اعتمادا على لغة قرار مجلس الامن الدولي الذي اتخذه في الصيف الماضي اصبح الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش وكبار المسؤولين الاميركيين يطالبون «النظام السوري» بسحب قواته ومخابراته من لبنان والتنازل عن اي حكم سياسي له هناك‚ \r\n \r\n يعتقد الصقور في ادارة بوش من امثال وزير الدفاع دونالد رامسفيلد (الذي بصفته كان مبعوث الرئيس رونالد ريغان للشرق الاوسط‚ اشرف على انهيار التدخل العسكري الاميركي في لبنان خلال الحرب الاهلية) ومستشار مجلس الامن القومي اليوت ابراهامز (الذي ادت تدخلاته السابقة في السياسة تجاه لبنان الى تفريخ فضيحة ايران كونترا)‚ ان هكذا مسار سوف يتيح اقامة حكومة موالية للغرب في بيروت تقبل بالصلح مع اسرائيل وتساعد على تعزيز النفوذ الاميركي في المنطقة‚ كما يؤمنون ايضا بأن هذا السيناريو سوف يهيئ المسرح لانهيار النظام السوري وبالتالي ازالة «دولة مارقة» بعثية اخرى من الوجود‚ \r\n \r\n الاضطرابات التي اندلعت في لبنان بسبب اغتيال الحريري التي وصلت الى ذروتها باستقالة رئيس الحكومة المدعوم من النظام السوري‚ عمر كرامي قد تمثل فعليا فتحا استراتيجيا ولكن ليس للمسار الخطير جدا الذي يبدو ان البعض في ادارة بوش مصممون على متابعته‚ \r\n \r\n كبداية فان اية محاولة لهندسة حكومة موالية للغرب في بيروت سوف تتم مقاومتها من قبل حزب الله‚ الحزب اللبناني صاحب اكثر عدد مقاعد في البرلمان والذي بسبب سجله في مقاتلة اسرائيل يتمتع على الاقل بشرعية في نظر اللبنانيين مثل احزاب المعارضة المناهضة لسوريا‚ وفي مواجهة هكذا مقاومة فان اية جهود لتشكيل حكومة موالية للغرب سوف تفشل وتخلق المزيد من اللااستقرار في المنطقة وهذا لا تستطيع الولاياتالمتحدة التعامل معه في هذا الوقت بالذات‚ \r\n \r\n هل تفهم ادارة بوش انه على مدى المستقبل المنظور فان اي نظام سياسي في لبنان يعكس «تنوع البلاد» كما يقول البيت الابيض سوف يشتمل على دور هام لحزب الله؟ وهل تشعر ادارة بوش بالثقة حول قدرتها على احتواء حزب الله من دون مساعدة من سوريا على ارض الواقع وفي ظل الاسترشاد الخارجي لحزب الله بمرجعية التيار الديني المتشدد في ايران‚ \r\n \r\n حتى مستشار الامن القومي لرئيس وزراء اسرائيل ارييل شارون حذر من ان اي انسحاب مفاجئ من لبنان يمكن ان يشكل خطرا على اسرائيل‚ \r\n \r\n كما ان الانهيار المفاجئ للنظام السوري برئاسة بشار الاسد لن يؤدي بالضرورة الى خدمة المصالح الاميركية فالمجتمع السوري قابل للتشرذم على الاقل مثله مثل المجتمع العراقي والمجتمع اللبناني‚ والنتيجة الاكثر ترجيحا التي ستترتب على غياب الاسد ستكون سيادة حالة من الفوضى‚ والنظام السياسي الاكثر احتمالا للبروز من حالة الفوضى سيكون نظاما اسلاميا‚ وفي نهاية المطاف فان افضل السبل الواعدة وان كان تدريجيا هو المسار القائم على تشجيع الاصلاح في سوريا والتحاور مع الاسد بهدف تعزيز سلطاته وليس بهدف عزله والاطاحة به‚ \r\n \r\n لكي تستغل اللحظة التاريخية بحكمة‚ يجب على ادارة بوش ان تتخلى عن تمسكها الايديولوجي في علاقاتها مع السابقة عندما كان قادة المارونيين يهيمنون على لبنان والتخلي عن احلام بروز دولة ديمقراطية في سوريا في غضون الاشهر القليلة القادمة‚ \r\n \r\n لقد سبق للاميركيين ان ساروا على هذا الطريق خلال الحرب الاهلية اللبنانية فهو ينتهي بتعرض الاميركيين للقتل والاختطاف كرهائن في هجمات ارهابية وتتقوض مصداقية اميركا بسبب عدم قدرتها على التوفيق بين الخطابة السياسية والسياسة القابلة للتطبيق والبقاء‚ \r\n \r\n قد يكون عملا ذكيا محاولة استغلال التركيز على مركز سوريا في لبنان للحصول على تحسينات ملموسة في المناخ السياسي اللبناني‚ فمن خلال مساعدة الشركاء الدوليين والدول العربية الرئيسية سيكون ممكنا اخراج آخر جندي سوري من المدن اللبنانية اما الى سوريا او وادي البقاع اللبناني حسب اتفاقية الطائف لعام 1989 التي وضعت نهاية للحرب الاهلية‚ \r\n \r\n تصريحات الاسد الاخيرة توضح بجلاء امكانية تقليص التوتر ودفع الحكومتين اللبنانية والسورية للتفاوض على جدول زمني لانسحاب جميع القوات السورية من لبنان‚ فخلال السنوات الاربع والنصف منذ توليه الرئاسة قلص الاسد عدد القوات السورية في لبنان الى النصف وارسى سابقه لمزيد من التقليصات في حجم القوات الموجودة في لبنان‚ \r\n \r\n بقبول دعوات الاسد لحوار ثنائي تستطيع ادارة بوش ان تفاوض ايضا على عملية انتخابية اكثر حرية وتخضع لرقابة دولية‚ ولكن يجب على الولاياتالمتحدة ان تعترف بأن توسيع الانفتاح السياسي سيحدث على مدى سنوات وليس في غضون اسابيع او اشهر وستحتاج الولاياتالمتحدة لأن تتحرك بحذر لكي تتجنب عودة ظهور العنف الطائفي الى لبنان‚ \r\n \r\n تستطيع ادارة بوش ان تحدث تحسينات مستديمة اكثر في سلوك سوريا تجاه العراق والارهاب باستعمال التهديد بتشديد الانتقادات للهيمنة السورية على لبنان واستخدام قرار مجلس الامن كعصا للتلويح بها كخيار ضد سوريا كما يجب الا تخشى واشنطن ان تقول صراحة للاسد ما هي الجزرة التي ستقدمها له في مقابل تعاونه معها بقدر اكبر‚ \r\n \r\n اذا فعلت ادارة بوش هذا الامر فانها تستطيع ان تتابع السير لتحقيق بعض من اهم اهدافها للمنطقة وبذات الوقت تحسن حياة اللبنانيين العاديين‚ \r\n