مع قرب تولي الرئيس الأمريكي الجديد، باراك أوباما، قيادة الولاياتالمتحدة دستوريا في العشرين من الشهر القادم (يناير 2009)، تنشغل الكتابات داخل واشنطن وخارجها بالقضايا التي سيواجهها. وقد تركزت تلك الكتابات علي كثير من التحديات الداخلية والخارجية. وعن تلك التحديات في منطقة الشرق الأوسط ركزت الكتابات الأمريكية بل والعربية علي الصراع العربي _ الإسرائيلي، والعراق، والأزمة النووية الإيرانية، وتقليل الاعتماد الأمريكي علي النفط العربي، والحرب علي الإرهاب، والإصلاح السياسي والمجتمعي. ولكنها تغافلت عن أهمية الأزمة السودانية وتدهور الأوضاع الإنسانية في السودان لاسيما إقليم دارفور. فكثيرٌ من الشواهد مثل خلفية أوباما الإفريقية وتوجهات أعضاء إدارته الجدد، تُشير إلي أن السودان ستكون علي أولوية إدارة أوباما، متقدمة علي عديدٍ من ملفات الشرق الأوسط. وأنه سيكون هناك تحول في السياسة الأمريكية تجاه السودان، بحيث تكون أكثر اعتمادًا علي القوة العسكرية، في وقت يتوقع فيه استمرار الانتقادات ومراقبة الأوضاع هناك مثلما كان الحال خلال السنوات الماضية. توقع اهتمام أمريكي بالقارة الإفريقية يستند البعض إلي اهتمام الرئيس الأمريكي الجديد، باراك أوباما، بالقضية السودانية، وأنها ستفوق ما عداها من قضايا شرق أوسطية، إلي الخلفية الاجتماعية لباراك أوباما، لكون أبيه كينيا، وهو ما يدفعه إلي الاهتمام بقضايا القارة الإفريقية. ففي مذكراته المعنونة ب "أحلام والدي Dreams of My Father" تحدث أوباما عن معرفته بتراث "اللو Luo" _ وهي مجموعة عرقية تعيش في كينيا و شرق أوغندا وشمال تنزانيا _، وعن رحلاته إلي كينيا للتعرف علي أصوله وعلي تاريخ دولة والده والقارة الإفريقية. يعد شعب "اللو" ثالث أكبر مجموعة قبلية في كينيا. وقبائل "اللو" من أكبر المجموعات القبلية انتشارًا عبر الحدود الدولية. وقد انتقلت قبائل اللو في الأصل من السودان إلي كينيا حسب تصريح "ياسر عرمان" لرويترز. وعرمان عضو بارز في الحركة الشعبية لتحرير السودان (SPLM)، وينحدر والده أيضًا من قبائل اللو. ولهذا رأي كثيرون أن روابط أوباما السودانية تبعث الأمل حول مستقبل الدولة السودانية. وعقب اختياره أولَ رئيسٍ أسودَ للولايات المتحدة احتفل أعضاء الحركة الشعبية لتحرير السودان بهذا الفوز، مغيرين شعار حملته الانتخابية إلي "سودان جديد نعم نستطيع New Sudan Yes We Can". وعن مدي اهتمام الرئيس الأمريكي الجديد بالقارة الإفريقية قال عرمان: "إن أوباما سوف يهتم بكل الدول الإفريقية وليس السودان فقط. وقبل رحلة أوباما إلي القارة الإفريقية لعام 2006 قال صديقه السيناتور الديمقراطي ديك دوربين Dick Durbin عن ولاية إلينوي Illinois، وهو السيناتور عن الولاية في الكونجرس الجديد، في عام 2006 : "إن الإفريقيين رأوا أن أوباما هو ابن القارة الإفريقية، وأن انتخابه ذو مضامين شخصية بالنسبة لهم. وهو ما يوضح داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية مكانة أوباما في الذهنية الإفريقية. تغيير محتمل في السياسة الأمريكية تجاه السودان في عام 1993، صنفت الولاياتالمتحدة السودان ضمن الدول