\r\n\r\n\r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n في 3 أيار 2003 ، أي بعد أقل من شهر على إسقاط تمثال صدام في بغداد ، التقى وزير الخارجية الأمريكي كول باول الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق . هذه الزيارة كانت بهدف طرح الخيارات القاسية التي يواجهها الأسد بعد سقوط صدام ، فمن ناحية طلب باول دعم الأسد لإدارة بوش في مبادرة خارطة الطريق ، ومن ناحية أخرى طالبه بسحب قواته \"المحتلة\" وقوامها 20.000 جندي من لبنان ، كما أنه أطلق تحذيرات مبطنة لما يمكن أن يحصل لسوريا إذا استمرت بدعم الإرهابيين الفلسطينيين . \r\n بعد ذلك بستة أشهر بدا وكأن ضغوط الإدارة قد أثمرت ، ففي مقابلة مفاجئة مع صحيفة نيويورك تايمز أول كانون الأول أعلن الأسد تخلي سوريا عن عنادها القديم وناشد رئيس الوزراء الإسرائيلي للعودة إلى طاولة المفاوضات ، وكانت هذه المرة الأولى التي تقوم فيها سوريا بمبادرة مستقلة تقترح فيها إجراء محادثات مع إسرائيل حول مرتفعات الجولان . \r\n لكن على العكس من الطريقة التي عوملت بها ليبيا – حيث تمكنت واشنطن من إقناع معمر القذافي بالتخلي عن برنامج الأسلحة الغير تقليدية مقابل تحسن العلاقات بين البلدين – فإن إدارة بوش لم تفعل الكثير لتعرف ما إذا كان إجراء مفاوضات جديدة مع دمشق سيعطي نتائج مفيدة . على سبيل المثال في كانون الثاني 2004 عبر مساعد وزير الخارجية وليام بيرنز عن دعم المفاوضات السورية الإسرائيلية إلا أنه لم يظهر أي دعم رسمي أمريكي لمبادرة الأسد . \r\n هذا الموقف المتحفظ من قبل الإدارة الأمريكية ينبع من عدة عوامل . منها أن الرؤساء الأمريكيين كانوا دائماً يمتنعون عن إطلاق مبادرات السياسة الخارجية أثناء سنوات الانتخابات ، خاصة إذا كانت هذه المبادرات تتعلق مناطق عالية الخطورة مثل الشرق الأوسط . \r\n كما أن تاريخ المفاوضات التي جرت من قبل مع الجانب السوري ضمن إطار عملية السلام لا يوحي بالثقة ، إذ ليس من الممكن التأكد أن سوريا أو إسرائيل مستعدتان حقاً لتقديم التنازلات اللازمة من أجل تحقيق نتائج سريعة وناجحة في هذه الجولة . وأخيراً ربما كانت الإدارة تعتقد أن مبادرة الأسد كانت في الواقع النتيجة الأولية لأسلوبها المتشدد ، وبالتالي فإن هذا الأسلوب قد يدفع سوريا لاتخاذ خطوات أخرى أبعد خلال الأشهر أو السنوات القادمة . \r\n هذه الأسباب مجتمعة تجعل احتمال حصول أي تغييرات دراماتيكية في سياسة واشنطن تجاه سوريا أمراً مستبعداً في المستقبل القريب . لكن سيكون أمراً معيباً ، بل وخاطئاً ، أن نتجاهل احتمال أن تكون تحركات الأسد تمثل تغيراً جوهرياً في موقفه وأن نقلل من أهمية هذه الفرصة السانحة للتقارب مع سوريا . لكن إذا أخذنا بالاعتبار مدى أهمية القضايا التي ستتعرض للمخاطرة ، والاحتمالات الضئيلة في إمكانية تغيير نظام الحكم في سوريا بدون اللجوء إلى التدخل العسكري ، عندها فإن السؤال يجب ألا يكون : هل التهديد بالعقاب قد بدأ فعلاً يدفع سوريا باتجاه المصالحة ، وإنما يجب أن يكون : هل إضافة مزيد من عوامل الدفع الإيجابية إلى هذه الخلطة سوف يؤدي إلى مزيد من التقدم على هذا الطريق ؟ . إذا كانت واشنطن مستعدة لاستثمار شيء من رأس مالها السياسي فعندها هناك احتمال كبير أن تكون الإجابة على هذا السؤال هي نعم . \r\n الناقدون يقولون أن التلميحات التي صدرت عن الأسد مؤخراً لا تعدو عن كونها تعديل تكتيكي مؤقت وليست تحولاً حقيقياً في المواقف . \r\n لكن حتى لو كان هذا الكلام صحيحاً فإنهم بذلك يقللون من أهمية مدى البراغماتية التي تتحكم بسياسات الأسد ، ومدى الضيق في المجال الاستراتيجي الذي تجد دمشق نفسها تعاني منه . لكن طالما أن القائد السوري يدرك أن العودة إلى موقف المواجهة سوف يجعله في موقف أسوأ من الاستمرار في التقدم على طريق المفاوضات ، فإن دوافعه الحقيقية لا تهم . ما يهم حقاً هو أن يكون قد توصل لنتيجة أن التقارب مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل في المفاوضات هو أفضل خيار في صالحه ، وليس النزاع . \r\n عالق في الطريق \r\n حتى نوضح لماذا سوريا الآن جاهزة للتقارب لا بد أن نلقي نظرة على تراجع مركزها الاستراتيجي خلال السنوات الأخيرة . \r\n بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحماية المادية التي كان يمنحها بدأت دمشق تعاني بشكل متزايد من عزلة دولية . وفي محاولة منه لتحسين العلاقات مع الغرب عمد الرئيس حافظ الأسد ، والد الرئيس الحالي ، إلى دعم حرب الخليج وسمح بمشاركة سوريا في مؤتمر مدريد للسلام الذي تلاها . كما دخل في مفاوضات موسعة برعاية الولاياتالمتحدة مع الحكومة الإسرائيلية خلال التسعينات . ومع أن الطرفين كانا على وشك توقيع اتفاقية سلام كاملة إلا أنهما لم يتمكنا أبداً من إتمام هذه الاتفاقية . وخلال هذه الفترة عمد الأسد الأب إلى تقوية العلاقات مع إيران وقام بنقل الأسلحة الإيرانية إلى مليشيا حزب الله الشيعية لكي تستخدمها ضد إسرائيل ، كما تعاون مع طهران على تقوية الإرهاب ضد الولاياتالمتحدة . ففي سوريا على سبيل المثال تم التخطيط للهجمات التي استهدفت عام 1996 مواقع عسكرية أمريكية في الخبر السعودية والتي أدت إلى مقتل 19 جندي أمريكي . \r\n ومع وفاة الأسد الأب في حزيران 2000 ظهرت بارقة الأمل ، فابنه الذي خلفه كان ظاهرياً موالياً للغرب وكان يعتبر محدثاً اقتصادياً ، ومصلحاً سياسياً محتملاً ، وربما أيضاً صانع سلام . إلا أن هذه الآمال سرعان ما تلاشت . فالأسد بمصاحبة الحرس القديم ، الذي كان يدعمه تارة ويقيده تارة أخرى ، تابع انتهاج سياسات القمع في الداخل واستفزاز إسرائيل في الخارج ، وكانت سياساته حتى أقل انضباطاً من والده . \r\n في تشرين الثاني 2000 وبعد أن أدى انهيار المفاوضات السورية الإسرائيلية إلى القضاء على أي احتمال لتحسين العلاقات مع الولاياتالمتحدة ، تحول الأسد إلى العراق للحصول على عون استراتيجي . لقد كان خياره هذا منطقياً على عدة أصعدة ، فقد كان صدام حسين بحاجة إلى أي صديق يستطيع الحصول عليه ، ودمشق كانت بحاجة ماسة إلى العوائد التي يمكن أن