\r\n ثم سوف تنتشر بعدها كبقعة الزيت إلى الجوار العربي وغير العربي لتطال منطقة الشرق الاوسط كلها من ايران إلى لبنان ومروراً بسورياً وغيرها من بلدان المنطقة، لكن نظام صدام حسين سقط، والعراق لم ينعم بالديمقراطية الموعودة بعد مرور شهور طويلة، بل الامر على العكس، والعنف والفوضى يعمان، ويظهر في الأفق شبح الفشل الاميركي في هذه البلاد مما يثير قلقاً جديداً ويدفع نحو القيام بتحالفات جديدة واعادة تشكيل السياسات في الشرق الاوسط. \r\n \r\n ان الامور لم تسر كما كان مخططاً لها، والذي يسود في المنطقة الآن ليس الديمقراطية، وانما العنف والارهاب، ثم ان ادارة جورج دبليو بوش لم تشأ ان تتعامل مع تحديات حقيقية تمثلها الاوضاع القائمة في عدة بلدان، مثل سوريا وايران واسرائيل، والتي لم تأخذ الاهتمام الكافي من واشنطن، حيث ركزت الادارة هناك على الملف العراقي فقط من دون الانتباه إلى ما يحيط به وما يمكن ان يكون له آثاره بالنسبة للمنطقة كلها. \r\n \r\n ان تلك الادارة كانت مسكونة ب «الهاجس العراقي» ان ايران هي قوة سائدة في المنطقة، فضلاً عن انها على وشك ان تصبح قوة نووية. وسوريا موزعة بين الرغبة في العمل مع العرب وبين الاحتفاظ بدورها كزعيمة للعرب، وهو الدور الذي اختارته لنفسها. \r\n \r\n والاسرائيليون يسعون إلى الدخول بشراكة خطرة مع كردستان، في الوقت الذي يبدو ان قادة سوريا وايران وتركيا قد وضعوا جانباً من منافساتهم الاقليمية في أفق تشكيل حلف جديد. وهذه البلدان جميعها تأثرت بالفوضى التي حلت بالمنطقة، والتي لا تمتلك ادارة بوش اية اجابات نهائية عليها. والنتيجة هي توتر متعاظم وخطر مضاعف. \r\n \r\n لهاجس النفطي \r\n \r\n بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001 بدا واضحاً ان عدم الاستقرار في منطقة الخليج هو من المنظور الاميركي تهديد لمنابع النفط من قبل الجماعات المتطرفة ويمثل الخطر الاكبر على المصالح السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة. وقد قام وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد بزيارة للسعودية قبل بدء الغارات الاميركية على افغانستان والتقى بالعاهل السعودي الملك فهد بن عبدالعزيز وابدى رغبته في لقاء الامير عبدالله والامير سلطان بحكم دوريهما على مستوى المنطقة. \r\n \r\n لقد اراد الاميركيون ان يتعقبوا اثار الذين شاركوا في هجمات 11 سبتمبر، حيث تبين ان 15 منهم يحملون الجنسية السعودية، لكن الحكومة السعودية رفضت السماح بذلك مما أثار استياء المسئولين في الاستخبارات الاميركية. \r\n \r\n ويرى مؤلف الكتاب ان ذلك الرفض ربما كان بسبب ان التحقيقات كانت ستؤدي إلى تعقيدات بالغة الصعوبة. \r\n \r\n ويشير المؤلف إلى ان الرسائل الالكترونية التي رصدتها اجهزة المخابرات الاميركية اكدت ان الامير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي يريد بالفعل اقتلاع الفساد من جذوره، وانه اصدر قراراً يحظر فيه بشكل قاطع على ابنائه المشاركة مع المؤسسات الاجنبية التي تعمل في المملكة. \r\n \r\n ومن المعروف ان السعودية قد ساندت ادارة الرئيس رونالد ريجان مالياً في حملتها ضد الشيوعية في اميركا اللاتينية، كما قدمت الاموال لمساندة المجهود الحربي ضد السوفييت اثناء وجود قواتهم في افغانستان، واعطت هذه المساعدات المالية الكبيرة مكانة متميزة للمملكة العربية السعودية في واشنطن. وكانت السعودية قد ساهمت