الراعية للإرهاب لعلاقاتها مع القوي الإسلامية الراديكالية. وحاليا تفرض الحكومة الأمريكية عقوبات علي السودان. فهناك قيود علي المساعدات الخارجية للنظام السوداني، وعقوبات علي الشركات التي يتملكها أحد أعضاء الحكومة السودانية لتقاعس النظام السوداني فيما يخص أزمة دارفور. ومازالت الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي يرددان كثيرًا من الاتهامات للرئيس السوداني عمر البشير لعدم التزامه بشروط اتفاقية سلام دارفور، اتفاقية أبوجا للسلام يونيو 2006 بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان جناح أركو ميناوي، وتقديمه الدعم لكثيرٍ من سياسات الإبادة الجماعية في إقليم دارفور. وقد وصف منسق الأممالمتحدة الخاص بالسودان موكيش كابيلا Mukesh Kapila الوضع في منطقة دارفور غربي البلاد بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم حاليا، وهو ما دفع منظمات حقوق الإنسان لمطالبة المجتمع الدولي بصورة مستمرة بضرورة اتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية في دارفور، منتقدين بطء التحرك الدولي. وعلي الرغم من تزايد انتقادات إدارة الرئيس بوش لكثيرٍ من سياسات الحكومة السودانية في هذا الصدد، لم تُواجه الحكومة السودانية بتصرف مباشر من الحكومة الأمريكية غير فرض العقوبات. ومؤخرًا يفكر بوش في تطبيع العلاقات مع السودان بالمساعي الدبلوماسية محاولاً استعطاف البشير للسير وفق الرغبات الأمريكية. وهذا الوضع سوف يتغير دراماتيكيا في إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، فتشير تعيينات الرئيس لفريق الأمن القومي، أن الإدارة الجديدة تعارض بقوة الحكومة السودانية لسياساتها في دارفور. ويشير إلي هذا التغيير في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه السودان في ظل إدارة أوباما "غازي سليمان"، المحامي الحقوقي وأحد أبرز وجوه المعارضة السودانية، في تصريح لصحيفة الواشنطن بوست. فيقول : " أعتقد أن الديمقراطيين صقورٌ مقارنة بالجمهوريين "، مضيفًا: "أعرف تعيينات الرئيس الجديدة، وسياساتهم تجاه السودان، ويعرف هذا كل إنسان هنا في السودان ". ويري أن سياسات الديمقراطيين سوف تنزع إلي العدوانية والوسائل الإكراهية علي عكس إدارة الرئيس بوش التي كانت حكيمة في التعامل مع الأوضاع في السودان. مستشاريو أوباما وراء التغيير ستحدث تعيينات أوباما لشخصيات منتقِدَة لنظام عمر البشير السوداني في المناصب الوزارية والفرعية تغييرًا في سياسات إدارة أوباما تجاه الأوضاع في السودان. حيث ستكون الإدارة الجديدة أكثر عدوانية من سابقتها حيال تعاملها مع نظام البشير لسياساته في الإقليم الغربي للسودان، دارفور، من تتدهور الأوضاع الإنسانية والإبادة الجماعية. تشير تصريحات وتوجهات أعضاء الإدارة الأمريكيةالجديدة إلي أنه سيكون هناك اهتمام كبير بالسودان. فهيلاري كلينتون التي ستتولي منصب وزيرة الخارجية كثيرًا ما تدعو إلي دور للولايات المتحدةالأمريكية لمعالجة الأزمة والصراع في دارفور. وكثيرًا ما قالت: "علي واشنطن واجب أخلاقي ومسئولية بموجب القانون الدولي للعمل من أجل سلامة الملايين