تحصل عليها من صفقات النفط الغير مشروعة ، وهذه العوائد ساهمت في تخليص الحكومة السورية من الانتقاد الداخلي الذي كان يمكن أن يحدث نتيجة سياساتها الاقتصادية المختلة ، إلى جانب ذلك فإن الانحياز إلى جانب العراق ساهم في تأكيد موقف سوريا كرمز من رموز الوطنية العربية الصامدة . \r\n في الوقت نفسه كانت دمشق تحاول استخلاص كل ما تقدر عليه من خلال حكمها غير المباشر للبنان الذي تحول إلى مصرف للعمالة السورية ، وصلة وصل هامة مع الغرب ، إضافة إلى كونه مسرحاً هاماً لشن هجمات على إسرائيل بواسطة عملاءها . فقد سمحت سوريا للجماعات الفلسطينية المسلحة مثل حماس والجهاد الإسلامي بفتح مكاتب إدارية في دمشق وقدم لها الدعم والأرض لإقامة معسكرات تدريب ، ولم تحرك ساكناً لإيقاف هجمات حزب الله المزعجة على الجنود الإسرائيليين في منطقة مزارع شبعا المتنازع عليها وفي غيرها من المناطق . كما شجعت دمشق الجماعات الإرهابية على تهريب الأموال والأسلحة والناشطين إلى الضفة الغربيةوغزة لمساعدة انتفاضة الأقصى . \r\n وقوع هجمات 11 أيلول 2001 استلزم تغيير المسار . فقد أدركت دمشق الخطر من الاستمرار في دعمها الضمني للإرهاب فقامت نتيجة لذلك بتقديم بعض المساعدة في مجال مكافحة الإرهاب لواشنطن . وبدا وكأن المعلومات التي قدمتها سوريا كانت السبب في إحباط هجمة في ربيع 2002 على منشأة إمداد للجيش الأمريكي في البحرين . وقامت السلطات السورية باعتقال أحد ناشطي القاعدة ممن شاركوا في هجمات 11 أيلول . أما الآن فيبدو أن الأسد عاد للتستر على الإرهاب . في بداية عام 2003 أشارت مصادر استخباراتية متفرقة إلى أن النظام السوري كان قد قدم المأوى والملاذ لعدد من الشخصيات الرئيسية في تنظيم القاعدة ، كما أنه ساعد في الترتيبات لتمويل ونقل عدد من المتطوعين من أوربا إلى معسكرات التدريب التابعة لجماعة أنصار الإسلام الإرهابية في شمال العراق (لابد من التنويه إلى أن مدى موثوقية هذه الأدلة لا يزال قيد البحث ضمن الحكومة الأمريكية ) . \r\n جيران الأسد الجدد \r\n أدت حرب العراق العام الماضي إلى تضييق الخناق أكثر على مركز سوريا الاستراتيجي . لقد أدركت حكومة سوريا ما سيواجهها في حال انتصار الولاياتالمتحدة لذلك قدمت لنظام صدام الإمدادات العسكرية وعملت على إيواء المطاردين العراقيين وسمحت للجهاديين المتطرفين في سوريا بعبور الحدود إلى العراق للمشاركة في القتال . وعندما سقط النظام العراقي أصبحت سوريا محرومة من النفط الرخيص ومن السوق الذي كانت تصدر إليه منتجاتها ، والأهم من ذلك شريكها الإقليمي ، وبدلاً من ذلك أصبحت تواجه 130.000 جندي تابعين لقوة عظمى غاضبة يقفون على حدودها الشرقية ، وكما صاغها فاروق الشرع نائب الرئيس السوري : أصبحت الولاياتالمتحدة الآن جارة سوريا . عدا عن ذلك فإن نظام صدام كان يشبه النظام السوري من حيث كونه دكتاتورية تحكمها الأقلية البعثية ، لذلك خشيت دمشق أن سقوط صدام سوف يحرك المعارضة الداخلية ضد الحكومة السورية . والدليل الواضح على مدى خوف النظام وقلقه هو