وأنه يسيطر على مجموعة من العناصر المنتقاة المصممة على مهاجمة الولاياتالمتحدة. لكن منذ إنشاء هذه القواعد، ظل الضباط الأميركيون المقيمون هناك يخضعون للرقابة الصارمة من قبل المسؤولين الباكستانيين، الذين حدوا كثيرا من مقدرتهم على العمل، وتابعوهم أينما ذهبوا في هذه المنطقة الحدودية. وبالنتيجة، أصبح شبه مستحيل على الأميركيين جمع أية معلومات استخبارية، كما صرح كثير من المشاركين في هذه العمليات والذين أصروا مع ذلك على عدم كشف هوياتهم. \r\n وبعد ثلاثة أعوام من احتلال بن لادن موقع المطلوب الأول من قبل الولاياتالمتحدة، إثر هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، ما يزال الباحثون عنه عاجزين عن الوصول إليه، إذ تعرقل جهودهم عزلة المنطقة التي يختبئ فيها، وتحبطها منظمة «القاعدة» التي ما تزال جيدة التمويل ومتماسكة التنظيم، وتصرفها عن مسارها الحرب في العراق، وتحصرها حصرا الشكوك القوية التي يحسها الباكستانيون تجاه أميركا ونواياها، وربما يكون العامل الأخير هو أهمها جميعا. \r\n وتحت الضغط الأميركي، قامت الحكومة الباكستانية هذا الربيع، بهجوم عبر الحدود الشمالية الغربية، لمداهمة قوات «القاعدة» التي هربت من أفغانستان وربما القبض على بن لادن إذا كان ذلك ممكنا. ولكن بعد أن التعرض لخسائر فادحة في الأرواح، وسقوط كثير من الضحايا وسط المدنيين، أعلن الجيش الباكستاني النصر، وقال إن بن لادن ليس موجودا في باكستان. لكن كثيرا من المسؤولين الأميركيين واثقون أنه هناك، وأن خطورته ما تزال على ما كانت عليه في الماضي. \r\n ويتفق خبراء الاستخبارات على أن الحرب ضد الإرهاب ألحقت خسائر فادحة ب«القاعدة»، وأجبرتها على التأقلم على ظروف جديدة قاسية حتى تواصل البقاء. ويقول هؤلاء إنها تعمل الآن كمنظمة محلية رخوة الصلات مع بعضها البعض، تجمعها فقط آيديولوجية أصولية واحدة. ولكن أغلب الاستخباراتيين الأميركيين يقولون إن بن لادن ما يزال أكثر من مجرد رمز للمقاتلين الأصوليين، ويقول هؤلاء إنه في مقر إقامته على الجانب الباكستاني من الحدود، يجمع حوله خلية من المقاتلين العتاة، المصممين على مهاجمة المصالح والأهداف الأميركية، ويقولون إنه يشرف شخصيا على هذه المجموعة، التي يطمح إلى أن يستخدمها مرة أخرى في هجوم «غير عادي» على غرار ذلك الهجوم الذي نفذته «القاعدة» يوم 11 سبتمبر. \r\n ويقول خبراء مكافحة الإرهاب الأميركيون إن هذه الخلية ربما تكون متفرقة من حيث الأفراد، لكنهم لا يعرفون أماكن وجودهم على وجه اليقين. وقال مسؤول استخباراتي كبير، إن «مجموعة التخطيط الخارجي»، يمكن أن تتصل بأفرعها في كل أنحاء العالم، لتنسق معها عندما تنشأ الضرورة للتنسيق. وأضاف نفس المسؤول: «تراود بن لادن رغبة قوية في مهاجمة العمق الأميركي، ويريد أن يستخدم فرع التخطيط الخارجي لتنفيذ هذا الهجوم». \r\n واعترف المسؤول بأن الولاياتالمتحدة لم تتمكن من اختراق المجموعة وليست لديها أية فكرة حول الموعد الذي ستسدد فيه القاعدة ضربتها. ولا يرغب مسؤولو الاستخبارات في توفير أية معلومات حول الطريقة التي توصلوا بها إلى أن هذه هي الخطط الحالية لابن لادن، والتي لم يكشف عنها من قبل. \r\n ويعبر كثير من المحللين عن قناعة بأن بن لادن تموله مجموعات من رجال القبائل الأغنياء والمقاتلين الأجانب، الذين يمارسون نشاطهم في هذه المنطقة الجبلية