ايضاً من خلال سفيرها في واشنطن الامير بند بن سلطان بمئات الملايين من الدولارات للجمعيات الخيرية وللبرامج التعليمية في الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n واستمرت الاوضاع على ما هي عليه في عهد الرئيس بيل كلينتون الذي شجع السعوديين على شراء طائرات البوينغ وغيرها من السلع والمنتجات الاميركية. لكن تم منع وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية من القيام بأية عمليات داخل المملكة، ولم تستطع ان تجند سوى القليل من السعوديين للعمل لحسابها، مما حد من معرفة الحكومة الاميركية بمجمل الصورة الداخلية العامة في المملكة. \r\n \r\n وفي اعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 اكدت السلطات السعودية انها لا علاقات لها ابداً لها مع الجماعات الاسلامية المتشددة وبانها لم تقدم لها اية مساعدات مالية. وفي مؤتمر صحافي عقده بالمشاركة مع دونالد رامسفيلد اكد الامير سلطان بن عبدالعزيز لم تقدم مساعدات مالية للقاعدة او غيرها. \r\n \r\n لقد اختارت ادارة جورج دبليو بوش عدم الصدام مع السعودية فيما يتعلق بملف المساعدات المالية وبشأن عدم التعاون في التحقيقات بعد تفجيرات 11 سبتمبر، وبعد ان اشاد جورج دبليو بوش بتاريخ 24 سبتمبر 2001 بما ابدته السعودية من تعاون، قامت الرياض بقطع علاقاتها في اليوم التالي مع طالبان، كذلك بعد ان عبر رامسفيلد في مؤتمر صحافي مع الامير سلطان بن عبدالعزيز وزير الدفاع السعودي. عن ثقته بمتانة العلاقات بين بلديهما حصل الاميركيون على امكانية استخدام قاعدة سعودية في الحرب مع طالبان. \r\n \r\n لقد اثارت الحرب في افغانستان المخاوف بشأن امكانية حدوث عمليات ارهابية تستهدف آبار النفط السعودية، وقد كان هناك تقرير سري اعدته وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية عن امكانية تعطيل انابيب النفط لمدة عامين في حالة استخدام كمية صغيرة من المتفجرات لضربها. وقد بلغت سرية هذا التقرير حداً جعلت معديه يقومون بطباعته على الورق فقط بحيث لم يتم الاحتفاظ به في ذاكرة الكمبيوتر ابداً. \r\n \r\n لقد اصبحت مسألة امن آبار النفط والمؤسسات النفطية هاجس الولاياتالمتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. وحسب ما جاء على لسان احد خبراء النفط فإن الولاياتالمتحدة اصبحت رهينة استقرار منطقة الخليج، واضاف انه قد حان الوقت لمواجهة الحقيقة. لقد اعلن أسامة بن لادن الحرب، لكن هناك الآلاف من امثاله، ثم ان هناك شكلاً جديداً من الحروب لا تجدي معه آلة الحرب الجبارة التي تمتلكها الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n وهناك خطر ان ينفجر الامر في احد القطاعات النفطية الخليجية وإذا حدث ذلك، فإن سعر برميل النفط سيصل إلى 100 دولار. كانت تلك هي آراء الخبير النفطي الذي اشار في الوقت نفسه إلى انه لا يوجد احد من جورج دبليو بوش إلى كولن باول يستطيع ان يفهم جيداً العالم الاسلامي او ان يحلله بدقة، ثم اختتم كلامه بالقول: «اخشى من اليوم الذي لن يستطيع الاميركي ان يسير فيه في احد شوارع مجتمع يسود فيه، كان هذا الخبير قد عمل لمدة ثلاثة عقود مع السعوديين. \r\n \r\n الفرصة الضائعة \r\n \r\n في ليلة 18 يونيو 2003 قامت مجموعة من القوات الاميركية الخاصة المرابطة في العراق بتوسيع نطاق عملياتها لمسافة تصل إلى عشرين كيلو متراً داخل الاراضي السورية. فلقد لاحظت اجهزة الاستخبارات