أن التلفزيون السوري كان يبث تقريراً خاصاً طيلة أربع ساعات عن فن العمارة الإسلامية في الوقت الذي كانت الفضائيات الأخرى فيه تبث صور إسقاط تمثال صدام على يد الدبابات الأمريكية في وسط بغداد . \r\n خلال العام الماضي تصاعد الضغط على دمشق بدلاً من أن يتراجع . وخلال زيارته في أيار الماضي قام باول بافتتاح المحادثات بإعطاء وصف مفصل لكيفية احتلال الجيش الأمريكي لبغداد ، وبعدها طالب سوريا بإغلاق مكاتب الجماعات الفلسطينية الإرهابية التي كانت تؤويها . وقد استجاب الأسد على الفور ، ظاهرياً على الأقل ، وإن لم تكن هذه الاستجابة حاسمة بحيث تنهي تماماً ونهائياً نشاطات هذه الجماعات . بعد ذلك بشهر ، وبعد أن أعرب الأسد عن سخطه كالعادة من استبعاد سوريا في مؤتمر شرم الشيخ حول خارطة الطريق ، صرح أن دمشق سوف تقبل أي مصير يختاره الفلسطينيون لأنفسهم ، كما صرح بأن سوريا مستعدة لتحسين العلاقات مع الولاياتالمتحدة الأمر الذي كرره مرة أخرى لمسؤول سابق في إدارة بوش في كانون الثاني 2004 . أيضاً في كانون الثاني أصبح الأسد أول رئيس سوري يقوم بزيارة رسمية لتركيا التي تقف إلى جانب الولاياتالمتحدة . \r\n فعل الاستجابة المتردد الذي يبديه الأسد يعكس مدى العزلة الاستراتيجية التي تعاني منها سوريا . إضافة إلى ذلك يوجد عدة عوامل تجتمع معاً لتجعل اتخاذ سوريا موقفاً عدائياً تجاه إسرائيل أخطر من الأول بكثير . منها احتمالات انخفاض مستوى التوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين بدليل الاعتدال البطئ في مستوى العنف في المناطق الفلسطينية والذي قد يكون مقدمة لتراجع الانتفاضة الحالية ، تركيز واشنطن على سوريا ، والتأثير الذي تتمتع به البلاد على حزب الله . \r\n من الجهة الشمالية ما تزال تركيا حليفاً غير موثوق ، فأنقرة حليف رئيسي للولايات المتحدة ويجمعها حلف مع إسرائيل وهي تسعى جاهدة لتحسين علاقاتها مع الاتحاد الأوربي . الديمقراطية في تركيا تبدو وكأنها تزداد استقراراً ورسوخاً ، خاصة بعد أن هزم حزب العمال الكردستاني الانفصالي ، والتزم حزب العدالة والتنمية بالعمل ضمن نطاق الحدود العلمانية \"الكمالية\" (نسبة إلى كمال أتاتورك) التي يقف الجيش على حراستها . وكانت العلاقات بينها وبين دمشق قد ساءت في السنوات الأخيرة بسبب دعم سوريا السابق لحزب العمال الكردستاني . هذه التطورات جميعها وضعت نظام الأسد في موقف سيء ، وهي تفسر لنا سبب الخطوات الأخيرة التي قام بها لتحسين العلاقات التركية السورية . \r\n عاجلاً وليس آجلاً : \r\n المعلقون العرب عادة ما ينظرون إلى تحركات الأسد على أنها إشارة إلى اعترافه بأن الولاياتالمتحدة أتت إلى المنطقة لتبقى فيها ، وأنه يرغب في الحصول على مكان ضمن هذا النظام الجديد . إلا أن واشنطن حافظت على صمتها بل إنها حتى زادت من صرامة موقفها . في كانون الأول 2003 على سبيل المثال قام بوش بتوقيع قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية الذي يعاقب سوريا لدعمها المنظمات الإرهابية ونظام صدام ، ويفرض