم الاغتصاب والاعتداءات الجنسية المنظمة. أما الذين اضطروا لمغادرة بيوتهم وقراهم، فهؤلاء يكاد يصل عددهم إلى نحو مليون مواطن. وعلى رغم هذه المأساة، فقد اختار العالم مجددا، أن يجلس على الرصيف، يشاهد ويتأمل حدوث المأساة أمام ناظريه، دون أن يبدي حراكا من أجل وقفها. ومن سخرية الأقدار أن العالم قد أحيا للتو الذكرى العاشرة للمأساة الرواندية! \r\n \r\n وليس ثمة ما يدعو للدهشة أو المفاجأة أن تكون الأممالمتحدة، مثالا ورمزا لهذا الكساح العالمي. فعلى الرغم من أنها أصدرت قرارين، يأمران حكومة الخرطوم بتفكيك مليشيات الجنجويد، إلا أن مطالب مجلس الأمن الدولي، قد جرى الالتفاف حولها وتجاهلها، لأنها لم تشتمل على فرض أية عقوبات، في حال عدم امتثال الخرطوم لها. على نقيض ذلك، نلحظ أن الاتحاد الأفريقي استطاع أن يؤدي دورا أكثر إيجابية، بدليل أنه دفع بقوات تابعة له إلى الإقليم منذ شهر أغسطس الماضي. غير أنه لا عدد جنوده البالغ 800 جندي، ولا مستوى التفويض الممنوح لهؤلاء الجنود – لا يشمل التفويض الحالي واجب حماية المدنيين في الإقليم- لا يكفيان معا لوقف جرائم الذبح والإبادة الجماعية الجارية على قدم وساق هناك. \r\n \r\n أما الولاياتالمتحدة الأميركية، التي كانت الطرف الدولي السباق إلى وصف ما يجري هناك بأنه \"إبادة جماعية\" منذ شهر يوليو الماضي، فهي بدورها تقاعست عن القيام بواجبها القيادي من أجل وضع حد لتلك المأساة. وهاهي واشنطن تلوذ بالصمت، كغيرها من الدول الغربية، ولا يصدر عنها إلا صوت فاتر وعاجز، يدعو حكومة الخرطوم لوقف أعمال العنف ضد المدنيين في دارفور. وعلى أية حال، فهناك الآن، مجموعة من العوامل تصيب واشنطن بالشلل والعجز عن التدخل العسكري في ذلك الجزء من أفريقيا، بسبب التشوه الذي لحق بصورتها في أرجاء العالم الإسلامي عموما، وبسبب الإنهاك الذي تعانيه وزارة دفاعها، جراء نشر ما يزيد على ربع مليون جندي في كل من العراق وأفغانستان وغيرهما من الدول الآسيوية، ثم بسبب المأزق الحالي الذي تواجهه في العراق. \r\n \r\n ولكن إن كان ذلك هو حال الولاياتالمتحدة الأميركية، فما بال الاتحاد الأوروبي، الذي لا يواجه أي التزامات دولية وإقليمية من ذلك النوع الذي تواجهه أميركا؟. أكثر من ذلك، أن للكثير من دول الاتحاد الأوروبي، حضورا عسكريا واستعماريا سابقا، طويل الأمد، في العديد من الدول الأفريقية، بما فيها السودان. مع ذلك، فإن الالتزام الأوروبي الحقيقي إزاء القارة الأفريقية وأزماتها ومشكلاتها، لا يبدو سوى زيف واستهلاك لفظي. فالحقيقة هي أنه ما من دولة أوروبية واحدة، بادرت لإعداد جندي واحد من جنودها كي ترسله إلى مجرد زيارة لإقليم دارفور! ولم يشعر الاتحاد الأوروبي بعد، بوخز الضمير الذي يدفعه لاتخاذ \"قرار أحادي الجانب\" إزاء تلك المأساة. وبصرف النظر عن حقيقة أن دعم الاتحاد الأوروبي لاتجاه التدخل العسكري لوقف المأساة، سوف يدفع الأممالمتحدة إلى اتخاذ قرار في الاتجاه نفسه، فإن التدخل الأحادي في مثل هذه الحالات، عادة ما ينظر إليه دوليا، على أنه عمل مشروع، سيما من قبل الحكومات الأوروبية نفسها. \r\n \r\n وهناك سبب آخر حال دون تدخل الاتحاد الأوروبي. شر البلية أن العذر هنا، أقبح من الذنب، لأن مانع التدخل هو من صنع الاتحاد نفسه! ففي عام 1993، كانت دول الاتحاد الأوروبي، قد وحدت سياساتها الخارجية والأمنية جميعا، وتعهدت بأن تعبر هذه السياسات بصوت واحد، عن أوروبا واحدة وكيان دولي واحد. والمؤسف أن \"مهارة الحديث\" هي الشيء الوحيد الذي يستطيع أن ينجزه هذا الاتحاد فيما يبدو! فبموجب معاهدة \"ماسترخيت\" المشار إليها أعلاه، أصبحت قرارات وأفعال الاتحاد الأوروبي، تسلتزم جماعية ووحدة كافة الدول الأعضاء في الاتحاد حولها. ينطبق شرط الجماعية هذا بصفة خاصة، على التدخل العسكري. وسواء كان هذا الشرط قد فرض بمحض الصدفة، أم من قبيل الهندسة المقصودة المدروسة، فقد أصبح حق \"الحديث\" والتعبير عن القلق والمخاوف، مكفولا لأي من الدول الأعضاء في الاتحاد. في ذات الوقت، أصبح مكفولا أيضا العذر لكل دولة، عن تقاعسها وشللها إزاء ما يجري، باسم الوحدة والجماعية الأوروبية! وعليه، فقد دشن الاتحاد الأوروبي لنفسه منذ عام 1993، سياسة خارجية، تتبنى التقاعس والشلل، كآلية ذاتية في مواقف دول الاتحاد، إزاء ما يجري حولها من مآس وآلام وفظائع. \r\n \r\n كريستيان دبليو. دي و ليلاند آر. ميلر \r\n \r\n \r\n كاتبان ومحللان سياسيان أميركيان \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \" لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n