الفقيرة، وأنهم يساعدونه على التواصل مع أبرز معاونيه في كل أنحاء العالم. وقال أحد المسؤولين الاستخباريين: «يحصل بن لادن على دعمه اللوجستي من رجال القبائل. وهو ما يزال يملك امكانيات الاتصال العملياتي بالخارج». \r\n البقعة التي يعتقد أن بن لادن يختبئ بها، والواقعة خلف سلسلة جبال الهندوكوش، تعتبر من أكثر المناطق عزلة وتخلفا في العالم. وما الخط الحدودي بين باكستانوأفغانستان سوى امتداد قاحل من الجبال والسهول الطينية. ويعمل أفراد قبائل البشتون التي تسكن هذه المنطقة، والمعروفة بنزعاتها الاستقلالية الشرسة، في الزراعة والتهريب، وأغلبهم فقراء وأميون. وعادة ما يصور الملالي المحليون الولاياتالمتحدة كقوة غاشمة تهدف إلى استعباد المسلمين وتدمير ثقافتهم. ونسبة لتعاطفهم مع طالبان، الذين درس غالبيتهم في مدارسهم، فإن الشبان منهم ينظرون إلى الأميركيين كمعتدين خطرين احتلوا أفغانستان والعراق، وينظرون إلى بن لادن باعتباره البطل الذي ينتقم لهم من المظالم الأميركية. وتمنع باكستان الصحافيين الغربيين من دخول هذه المنطقة بدون حراسة عسكرية. \r\n وقد ظلت المناطق السبع التي تحتلها القبائل ذات الحكم شبه الذاتي، أرضا مقفولة في وجه الأميركيين منذ هجمات 11 سبتمبر، مما جعلها ملاذا آمنا لأفراد «القاعدة» وزعمائها الذين هربوا من أفغانستان بعد معركة تورا بورا عام 2001. ولا تسمح باكستان للقوات الأميركية بعبور الحدود الأفغانية لمطاردة المقاتلين، وهذا يجعل المطاردة المستمرة عبر الحدود أمرا مستحيلا، كما يمكن لقوات «القاعدة» وطالبان إشعال المعارك مع القوات الأميركية داخل المناطق الأفغانية والهرب إثر ذلك إلى الجانب الباكستاني من الحدود. ويشتكي الجنود الأميركيون من أن النار تطلق عليهم من داخل باكستان، من قبل عناصر أجنبية وغيرها، بينما يكتفي الجنود الباكستانيون بالتفرج، دون حتى تغيير أوضاع جلوسهم. \r\n وقال مسؤول استخباراتي، إنه نتيجة للقيود المفروضة على حركتهم في الحدود، فإنهم لم يعودوا يطاردون بن لادن حاليا، بل هم يحاولون توفير قدر من الاستقرار للحكومة الأفغانية الجديدة، إذ يقاتلون ضد تمرد طالبان ونشاطات عناصر «القاعدة». وقد بدأت الولاياتالمتحدة هجوما يوم السبت الماضي لمطاردة أولئك المقاتلين، وفي الوقت الذي تنفذ فيه الولاياتالمتحدة عمليات جوية فوق الأراضي الباكستانية، فان هذه العمليات تخضع لقيود صارمة هي الأخرى. ويسمح للطائرات بدون طيار من طراز «بريديتور»، أن تحلق فوق المجال الجوي الباكستاني، ولكن بعد الحصول على إذن من القيادة العسكرية الباكستانية العليا، مما يعطل هذه العمليات بصورة تجعلها غير فعالة. \r\n واتضح كذلك أن الرقابة الإلكترونية للحدود من قبل «الوكالة الوطنية للأمن»، صاحبه هو الآخر كثير من الإحباط. ويعتقد أن بن لادن لا يستخدم مطلقا أية أجهزة إلكترونية يمكن التقاطها ويكتفي بالرسائل التي ينقلها أشخاص يثق فيهم بدرجة كاملة. ونسبة لأن الهواتف الجوالة والراديوهات النقالة يستخدمها المهربون، فإنه يصبح من الصعب تمييز مقاتلي «القاعدة» الذين يستخدمون نفس الأجهزة. \r\n وعلى أمل جمع مزيد من المعلومات، أقامت وكالة (سي. آي. ايه) مزيدا من القواعد التي تشرف عليها مجموعات صغيرة من الخبراء، ولكنها لم تتمكن من استخدامها في العمليات الهجومية ضد «القاعدة» وطالبان. ويقول المسؤولون الأميركيون إن هذه العناصر