قيوداً قاسية على تصدير منتجات أمريكية معينة إلى سوريا . \r\n لكن سيكون من الخطأ بالنسبة لإدارة بوش أن تعتبر هذه الفرصة أمراً مسلماً به ، حيث أنها ستفقد قوتها في حال تحسن المركز الاستراتيجي لسوريا مع الوقت بدل أن يتراجع . فنظراً لحالة عدم الاستقرار المتزايد التي تسود العراق والخطط الأمريكية للانسحاب قريباً فإن التهديد العسكري أصبح غير ذا معنى . \r\n في الوقت نفسه هناك احتمال أن يعود الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى الاشتعال مما يوحد مصالح كل من دمشق وحزب الله والجماعات الفلسطينية المتطرفة وبذلك يزيد الفرص أمام دمشق لكي تسيء التصرف . أو من الممكن بالنسبة للأسد أن يغير رأيه ببساطة ، إذ تشير التقارير إلى زيادة بمقدار 40% في ميزانية الدفاع السورية لعام 2003 ، وعلى الرغم من أن جزءاً من هذه الزيادة مخصص غالباً لأمن النظام إلا أن هناك ما يدل على أن دمشق لا تعتبر السلام والمصالحة مع إسرائيل و الولاياتالمتحدة على أنها النتيجة الحتمية ، بدليل جهود التطوير الحربي مؤخراً ، مثل شراء صواريخ أرض –جو جديدة ، تطوير الفيالق المدرعة ، وما يشاع عن إبرام صفقة جديدة لشراء طائرات مقاتلة ، والاختبارات الأولية لصواريخ سكاد الباليستية (والتي يبلغ مداها 450 ميلاً) . \r\n أحد الأسباب التي تدفعنا لامتحان النوايا السورية عاجلاً وليس آجلاً هو إعطاء عملية السلام في الشرق الأوسط التي تحتضر نبضاً جديداً لإنعاشها . بالطبع إن المسار الفلسطيني يعتبر أكثر أهمية من المسار السوري ، لكن في الوقت الحالي ليس هناك مفاوض فلسطيني جاهز للحوار ، لكن هناك مفاوض سوري . \r\n خلال الجولة الأخيرة من المفاوضات التي تمت عام 2000 أعرب الأسد الأب عن استعداده لإبرام الصفقة على أساس حدود ما قبل الرابع من حزيران 1967 في الجولان ، والعودة إلى المحادثات على هذا الأساس يجب ألا يكون مشكلة . \r\n في المرة الماضية كانت العقبة التي وقفت في وجه إبرام الاتفاقية تتمثل في قطعة أرض على الساحل الشمالي الشرقي لبحيرة طبرية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 ، وهذه العقبة لا تزال موجودة . إلا أن كلا الطرفين أصبح الآن يدرك أن أي حل لهذه القضية يستوجب تكييف مسألة السيادة بحيث تراعي المطالب السورية في الأراضي وفي الوقت نفسه ترضي المطالب الأمنية لإسرائيل . بكلمات أخرى يمكن أن تبدأ المفاوضات من جديد بدون شروط مسبقة ومع ذلك سيكون متوقعاً لها النجاح . \r\n بالطبع لكي يحمل الأسد إسرائيل على المفاوضات بحسن نية عليه أن يقوم بما هو أكثر من مجرد الكلام : عليه أن يقوم بخطوات ثابتة لإيقاف الدعم السوري للإرهاب ، لكن حتى هذا لا يعتبر شرطاً مرعباً كما قد يبدو . فنشاطات حزب الله كانت قد تضاءلت مؤخراً وفي الأشهر الأخيرة اقتصرت عملياته النشطة على منطقة مزارع شبعا المتنازع عليها ، وهذا يعني أن حدود الاتفاق حول حزب الله قد رسمت فعلاً ، فإسرائيل تحتمل نشاط حزب الله في المنطقة المحيطة بالمزارع لأنها تقبل الحاجة السياسية لهذه الجماعة