العسكرية ان اعداداً كبيرة من السيارات والشاحنات تتجه ناحية الحدود مما دفع كبار الضباط إلى الشك في ان تكون تلك الناقلات محملة باعضاء هاربين من القيادة العراقية. وتبين من الاتصالات الهاتفية والرسائل الالكترونية التي تم التقاطها ان جنوداً سوريين قد انتشروا على طول الحدود مع العراق باعداد اكبر مما هو معتاد وان من بينهم بعض الضباط. \r\n \r\n لقد بدا ان شيئاً ما يحدث، فقبل ذلك بيومين كان قد تم اعتقال احد مساعدي صدام حسين المقربين، وكان قد اخبر المحققين بأن ولدي صدام حسين، اي عدي وقصي، قد حاولا الهرب إلى سوريا، ولكن تمت اعادتهما من حيث اقبلا، ومع ان الحكومة السورية انكرت معرفتها بأي شيء يخص ولدي صدام حسين، فإن العسكريين الاميركيين استعدوا لعبور الحدود من اجل منع اي محاولات للهروب في المستقبل. \r\n \r\n بعد منتصف تلك الليلة قامت طائرات مروحية وعربات مدرعة اميركية بالهجوم على مجموعتين من السيارات كانتا تتجهان إلى سوريا، مما ادى إلى انفجارات هائلة في المنطقة وتدمير محطة وقود وعدد من المنازل، ثم سارعت القوات الاميركية إلى عبور الحدود مع سوريا وتم جرح خمسة جنود سوريين تم ارسالهم إلى العراق للعلاج، كما جرى اسر عدد من المواطنين السوريين لفترة قصيرة من الوقت قبل ان يتم اطلاق سراحهم جميعاً. \r\n \r\n بعد العملية عقد وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد والمسئولون في البنتاغون مؤتمراً صحافياً في 24 يونيو 2003 اشادوا فيه بنجاح تلك العملية، ولكن من دون ان يحددوا ما اذا كان من بين القتلى بعض كبار رجال نظام صدام حسين، لكن الشهود والواقع يؤكد ان تلك العملية كانت عملية فاشلة تماماً وانها اسفرت عن مقتل ما يقارب الثمانين شخصاً، وتبين ان الشاحنات كانت تقوم بتهريب وقود السيارات البنزين. \r\n \r\n اما سوريا فإنها لم تتحدث كثيراً بشكل علني عن انتهاك حدودها وسيادة اراضيها، حتى بعد ان قام البنتاغون بتأخير اعادة الجرحى السوريين من حراس الحدود لمدة عشرة ايام. بعد مرور عدة اسابيع على تلك العملية الفاشلة، ظلت هناك اسئلة اساسية مطروحة. فلماذا عبرت القوات الاميركية الحدود السورية؟ ولماذا كان رد السوريين هو الصمت حيال ما وقع؟. ان ما تردد بعد ذلك يشير إلى ان تلك العملية قد تمت بناء على معلومات غير دقيقة وغير واضحة وانها ادت إلى توتر شديد في العلاقات بين دونالد رامسفيلد وجورج تينيت مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية. \r\n \r\n في الواقع ومنذ اوائل عام 2002 ظهرت سوريا كأحد اقرب المتعاونين مع واشنطن واكثرهم فعالية في محاربة تنظيم القاعدة، حيث كانت تزودها بالكثير من المعلومات. ولم يتوقف هذا التعاون الا مع بدء غزو العراق، وقد اصبح جورج تينيت احد القلائل في واشنطن الذين يحسنون التعامل مع سوريا وحكومتها. غير ان خصوم تينيت ومنهم المدنيون العاملون في البنتاغون كان يعتبرون ان سوريا هي جزء من المشكلة على الرغم من المساعدات والمعلومات التي قدمتها، لكن تينيت وقف في وجه اي اجراء يراد اتخاذه ضد سوريا من قبل اولئك الذين يرغبون في ذلك داخل الادارة الاميركية. \r\n \r\n ان سوريا هي احدى الدول السبع التي تصنفها وزارة الخارجية الاميركية في عداد الدول التي تساعد الارهاب، بل وهي على قائمة الدول الارهابية، حسب التصنيف الاميركي، منذ عام 1979 بسبب المساندة التي تقدمها لحزب الله في لبنان، والذي كان قد اعلن عن مسئوليته