تعتمد على العسكريين الباكستانيين الذين يحملون آراء مختلفة جدا حول الاحتلال الأميركي. \r\n وقال الباكستانيون إن الأميركيين يمكن تمييزهم بسرعة وسهولة، ولذلك ليس منتظرا أن يصادفوا أي قدر من النجاح إذا عملوا وحدهم. ويقولون إنهم يحرسون الأميركيين لحمايتهم من الخطف أو القتل، أو الحيلولة دون انكشاف أماكن بقائهم، مما يمكن أن يكون مدمرا بالنسبة للحكومة الباكستانية. ويقول المسؤولون الاستخباراتيون إن قرار السماح بوجود هؤلاء الأميركيين يعد من القرارات المهمة التي اتخذها الرئيس برويز مشرف لمساعدة الأميركيين. وهو يحاول الموازنة بين مستحقات تحالفه مع الولاياتالمتحدة، واحتمالات ظهور حركة تمرد في المنطقة الحدودية، حيث يسود السخط على الحكومة لإهمالها الطويل الأمد، لهذه المناطق. وقال المسؤولون الباكستانيون إن عددا من المقاتلين من مناطق أخرى في باكستان توجهوا إلى منطقة القبائل ليشاركوا في القتال هناك. \r\n ويقول المسؤولون إن ال«سي. آي. ايه» تسلمت في أوقات مختلفة معلومات حول تحركات بن لادن، على الحدود الباكستانية، لكنها كانت تصل دائما بعد فوات الأوان. وقال محلل أميركي: «لا توجد أية معلومات موثوقة أنه غادر منطقة الحدود منذ معركة تورا بورا». \r\n واستنتج المحللون الأميركيون كذلك أن أيمن الظواهرى، المسؤول الثاني في «القاعدة»، موجود أيضا في المنطقة الحدودية، لكنه لا يقيم مع بن لادن. وقالوا إن الرجلين افترقا لأسباب أمنية ولكنهما على اتصال وثيق ببعضهما البعض. وربما يكون هذا هو التفسير لكون الرجلين أذاعا بيانات وأشرطة بالفيديو، من دون أن يظهرا معا. لكن هذه البيانات نفسها دليل على اتصالهما الوثيق. \r\n وكان بن لادن قد أذاع قبل أيام من الانتخابات الأميركية، شريط فيديو محذرا الولاياتالمتحدة بأنها ستتلقى مزيدا من الضربات إذا لم تغير سياستها. وكان منظر بن لادن هذه المرة أكثر حيوية مما كان عليه في الشريط السابق. وقال خبراء في ال«سي. اي ايه»، إنهم ليسوا متأكدين من صحته، لكنهم استخفوا بالتقارير التي كانت تقول إنه مصاب بفشل كلوي. \r\n ورغم كل النواقص المحيطة بعمل الأميركيين على الحدود، فان الرئيس الأميركي جورج بوش يقول إن الرئيس الباكستاني مشرف، اتخذ خطوات تنطوي على كثير من المخاطر السياسية، ليعبر عن انحيازه للولايات المتحدة، ضد «القاعدة»، وإنه لن يضغط عليه لتقديم مزيد من الدعم، ولن يجبره على اتخاذ خطوات علنية. وتعبيرا على احترام مشرف، تعلن الولاياتالمتحدة أن بن لادن موجود على الحدود الباكستانية الأفغانية تفاديا للاتهامات الواضحة الموجهة لإسلام آباد. \r\n ويشير مسؤولو «سي. آي. ايه» إلى الدور الجوهري الذي لعبته الأجهزة الأمنية الباكستانية في اعتقال كثير من عناصر «القاعدة» العاملين داخل المدن الباكستانية. ويمكن لقوات الأمن في المدن، أن تدعي أنها قبضت على من قبضت عليه خلال دورات تفتيش روتينية، مما لا يثير لغطا سياسيا عاليا. وجدير بالملاحظة أن كل الذين قبض عليهم من الشخصيات المهمة، قبض عليهم في المدن، وليس في منطقة الحدود، إذ لم يقبض هناك حتى ولو على شخص واحد. ويقول المسؤولون إن مزايا الحملة الحالية أنها أجبرت عناصر المقاتلين الأجانب على التحرك إلى المناطق الوعرة، أو إلى المدن، مما يمكن أن يؤدي إلى كشفهم، وعندها يسهل استهدافهم وتسديد الضربات لهم. \r\n \r\n * خدمة «نيويورك تايمز»