في الحفاظ على أوراق اعتمادها كحركة ثورية ، وذلك مقابل أن تلجم الحركة نشاطها في النواحي الأخرى . إلى جانب ذلك كان رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قد تحدث عن \"تصدع\" العلاقات بين حزب الله وسوريا وإيران ، وذلك حين قال للكنيست في بداية كانون الثاني أن الأسد طلب من المنظمات الإرهابية الناشطة في دمشق أن تحد من نشاطها وأمر المسؤولين السوريين بتهدئة لهجتهم . \r\n الاقتراح التجريبي الذي اقترحه الأسد لاستئناف المفاوضات يدل على أن الحرس القديم السوري ، والمعروف بعدائه لإسرائيل وأمريكا ، سوف لن يعارض عقد اتفاق حول الجولان ، والمشكلة الرئيسية تكمن في إقناع دمشق بإيقاف دعمها للجماعات الإرهابية الفلسطينية . \r\n إن الضغط الداخلي الذي ستتعرض له سوريا بسبب خسارتها لعلاقاتها الاقتصادية مع العراق سيجعلها أكثر قبولاً للحوافز الاقتصادية ، وعلى الرغم من أن الأسد يعارض بوضوح الإصلاح السياسي الجدي إلا أنه ينظر إلى النمو الاقتصادي على أنه وسيلة لإبقاء المصلحين السياسيين المحتملين تحت السيطرة ، وكان قد أخبر عدداً من المحاورين الأمريكيين أن الإصلاح الاقتصادي يقع على رأس أولوياته . وهنا يجب أن تتدخل السياسة الأمريكية : قد يكون الأسد مستعداً لكبح جماح الإرهابيين الفلسطينيين مقابل إقامة علاقات مباشرة وبناءة مع الولاياتالمتحدة . \r\n المبادرة الأمريكية الموعودة سوف لن تتضمن إلغاء قانون محاسبة سوريا لأن هذا سيكون حركة مسرحية غير عملية من الناحية السياسية \r\n ، وحتى لو وافق الكونغرس على إبطال القانون فإن مثل هذا التشجيع لسوريا سيكون سابقاً لأوانه . الأهم من هذا كله هو أن واشنطن يجب أن تكون أكثر إدراكاً لمتطلبات الأمن الداخلي للنظام السوري ، وتفهم أن الحرس القديم ليس مهتماً بسياسة الأسد الخارجية بقدر ما هو مهتم بالمحافظة على المزايا المادية التي تتدفق عليه من خلال السيطرة الحالية التي تفرضها سوريا على لبنان . بكلمات أخرى فإن هذا الحرس القديم لن يقف في طريق عقد اتفاق حول الجولان ، لكنه سوف يعارض خسارة سوريا لهيمنتها على لبنان . \r\n وإذا أخذنا بالاعتبار هذا المجال الضيق للمناورة فسيكون على الولاياتالمتحدة أن تحد من فرض العقوبات المنصوص عنها في قانون محاسبة سوريا ، وهذا الأسلوب الصامت يجب أن يترافق مع وعود ضمنية ، ولكن موثوقة ، لسوريا بأن تعاونها سوف يخرجها من دائرة الدول الداعمة للإرهاب لدى الولاياتالمتحدة ويمنحها دعم واشنطن لمطالبها لدى المؤسسات المالية الدولية . \r\n فيما يتعلق بإقامة علاقات بناءة بين الولاياتالمتحدة وسوريا سيكون اللاعب الرئيسي هو المخابرات المركزية الأمريكية CIA ، فهي الوكالة الوحيدة القادرة على مراقبة امتثال دمشق لمطالب واشنطن . ولحسن الحظ يتم حالياً إقامة علاقات واعدة بين المخابرات الأمريكية والسورية للتعاون المشترك فيما بينهما ضد تنظيم القاعدة وذلك منذ هجمات 11 أيلول. \r\n الباب مفتوح جزئياً : \r\n العقبة الكبرى التي تواجه عودة سوريا وإسرائيل إلى المحادثات حالياً