عن التفجيرات التي شهدتها بيروت عام 1913 وكان من نتيجتها مقتل 241 من جنود البحرية الاميركية كما ن سوريا كانت بنظر الاميركيين مساندة للحركات الفلسطينية المتشددة اذ سمحت لحماس والجهاد بالابقاء على مكاتبهما في دمشق. \r\n \r\n لكن بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001 في نيويوركوواشنطن بادر الرئيس السوري بشار الاسد فسمح بتزويد الولاياتالمتحدة بالمعلومات التي تحصل عليها، او المتوفرة لدى اجهزة الاستخبارات السورية، وقد كان لدى سوريا مئات الملفات عن تنظيم القاعدة، ومنها ملفات تخص بعض اولئك الذين شاركوا في تفجيرات سبتمبر او من الذين كانوا يريدون المشاركة فيها. \r\n \r\n وفي أواخر عقد التسعينيات من القرن الماضي كان محمد عطا الذي يعتبره الكثيرون بمثابة الرأس المدبر لتفجيرات 11 سبتمبر، قد عمل ومعه آخرون من اعضاء القاعدة في شركة المانية اسمها «تانكس تريدنج»، وقد كان بعض عناصر الاستخبارات السورية قد تسللوا إلى هذه الشركة خلال عقد الثمانينيات، وفي منتصف 2002 كان احد الافراد المهمين الذين عملوا في الشركة المعنية قد تعرض للاعتقال وللترحيل إلى العالم العربي. \r\n \r\n بعد عدة اسابيع من هجمات سبتمبر 2001 كان عدد من عناصر الاستخبارات الاميركية قد وصلوا إلى مدينة حلب شمال سوريا، من اجل جمع المعلومات حول محمد عطا، وكان ذلك بموافقة سوريا. وكان عطا قد اختار موضوعاً لاطروحته الجامعية دراسة التخطيط العمراني لمدينة حلب التي زارها مرتين والتقى فيها بأعضاء من الاخوان المسلمين. \r\n \r\n ن المعلومات التي زودت بها سوريا الولاياتالمتحدة كانت ذات فائدة كبيرة فيما يخص خطط تنظيم القاعدة وهي التي قد ادت في واقع الامر إلى تفادي وقوع عملية كبيرة كان يمكن ان تؤدي إلى سقوط عدد كبير من الاميركيين ولا يتردد المسئولون عن اجهزة الاستخبارات الاميركية في الاعتراف بأن سوريا قد ابدت قدراً كبيراً من التعاون معهم وانها قدمت لهم من المعلومات اكثر مما كانوا يتوقعون منها، لكنها بالمقابل لم تحصل سوى على القليل. \r\n \r\n موقف سلبي أساساً \r\n \r\n ان ادارة بوش لم تكن لديها في واقع الامر الرغبة في تغيير موقفها من القيادة السورية منذ وقت بعيد، وهو موقف سلبي اساساً. \r\n \r\n وكان الرئيس بشار الاسد يهدف من خلال اظهاره رغبة التعاون مع الولاياتالمتحدة إلى تحسين العلاقات بين البلدين ورفع اسم سوريا من قائمة الارهاب. واذا كانت وزارة الخارجية الاميركية تعترف صراحة بأن سوريا لم تشارك في اية عملية ارهابية منذ عام 1986 الا ان رفع اسمها من قائمة الدول الداعمة للارهاب يعني مباشرة ضرورة عودة التبادل التجاري معها وحصولها، مثل بقية الدول الاخرى، على معونات اقتصادية، وتمكنها من شراء الاسلحة الاميركية وهذا ما لا تريده ادارة جورج دبليو بوش. \r\n \r\n لكن العقبة الاساسية التي يراها مؤلف هذا الكتاب في تحسن العلاقات بين دمشقوواشنطن هي في العلاقة مع حزب الله وما يترتب عليها حيال اسرائيل، ولكن عندما اعلنت سوريا رفضها الصريح لتأييد الغزو الاميركي البريطاني للعراق، اصبحت واشنطن ترى في مسألة التعاون في ملف القاعدة امراً ثانوياً. \r\n \r\n لكن هناك من الاميركيين من يقول ان سوريا قد ساهمت في جعل حزب الله يمتنع عن اي تحرك خلال غزو العراق، وكان هذا بمثابة اشارة لواشنطن، لكن هذه الاخيرة ظلت مصرة على ان لا ترى وان لا تسمع، اذ لديها حسابات اخرى. \r\n \r\n