من المدنيين في دارفور الذين مازالوا عرضة للهجمات". وتضيف :" إن العمل من جانب الولاياتالمتحدة بالتنسيق مع المجتمع الدولي قد تأخر كثيرًا". وتدعو كلينتون كثيرًا لحظر الطيران فوق دارفور لخلق غطاء علي الإقليم، ولمنع نظام البشير من قصف القري هناك. واختيار باراك أوباما الرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، جوزيف بايدن، سيعزز من سياسات أمريكية أكثر تشددًا تجاه السودان. فبايدن يتحدث بصراحة ولا يخاف من تبعات تصريحاته، فقد انتقد تقاعس المجتمع الدولي في كثير من القضايا والتي كان منها تقاعسه تجاه الأوضاع الإنسانية المتردية في دارفور. وعن ضعف الجهود الدبلوماسية في الأزمة السودانية وبطء رد فعل منظمة الأممالمتحدة والمجتمع الدولي عقد بايدن في إبريل الماضي (2008) جلسة استماع تحت عنوان "استمرار الأزمة في دارفور" وتساءل هل هذا أفضل ما يستطيع أن يفعله المجتمع الدولي استجابة للإبادة الجماعية في دارفور؟. وردًّا علي تساؤله قال : "هذا غير مشجع، ومن وجهة نظري، غير مقبول". وذهب إلي ما أبعد من هذا قائلاً: "الإبادة الجماعية في دارفور تحدث تحت أسماعنا وأبصارنا، ماذا سنفعل حيال هذا؟، وما نفعله الآن لا يثني النظم السوداني عن سياساته". وفي عام 2007 دعا بايدن إلي حل الأزمة السودانية اعتمادًا علي القوة العسكرية الأمريكية لمواجهة ومكافحة العنف في دارفور. وتتزايد السياسة الأمريكية للإدارة الأمريكيةالجديدة تشددًُا مع تولي "سوزان رايس" منصب مبعوث الولاياتالمتحدة في الأممالمتحدة، فرايس من أشد المنتقدين لنظام البشير وللسياسة الأمريكية لإدارة بوش تجاه السودان. وتجدر الإشارة إلي أن رايس كانت مساعدة لوزيرة الخارجية "مادلين أولبرايت" في إدارة كلينتون الثانية للشئون الإفريقية خلال الإبادة الجماعية في رواندا. وتدعم رايس توجه كلينتون وبايدن تجاه التعامل مع النظام السوداني، مع بعض التميز عنهما في كيفية التعامل مع نظام البشير. تدعم رايس فرض عقوبات قاسية علي الخرطوم من خلال مجلس الأمن أو الاتحاد الأوروبي، وضرورة استمرار العقوبات إلي حين يوافق نظام البشير علي نشر وعمليات مشتركة لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي. وتدعو إلي توحيد جميع الجماعات المتمردة إلي قوة متماسكة لتحدي الخرطوم، وإلي وقف لإطلاق النار، واتفاق سياسي ممكن وقابل لاستمرار. هذا، وتدعو إلي استخدام الولاياتالمتحدة العمل العسكري الأمريكي بمساعدة حلفائها حيال تعاملها مع الحكومة السودانية فيما يخص دارفور، وهي أكثر سياسة عدوانية دعت إليها رايس. وتدعو رايس أيضًا إلي تعاون حلف شمال الأطلنطي مع الولاياتالمتحدةالأمريكية في تدريب قوات حلف السلام التابع للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ورفع كفاءتها بتدعيمها بالتكنولوجيا والاستخبارات. دعوات هيلاري كلينتون لإنشاء منطقة حظر جوي فوق دارفور لكنها تزيد بضرورة توجيه ضربة عسكرية أمريكية ضد الحكومة السودانية إذا استدعي الأمر. وعلي رغم أن أوباما يؤيد تشديد العقوبات وإنشاء منطقة حظر الطيران، إلا أنه يرفض دعاوي التدخل الأمريكي المباشر. عن "تقرير واشنطن"