تكمن لدى الجانب الإسرائيلي . فالجيش الإسرائيلي لا يعتبر سوريا تهديداً عسكرياً جدياً وهذا له ما يبرره . كما أن أي اتفاق حول الجولان يعني تخلي إسرائيل عن المستوطنات التي أقامتها هناك ، وهذه الخطوة على درجة عالية من الحساسية نظراً للتصريحات الأخيرة من حكومة شارون بأنها تنوي الانسحاب من غزة وتفكيك عدد من المستوطنات في الضفة الغربية . كما أن التفكير بحلول لهذه المشكلات لا يتم بطريقة ملائمة ، فقد تم نقل عملية التخطيط من قوات الدفاع إلى مجلس الأمن القومي الذي يعاني أصلاً من نقص في الكوادر . إلى جانب ذلك لن يكون من السهل بالنسبة لحكومة شارون أن تقف في المفاوضات حول بحيرة طبرية موقفاً أكثر مرونة من الحكومة السابقة . \r\n ومع ذلك فإن التعليقات الصادرة عن عدد من المسؤولين الإسرائيليين تشير إلى شيء من الانفتاح فيما يتعلق بالمسار السوري ، أو على الأقل القلق من إنهاء خيار المفاوضات مع سوريا . قد يكون ممكناً إقناع شارون أن استغلال هذه الفرصة الجديدة وتحقيق التقارب مع الأسد سوف يجعل الفلسطينيين يشعرون بالقلق تجاه عزلتهم الاستراتيجية وبالتالي قد يقود إلى مزيد من التحرك على المسار الفلسطيني . وفي الواقع فإن الصحافة الإسرائيلية ألحت عموماً على شارون بألا يتجاهل تلميحات الأسد وأن يختبر نواياه ، لكن بحذر . في منتصف كانون الثاني قام الرئيس الإسرائيلي موشيه كاتساف بتوجيه دعوة للأسد لزيارة إسرائيل والبدء في المفاوضات . بعد ذلك بعدة أيام صرح شارون أمام الكنيست : \"يجب ألا يكون الوضع مبهماً لأحد ، الثمن للسلام مع سوريا هو التخلي عن الجولان \" . من جهتها فسرت سوريا دعوة كاتساف على أنها مناورة ، وأتت ملاحظات شارون بعدها كرسالة تحذير ، وربما حتى تحدي وليس تنازل . على أية حال فإن هذه التطورات تكشف محاولات الحكومة الإسرائيلية لاختبار حجم الصفقة التي ستحصل عليها ، كما أنها تشير إلى أن بعض المسؤولين الإسرائيليين يدركون أن التمسك بأراضي يجب إعادتها في النهاية يعطي سوريا مبرراً لسلوكها الخاطئ . \r\n \r\n في الخاتمة نقول أن الظروف الحالية تعطي الولاياتالمتحدة فرصة نادرة لكي تدفع سوريا إلى العملية السياسية وبالتالي تسد الطريق على حكومة الأسد في زعزعة استقرار الشرق الأوسط وتجعل التوصل إلى تسوية سلمية للصراع الإسرائيلي السوري أمراً ممكناً . إلى جانب ذلك فإن التقارب مع سوريا سيجعل من السهل السيطرة على إيران والحد من حرية نشاطها في لبنان . المزايا التي ستحصل عليها واشنطن : تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، تخلي سوريا عن أسلحة الدمار الشامل وبرامج الصواريخ الباليستية ، سوف تبقى بعيدة المنال ، إلا أن التوصل إلى اتفاق حول الجولان سوف يجعلها أقرب . \r\n فيما يتعلق بليبيا ، يبدو أن واشنطن تفهمت أن \"الدبلوماسية القسرية\" أثبتت فعاليتها ، مع التركيز على كلا الكلمتين في هذا التعبير . ولو تمكنت من التخلي عن عنادها فقد تجد أن نفس الأسلوب يمكن أن ينجح مع سوريا أيضاً . \r\n \r\n – أيار حزيران 2004 \r\n